في مثل هذا اليوم 21 نوفمبر1248م..
سقوط مدينة إشبيلية كبرى الحواضر الأندلسية في يد ملك مملكة قشتالة فرناندو الثالث.
سقوط الحضارات والإمبراطوريات الكبرى، لا يكون فقط بيد الأعداء أو القوات المحاربة، فقد يكون للحلفاء يد فى سقوط الأوطان، وتكتب الخيانة، فصلا أخيرا فى سجلات التاريخ، ولعل فى سقوط الإمبراطورية الإسلامية فى الاندلس دليلا على هذا.
وتمر اليوم الذكرى الـ 776 على سقوط مدينة إشبيلية كبرى الحواضر الأندلسية فى يد ملك مملكة قشتالة فراندو الثالث، إذ سقطت فى 21 نوفمبر عام 1248م.
“أشبيلية” تلك المدينة الشهيرة الآن بمقاطعة كتالونيا بدولة إسبانيا، والمعروفة بآثارها الإسلامية العريقة، والذى يحمل اسمها أحد أشهر الأندية الأوروبية فى العقد الأخير، كانت أحد أكبر الحواضر الإسلامية فى الأندلس، لكن سقطت بفعل الخيانة من أحد الحكام المسلمين فى دولة الإندلس، بعد حصار دام لنحو 3 أشهر.
ابن الأحمر، ذلك الاسم كان سببا رئيسيا فى سقوط أشبيلية، ليفتح المجال أمام الأنهيار السريع لدولة المسلمين فى الأندلس، ويكتب نهاية الأمجاد المسلمة هناك.
وابن الأحمر، هو الغالب بالله محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر، المعروف بـابن الأحمر، من بني نصر أو بنى الأحمر المنحدرة من قبيلة الخزرج الأزدية القحطانية، مؤسس دولة بنى نصر بالأندلس والسلالة الحاكمة فيها. حكم مملكة غرناطة بين عامي (1238 – 1273).
وبحسب كتاب “انبعاث الإسلام فى الأندلس” للمؤرخ الدكتور على بن المنتصر الكتانى، فإن ابن الأحمر، والذى كان حاكم مملكة غرناطة، وأثناء معاركه حامية الوطيس مع الصليبين هناك، بعدما حاصروا غرناطة سنة 1244م، حينها أدرك أنه لا قبل له بمحاربة تلك الجيوش، ولا أمل له فى نجدة من المغرب أو تونس، فآثر مصانعة ملك قشتالة فراندو وقدم له الطاعة مقابل أن يسمح له أن يحكم مملكته وأراضيه باسم ملك قشتالة، وأن يؤدى له جزية سنوية قدرها مائة وخمسون قطعة من الذهب، وأن يكون حليفه فى كل حروبه مع أعدائه، مسلمين وغير مسلمين.
وسلم ابن الأحمر لقشتالة جيان وأرجونة وبلكنة وبيغ والحجار وقلعة جابر ومناطق شاسعة من دولة المسلمين فى الأندلس أخرى، وذلك على خلفية اتفاقية الصلح التى عقدها مع طاغية قشتالة سنة 1245م
ولم يترك هذا الخائن ما تبقى من أرض الأندلس إلى مصيره، بل ساعد ملك قشتالة على الاستيلاء عليها، حيث احتل فراندو مدينة قرمونة مستعدا بذلك للاستيلاء على الأندلس بمعاونة بن الأحمر، وكان ابن الأحمر يقوم بموقف الناصح للمسلمين فى تلك المدن، والحصون، بأن يستسلموا لقشتالة مقابل حقن الدماء.
وحاصر فراندو مدينة اشبيلية بداية من سنة 1247، وظل الحصار إلى أكثر من اثنى عشر شهرا، حتى سقطت المدينة فى 21 نوفمبر 1248م، فتحول مسجدها الأعظم إلى كنيسة، ونقل فراندو مقر مملكته من طليطلة إلى اشبيلية.
ومنذ ذلك التاريخ، أخذت مدن الأندلس فى السقوط واحدى تلو الأخرى بعد سقوط اشبيلية، فاستولى النصارى على شريش وشذونة وقادوس وشلوقة وغليانة، وأعان ابن الأحمر جيوش فراندو فى الاستيلاء على الكثير من الحصون بما فيها قادس.
ورغم محاولة الصليبين الغدر بابن الأحمر، لاستئصاله من المملكة، إلا أنه بقى ما تبقى من حياته فى مملكته وتنظيمها وتوطيد المهاجرين، وعين ولده محمد وليا للعهد من بعده، وبسبب عبقرية ابن الأحمر السياسية وخيانته للمسلمين، تقلصت دولة الأندلس فى أقل من قرن من مساحة مقدرها 250.000 كيلو متر، إلى ما يزيد عن 30.000، وهى المناطق التى كانت تضم ولايات مالقة وغرناطة والمرية، وقسما من ولايات قادس وقرطبة وجيان، بالإضافة إلى اشبيلية.!!