قراءة تحليلية انطباعية لنص “عري الفصول” للإعلامية إلهام عيسى/ سوريا
بقلمي سعيدة بركاتي/ تونس
مباشرة إلى العنوان والذي هو عتبة النص يتبادر إلى ذهننا الفصول الأربعة و تعاقبها ، وكل فصل و خصائصه ، أن تتعرى “كل” الفصول يجعلنا في حيرة و ببساطة نتساءل … قد نتناول النص انطلاقا من الفصول فعلا أو من المعنى والانزياحات … لكن كمتابعة للدكتورة إلهام و ما تكتب ، انتبهت لأفعال و بعض الألفاظ التي وردت والتناص الديني :كــ فعل تعمدت ، المكنون ، يتوجس .
و من هذا المنطلق سأتناول هذه القراءة : التناص الديني في نص ” عري الفصول ” للشاعرة إلهام عيسى .
تقول الشاعرة عن الربيع : الربيع تعمدت ألوانه بلون العطش ، و التعمد هو طقس من طقوس الديانة المسيحية يغمس الجسم أو جزء منه في الماء .
الصيف تلهبه نيران استعار المكنون :المكنون تناص قرآني وردفي العديد من الآيات القرآنية : كأنهن بيض مكنون : الصافات 49 ، كأنهم لؤلؤ مكنون : الطور 24 ، و المكنون بمعنى المصان و المستور عن العين
الشتاء يتوجس خيفة من تظاهر الغيم :بمعنى يستمع بحذر إلى صوت خفي تناص مع : فأوجس منهم خيفة: الذاريات 28، فاوجس في نفسه خيفة : طه 68 …
الإستنتاج الاول : فصول عطشى للماء رغم السماء كانت حبلى لكنها تعثرت بمخاض ولادة : ولادة المطر ، ولادة سقيا تخفف وطأة سعير الصيف و تغيث حنين الشتاء و تطفئ عطش ألوان الربيع ، حتى الطرقات كانت خالية من شدة هذا الحر . حر معنوي جعل هذا النص يرتدي ثوبا شاحبا باهتا و جافا.
من يتمعن في النص تجده يبحث عن المكان بين عري الفصول ، رغم حقول القمح ، و جداول النهر وغيوم هذه السماء و مرآتها الطرقات … لكن أشارت إليه في آخر النص : ” هنا” …بقايا تلفظ أنفاسها .
في تناصها مع الخطاب الديني و ما ورد من أفعال الحركة و التي كانت سريعة و لغة تصاعدت معانيها وتنوعت انتقلت صور النص من حالة إلى أخرى و طويت الفصول و انتهت بأنفاس أخيرة . الفصول كانت تجاهد للبقاء ، رغم العري .
تغيرت / تستغيث/تعمدت / تساقطت / تلهب / يتوجس / تتعثر / تصفق / تلفظ .
هل الشاعرة تريد جلب انتباه المتلقي لشيء يحصل في بقعة من هذه الأرض ؟ الفصول أبدا لم تنس دورتها و لا تعاقبها فرمزيتها في النص عميقة جدا : لم تعد هناك فصول ، كلها في النص تتخبط في معاناة فحتى مخاض الولادة تعثر في السماء لم نعد نفرق بينها … تعرت الفصول كتعرى الانسان بين الفصول و تعثر أمله وخيره حتى الطرقات مقفرة الجوانب .
فصول في حالة معاناة متشابهة شاحبة يلسع حرها و جفت أنهارها عارية إلا من ثوب حزن فضفاض و طويل ، نص في رحلة واقعية أقلعنا فيها و الشاعرة مع احساس لو انفرج آخر النص ، فصول تستغيث و لا من مغيث . عقيمة هي دون ماء و لا أمان .
فيتضح جليا مما تقدم ذكره بين تحليل للنص و ما ورد فيه من تناص ديني أن الدكتورة الهام عيسى تسعى إلى ايقاظ سمع المتلقي وجلب انتباهه إلى ما يدور في هذه الساحة واتجاهاتها الأربعة ، ساحة من أرض تشكو العطش المعنوي والمادي رفعت عنها الأيادي و أغمضت عنها العيون ، عسى ترتوي و لا تلفظ أنفاسها الأخيرة .
للأسف النص كان لوحة فنية مميزة بريشة حرف بديع ،لكنها قاتمة وحزينة حملت أضداد العطش فامتزجت الوانها و اكتملت معانيها و انزياحاتها . كلماته حبلى كسماءه.
بقلمي سعيدة بركاتي / تونس
النص
عري الفصول !
الفصول تغيرت وحقول القمح تستغيث
جداول النهران لم تعد قادرة على محو الجفاف
الربيع تعمدت ألوانه بلون العطش
الخريف تساقطت به عروش ومماليك
الصيف تلهبه نيران الاستعار المكنون
الشتاء يتوجس خيفة من تظاهر الغيوم
السماء حبلى تتعثر بمخاض ولادتها
الطرقات تصفق خلو جنباتها
هنا بقايا .. تلفظ انفاسها الأخيرة