___عندما تنام الآلهة____
…رجل يحمل قيثارة
يعزف في الساحات العمومية…سيدي والموسيقى محرمة والمدينة لا تحتمل ذلك،والآلهة على وشك صبّ جام غضبهم علينا نحن الكهنة ،هكذا صرّح أحد الكهنوت في مجلس مضيّق انعقد استثنائيا لتدارس هذا الوضع الكارثي…
أحد الحضور مِمَّـن يحبون الموسيقى سـرّا دون العلـن ،ولكن نظام القطيع دعاه لإضمار ذلك وطمس هذه الميولات الشاذة قال متلعثما :هذا العازف ذكرني بتغريد الأطيار يوم كانت أشجار شوارعنا تعجّ بها وهي شادية في أمان…
ضرب آخر بيده على الطاولة
وقال :ما هذا الهراء ؟ أنت تهذي
تتحدث عن الموسيقى بشغف وستجلب لنا عقاب الآلهة ونحن لسنا حملا لذلك…ويبدو أنك نسيت من أنت وتجرّأت على الآلهة وأخذتك العزة بالإثم…
صمت الجمع ليقول رئيس الجلسة
الحل بسيط وجدا:
نكسر قيثارة الموسيقار
ونرتاح من التهريج ونضع حدا لتجاوزاته المزعجة لراحة الآلهة والسّكان ،وبدون آلة سيصمت
ولن نسمع له لحنا بعد..
كُـلفت دورية أمنية بمصادرة (القيثارة) وحرقها…
وكان للكهنة ما أرادوا ..صمت الموسيقار مدة واختفى عن العيان ليظهر مرة أخرى في كل الساحات
وهو يعزف نفس الألحان ولكن بأصابع يديه وفمه فكانت الحاناً شجية
وأجمل بكثير من العزف على الآلة…
عادوا واجتمعوا وقرروا قطع يديه ونفذوا…
غاب الموسيقار مدة، شفيت جراحه، واستعاد عافيته،
واستيقظت المدينة على عزف يشنّف الآذان ويحرك الوجدان،هرع الكل إلى الساحة الكبرى ليروا أمامهم الرجل يعزف بأصابع رجليه وفمه
أروع النوتات،قطعوا رجليه ..وانصرفوا مزهووين في خيلاء…
اختفى العازف لمدة وعاد يعزف بحركات لسانه على جدار فمه وبصفير آسر…قطعوا لسانه…وألقوا به خارج المدينة وغلّقوا الأبواب دونه…
وناموا مرتاحي البال فرحين بانتصارهم النهائي … وحلّت الكارثة …
وانكمشت المدينة على نفسها وتقلّصت الشوارع وارتفع منسوب الحزن الصامت …ومرت الأيام ليستيقظوا على أسراب الطيور تغطي سماء المدينة مغردة بلا انقطاع
والنسر العظيم يحمل الموسيقار على ظهره محلقا على رؤوس الملأ، هبّ الكهنة مفزوعين هرج ومرج صاح كبيرهم :الآن حق علينا غضب الآلهة،
الآن ضاع منا زمام القيادة وللطبيعة حسابات أخرى ،وللجمال سطوة ونفوذ…
حملوا الدروع والسيوف تأهبا لصدّ
هجوم الجمال على القبح… وكم يصبح الآخر جحيما إذا خالفنا …
نقرت الطيور أبواب المدينة فتطاير خشبها نشارة وتداعت الأقفال ومن كل باب دخلت جوقة تعزف أعذب السمفونيات …سيل هادر من الألحان يجرف كمّ الخوف الجاثم على النفوس منذ سدّ الآلهة قنوات التواصل وغطّوا في سباتهم العميق …تجرّأ السكان وفتحوا نوافذ مساكنهم ثم الأبواب واندفعوا إلى الساحات راقصين مرددين أعذب الألحان متشاركين السعادة ،وعدوى الفرح سريعة الانتشار…
ترجل الآلهة من على عروشهم
واختلطوا بعامة الناس يرددون أعذب الكلمات ويشاركونهم العزف واستنكروا أفعال الكهنة
معتذرين ( بنحن ما نمنا بل سقطنا في ضباب النوم..)
وإذا نام الآلهة يعيث النواطير فسادا…
وتموت الصلوات ولا تطرق الابتهالات والتراتيل عنان السماء…
فائزه بنمسعود
Québec 23/11/2024
———————————عندما