عندما يتجاوز القص حدوده إلى انسانية مأزومة
تحليل موضوعي
بقلم الأديب اليمني/ غمدان ياسين المريسي
لنص * جسد بديل *
للأديبة السورية / ريم محمد Reem Mohammad
reem
**************/////***************
جسد بديل
__________________
شقّت صرختي صقيع الصمت، وحرّكت الهواء الذي يغلّف جسدي القديم،…
المبضع في يد الطبيب، الذي ترتجف يده وهو يقشط الجلد، أشعر وكأنه يجوس في أعماق دماغي ليفصل السائل عن الصلب عن…
– أرجوكم كفّوا عن تعذيبي!..هذا لن ينفع، جسدي القديم يتألم، والجسد الآخر الذي قدّرتم أنه بديل جيد لن يتجاوب معي، أنا واثق…أنتم!…أكلملكم!، لماذا لا تصغون إلي؟!
ذلك الطبيب غريب الأطوار؛ أسقط بعضاً من الشّاش والقطن داخل تجويف رأسي المفتوح على مصراعيه أمامه؛ أثناء محاولته مسح عرق جبهته بيده الأخرى الخالية من دمائي، والممرضة ذات النظر الضعيف تحاول تثبيت الضوء أكثر على أجزائي الممزقة، تهزّ رأسها علامة الفشل، وهي تشاهد كمّ الخراب الذي خلّفه عدم استماعهم لنصائحي…
أنا ممزقٌ من الدّاخل، لكنّ عقلي لا يزال يعمل جيداً، وأقولها لكم – كما قلتها لهم ولم ينصتوا لي- علّ أحدكم يجد سبيلًا – لن ينجحَ نقل الأعضاء إلى ذلك الجسد، ببساطة لأنه توقف عن الحياة منذ أول رصاصة استقرّت في قلبه، أنا كنت عندئذٍ مراقباً، وعرفت أنه لا يريد الحياة بعد أن ذُبحت كالنعاج – أمامه – كل عائلته!
لا أريد ان ينجح انتقالي إليه، ما زالت آلامهُ ودموعه عالقةً في جسده…
كنت شاهداً محايداً على تلك المجزرة، أوثّقها بالصور والمشاهد لأسبق غيري وأنال الشهرة، لكن عبوة ناسفة حطّمت آمالي،…
ريم
الخميس ٢١/تشرين الثاني/٢٠٢٤
&&&&&&&&&&&&&&&&&
الورقة النقدية
/////////////
* الرؤية العامة
– النص يعبر عن تجربة وجودية شديدة القسوة، حيث يتشابك الألم الجسدي مع المأساة النفسية والإنسانية. ريم محمد استطاعت أن تُجسد صراعًا داخليًا معقدًا داخل قالب سردي ينتمي إلى أدب الجسد وأدب الحرب في آنٍ واحد.
– تتناول الكاتبة بفنية عالية فكرة الهوية والرفض الجسدي والنفسي لمفهوم التكيف مع واقع جديد، خاصة حين يكون هذا الواقع مبنيًا على مآسٍ لا يمكن تجاوزها.
—
* التحليل الموضوعي
1. الفكرة الأساسية
___________
الفكرة الرئيسية تدور حول استحالة التماهي مع جسد آخر، جسد يحمل ذاكرة مؤلمة وقصة موت مأساوية. هذه الفكرة ترتبط بفلسفة الجسد والروح، حيث الجسد ليس مجرد وعاء بل ذاكرة وهوية، وحين يُفرض جسد جديد على الروح، تفقد الأخيرة انسجامها وتعيش حالة اغتراب مأساوية.
2. أبعاد السرد
____________
– الصراع الداخلي: يظهر الصراع بوضوح في عبارات مثل: “أنا ممزقٌ من الداخل، لكن عقلي لا يزال يعمل جيداً”. هذه الجملة تعكس الانفصال بين الجسد والعقل، حيث يُجبر الإنسان على العيش في حالة من الانشقاق الداخلي.
– الطب والعلم كرمز للعبثية: الطبيب والممرضة يمثلان محاولة العلم للتدخل في ما لا يمكن تغييره أو إصلاحه. يد الطبيب المرتجفة والممرضة الفاشلة يشيران إلى عبثية المحاولة ومحدودية التدخل البشري في مواجهة المصير.
– الشهادة والمأساة الإنسانية: “كنت شاهداً محايداً على تلك المجزرة”؛ هنا تبرز الكاتبة تيمة الذنب الذي يرافق الناجين أو المراقبين الذين لم يستطيعوا التدخل لإنقاذ الآخرين.
3. رمزية النص
___________
– “الجسد البديل”: يرمز إلى حالة رفض الذات للتحولات المفروضة عليها سواء من المجتمع أو الظروف القاسية.
– “الطبيب والممرضة”: قد يكونان رمزًا لمجتمع عاجز أو محايد يحاول إصلاح شيء بدون فهم عميق لجذور المشكلة.
– “التجويف المفتوح”: قد يعكس انكشاف الذات أمام الآخرين، ومحاولة إعادة ترميم شيء منهار أساسًا.
—
* الأسلوب واللغة
– اللغة التصويرية: النص مليء بالصور التي تخدم المعنى النفسي العميق، مثل: “المبضع في يد الطبيب… يجوس في أعماق دماغي”.
– التكرار والحوارات الداخلية: استخدام التكرار في عبارات مثل: “لن ينجح” يعزز الشعور باليأس والرفض.
– التكثيف السردي: النص لا يحمل أي تفاصيل زائدة، مما يمنحه إيقاعًا مشحونًا ومركزًا.
—
* الانطباع العام
– النص يترك القارئ في حالة من التأمل والقلق الوجودي، حيث يتقاطع الجسد مع الروح في صراع أزلي. ريم محمد استطاعت أن تنقل القارئ إلى عوالم مظلمة تعج بالأسئلة حول الهوية، الألم، والذاكرة. النص ليس مجرد سرد بسيط بل نافذة عميقة على مأساة إنسانية معقدة تتشابك فيها أبعاد الحرب مع الفلسفة.
—
* الخاتمة
– “جسد بديل” نصٌ يحمل في طياته مأساة عصر كامل؛ فهو يعبر عن صراع الروح مع الجسد الذي يحمل ذاكرة لا تنسى. الكاتبة تطرح تساؤلات عميقة حول دورنا كشهود على مآسي الآخرين، وحول طبيعة التحول والتغيير القسري في حياتنا. نصٌ يتجاوز حدود القصة ليصبح شهادة إنسانية عميقة.
———-
#بقلمي
#غمدان المريسي- اليمن