قراءة نقدية :”القصيدة بين الوجع والتحدّي”
الشاعرة الهام عيسى(سوريا)
القصيدة:”سرى الروح”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية :”القصيدة بين الوجع والتحدّي”.
اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها “سرى الروح”
ورد مركبا اضافيا سرى(مضاف )والروح(مضاف اليه).
وسرى الروح له معنى حديث الروح الذي يسري بين الارواح المتشابهة وهو حلو المنطق. والعقل والقلب له أسير.
يقول الشاعر الباكستاني محمد اقبال:
حديث الروح للأرواح يسري// وتدركه الأرواح بلا عناء
هتفتُ به فطار بلا جناح// وشقّ أنينُه صدرَ الفضاء
ومعدنه ترابي ولكن// جرتْ في لفظه لغة السماء
فأي حديث للروح تسرّه لنا به الشاعرة؟
تستهل الشاعرة قصيدتها بفعل في صيغة المضارع المرفوع الذي يفيد الدوام والاستمرارية (تغفو) والغفوة هي النوم الخفيف.
تتوجه الشاعرة بخطابها الى المخاطب (جنباتك /حدودك)مستخدمة ضمير المخاطب المتقدم على اسم متأخر فتقول:
تغفو النجوم
على سفوح جنباتك…
وتتحطم الأصنام على أعتاب حدودك..
موحشة تلك الطرقات..
يا وطني
مؤلمة جراحك…
ان الشاعرة تكشف لنا الاسم المتأخر عن ضمير المخاطَب وهو “وطني”
وها هي تخاطب وطنها مستخدمة مقابلة لفظية بين النجوم/ الاصنام ومقابلة بين سفوح جنباتك/ أعتاب حدودك .
– الى ما ترمز النجوم والأصنام؟
– الى ما ترمز سفوح جنباتك وأعتاب حدودك ؟
– لعل الشاعرة ترمز بالنجوم الى أحرار الوطن في ضيائهم وتلألئهم وإشراقهم وإشعاعهم في تحويل الظلمة الى ضياء ينجلي به الظلم.
– لعل الشاعرة ترمز بالأصنام الى الأعداء في تصلبهم وتكلّسهم وفي جمودهم
وفي انعدام الروح من أجسادهم وهم رمز الظلم الذي لا بدّ أن ينجلي بواسطة النجوم.
وفي هذا الاطار جعلت الشاعرة النجوم تغفو وفي الغفوة (النوم الخفيف) راحة واستراحة تجعلهم يجددون نشاطهم لتحطيم الاصنام .
لقد استخدمت الشاعرة مقابلة معنوية بين نجوم الوطن وأحراره والأصنام مما جعلها تستخدم مقابلة معنوية في المكان فجعلت النجوم يرتاحون على سفوح جنبات الوطن والسفح هو أسفل الجبل وبالتالي فهؤلاء النجوم يحرسون وطنهم
بسفوح الجبال للذود عنه من الأصنام (الأعداء) على أعتاب حدوده دون تجاوزها.
انها لوحة تشكيلية بامتياز زاوجت فيها الشاعرة بين الشعري والتشكيلي.
يبدو ان الشاعرة تحدّث روحها ممّا تركته الحرب من وحشة الطرقات
وألم الجراح.
ان الشاعرة تسرّ الوجع والألم لذلك هي تحدّث روحها.
و”حديث الروح للأرواح يسري “هو التقاء لأرواح تجمّعت معا حاولت أن تقول كلماتها كل على طريقته الخاصة.
وحديث الروح حديث عجيب لا يشبهه أي حديث ليس فيه صوت ولا همس ولا حسّ رغم أنه يسري في البدن كما تسري الدماء في العروق”(1).
إن حديث الروح الذي يسري في البدن كما يسري الدم في العروق هو ينعشها ويخفف عنها أية معاناة.
انها تحدث روحها بما عاناه وطنها فتقول:
كأن الفراغ مسيح في الدجى..
وظلال الحرائق ,
مصلوبة على أعمدة البكاء..
كنت أمشي على وقع الصمت
تقطعت أوصالي ..
أنين جبل هنا وهلاهل تل هناك..
انها تواصل حديث الروح وتستعرض ما أصاب الوطن العربي ولعلها تقصد الارض الفلسطينية حين أتى الدجّال وهو كناية عن صفة في العدو الاسرائيلي
في دَجَله وصَلفه ونفاقه.
وقد كنّتْ عن المتواطئين معه والمتخاذلين والمطبعين معه من الدول العربية بوحوش البرية لوحشيتهم وموت الضمير عندهم وحيوانيتهم فتقول الشاعرة:
الدجّال أتى..خلفه..
وحوش الارض البرية..
جاؤوا باسم الحرية..
باسم السلطة السماوية ..
باسم الأديان..
جعجعة تذبح الناس على الهوية..
يا ويل ..شعارات بهلوانية..
من خلال هذه الفجوات النصية قد يعتبر القارئ أن حديث روح الشاعرة يسري في روحه ليُسرَّ ما تحسّ به الشاعرة من وجع (يا ويل.. شعارات بهلوانية..)
وهل أكثر وجعا مما انتشر من أعضاء مبتورة بسبب الحرب فتقول الشاعرة:
ذراع هنا…كبد هناك..
ان غضبها قد بلغ أقصاه وأشده لتخاطب العدوّ وتطلق عليه نعوتا وصفات لأفعال لا إنسانية ومجرّدة من الآدمية (سافل/ تتاجر بالأعضاء البشرية/ وتحرق الشجر باسم التين والزيتون/ وتفجّر الآثار التاريخية / والدعوى وثنية/ يا تجار الحرية..)
وتحوصل غضبها :
– باتهامهم بتشويه التاريخ.
– باعتبارهم وصمة عار في جبين الانسانية.
وبالتالي فلا التاريخ يعترف بهم والانسانية تتبرأ منهم. فتقول:
أيا سافل كيف تتاجر بالأعضاء البشرية..
وتحرق الشجر باسم التين والزيتون..
وتفجر الآثار التاريخية والدعوى وثنية..
يا أنتم يا تجار الحرية..
يا وصمة عار بجبين الانسانية..
ان هذا العدو اللاإنساني وخارج التاريخ لم يثر غضبها فحسب بل حرّك ثورة روحها لتُعْلن التمرّد عليه مستخدمة ضمير المتكلم الجمع(نحن) والجمع يعني الجماعة و”يد الله مع الجماعة”.
انها تُعْلن التمرّد على العدوّ والتحدّي بطريقتين:
1- التحدي باستعادة الوطن لبريقه وضيائه بتحقيق المستحيل:
– باجتثاث الرعب المزروع بالطرقات.
– بتفجير قهقهات المخنثين .
– ببري مخالب الذئاب البرية.
انه قطع لدابر العدو.فتقول:
لسوف ننهض من ركام المستحيل
من الرعب المزروع في الطرقات..
ونفجّر قهقهات المخنثين..
ونبري مخالب الذئاب البرية..
يا..
ووحده وطني يحيى بين ألسنة الشمس..
ويغني للحرية..
2- التحدي بسفينة الحروف وبالأبجدية
تقتبس الشاعرة من النص القرآني سفينة نوح لتستحضرها وتجعلها سفينة الحروف رمزا للابداع الذي سيعصم الوطن من العدو فالابداع سلاح قاطع و
قاصم لظهر العدو فتقول:
وحين يغيض الماء..
وتستوي سفينة الحروف..
مضرّجة بذاكرتنا المنسية..
وكرامتنا تأوي الى مذبح الحرية.
لن يعصمنا يا عذراء
غير الأبجدية..
وأبد الدهر تبقى حروفك نقية..
وخلاصة القول فان الشاعرة من خلال سرى الروح قد كشفت لنا تجرّد العدو من
انسانيته وخروجه من التاريخ ممّا جعلها تعلن التمرّد عليه لاستعادة الوطن وتحدّي العدوّ بسفينة الحروف والابجدية.
سلم قلم المبدعة المتمرّد والمتحدّي.
بتاريخ20/11/2024
المراجع:
https://www.al-jazeerah.com>..(1)
حديث الروح- د. جمال الراوي