قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين المقاومة بالشهادة والمقاومة بالابداع”
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع /مشاكس/ ناقدة )
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة “كيف أبني لهم خيمة”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
القصيدة:”متى يعلو صوتك ويضج”
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– استخدام الاسلوب الانزياحي
– المقاومة بالابداع
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي “بين المقاومة بالحرف والمقاومة بالشهادة لبناء خيمة الوطن”
اختار المبدع حمد حاجي عنوانا لقصيدته “كيف أبني لهم خيمة”
ان الخيمة تحيلنا على اللاجئين من الفلسطينيين و المهجرين قسرا الى الصحراء تحت الخيام .
والمبدع يتساءل عن كيفية بناء خيمة لهؤلاء المهجرين والخيمة لا تُبنى بل هي تنصب وترفع ولعل الخيمة هنا ترمز الى الوطن الذي يحميهم لفح الحر ولسع القرّ فالوطن يُبنى.
يستهلّ المبدع قصيدته بمقابلة معنوية بينه وهو الشبعان وبين الصغيرة الباكية جوعا فيقول:
وتبكي الصغيرة : جوعانة سيدي..
وانا عندي مائدتي قرصة ومرطبة
وانا فاغر الفم علج
– ولعل كلمة “سيدي” ترمز لصاحب السلطة الذي أمّن على غذائه ولم يؤمّنه لشعبه
– ولعلها ترمز الى العربي الذي يؤمن حياته وبعده الطوفان.
– وقد ترمز الى المبدع والصغيرة تخاطبه باكية جائعة وهو في ذلك يقابل بكل مرارة بين جوع الصغيرة وما توفر له من غذاء على مائدته حتى انه حسد نفسه على غذائه المتوفر وهي جائعة ولام نفسه على غلظته وشدته :
( وأنا فاغر الفم..علج).
ويستأنف المبدع باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام مستفهما ,مستنكرا, مستغربا عن كيفية تصْبيرهم في صُلب معاناة متعدّدة الأقطاب: الصقع / وبل /حرب/سلم/ ثلج . فيقول:
فكيف وكيف..؟ أقول لهم اصْبرُوا..؟
وبأسطح خيمتهم …
يتراكم صقع ووبل وحرب وسلم وثلج..
بجاه النبي بربك قل:
كيف أسْكتُ أطفال غزة
والجوع كالصمت لا أحد منه ينجو…
ولا يكفي قسوة الظروف الطبيعية التي تُبيدُ أجسادهم في العراء بل ان الجوع ينهشهم نهشا .
و بالمزاوجة بين أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام واسلوب انزياحي ايقاعي قائم على التكرار وباستخدام اللام النافية للجنس فان المبدع لا يستثني أحدا من المهجرين الذين يفرون أطفالا ونساء ورجالا من العنف والحرب والجوع والفقر المدقع.
وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ ليسْتحْضر ما قيل في ظروف التهجير:
“يعيش اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات حياة اجتماعية واقتصادية تتسم بالفقر
والكثافة السكانية والظروف المكبلة والبنى التحتية غير الملائمة”(1)
كأني بالمبدع هنا يرثي ويهجو:
– يرثي لحال المهجرين و معاناتهم البرد والثلج والعراء والجوع.
– يهجو من كان سببا في تهجيرهم ..انه العدو الاسرائيلي الذي كان سببا في تهجيرهم قسرا فرارا من العنف والحرب والجوع و البرد .
ويبدو أن المبدع قد ضاقت به السبل فلا الرثاء ولا الهجاء قد يحلّ المشكل
لذلك نجده يتوسل(بجاه النبي, بربك قل لي) لإيجاد حل لسدّ رمق أطفال غزة الجياع لتستمرّ حياتهم فالأطفال هم مستقبل غزة .
وازاء هذه المعاناة الطبيعية والحياتية يدخل المبدع في رثاء حقيقي ليعدّد أنواع الضحايا الذين توزّعوا ما بين جرحى وشهداء وباكين وهو يُسرّ وجعه وألمه فيقول:
على القاع يصرخ جرحى وتدمع أنثى
ويرقد بالكفن الجار بالجنب والصاحب البرّ
ان هذه المعاناة يقابلها المبدع مقابلة معنوية برفاهية حياة الطرف المقابل فيقول:
والراقدون على القز أفتوا بكفر الجياع وصلّوا وحجوا
وكأني بالمبدع يلمّح الى المتخاذلين من العرب ويعرّض بالمتواطئين مع الكيان الصهيوني والذين سُلبوا سيادتهم مقابل مصالح شخصية.
وباستخدام أسلوب انزياحي ايقاعي قائم على التكرار يعيد المبدع الترديدة ” بجاه النبي بربك كيف” ليستنهض المهجرين ويشحذ عزائمهم بابداعه سواء هاجيا أو راثيا ان يجعل السنوار رمزا للنضال والشهادة ليعيد لهم بناء خيمتهم وهي رمز لوطنهم المغتصب.
انه يحي السنوار الذي اعتبر العدو قتله نصرا ولكن العدو بقتله قد صنع أسطورة. فيقول:
بجاه النبي بربك كيف
انا أكتب الشعر او أرفع الصوت
استنكر الصقع او انا أهجُو..
فحسب اقول لهم أن
أخشاب خيمتهم…ناش سنوار جندا بها
ومسيرة حين فرّوا وهجوا.
ان المبدع حمد حاجي ولئن قلّص من سلطة المقاومة بالابداع تواضعا باعتباره مبدعا وسطر على المقاومة بالنضال حد الشهادة لبناء وطن المهجرين(خيمتهم) فالوطن هو خيمتهم الحامية لهم وهو خيمة كرامتهم وسيادتهم فالمبدع لا يُخْفَى عنه ان السنوار هو ذو المقاومتين بالابداع وبالشهادة.
وبالتالي فبناء الوطن قد يجمع بين المقاومتين.
ومن ثم كانت رمزية الخيمة التي تساءل المبدع في العنوان عن بنائها فكانت الخيمة رمزا للوطن الذي سلب منهم ولا بد من استعادته بالمقاومة بالابداع والمقاومة بالنضال والشهادة.
ازاء دعوة المبدع المزدوجة لبناء خيمة الوطن فأيّ رأي سيراه المشاكس؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير والمقاومة بالابداع.
أسند المشاكس عمر دغرير عنوانا لقصيدته “متى يعلو صوتك ويضجّ؟”
وقد أعتبرها جملة استفهامية في نبرة ساخرة من المشاكس للمبدع مُستنكرا تأخره عن رفع صوته تنديدا لما يحدث بغزّة.
يستهلّ المشاكس قصيدته باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام
باعتماد مقابلة معنوية بين تساؤل المبدع عن أطفال يموتون جوعا وبردا وبين يقينه ان الطرف الآخر ينعم بالدفء والأكل ووفرة المال الواردة عليهم من الحجّ. فيقول:
أتسأل ربّك عن أطفال
يموتون جوعا في خيمة
تصفّر فيها الرياح ويغمرها البرد والثلج؟
وتعرف ان أشباه الرجال
يفترشون الحرير ويأكلون ما لذّ وطاب
في خيمة اليها كل العالم يحجّ..
و في هذا الاطار قد يتدخل القارئ من خلال تلك الفجوة النصية وقد يعتبر المشاكس يندّد بدولة السعودية التي تملك كل الوسائل المادية لانتشال هؤلاء الأطفال من بؤرة الفقر والجوع والعراء والبرد لكن تواطؤها مع الكيان الصهيوني يجعلها متخاذلة ويمنعها من نجدتهم حفاظا على مصالحها .
والمشاكس يلتقي مع المبدع في نبرة السخرية والتنديد بدولة السعودية القادرة على نجدة الاطفال الجياع والعاجزة عن فعل ذلك لتخاذلها وتواطؤها مع الكيان الصهيوني. و لعل كل أحرار الوطن العربي ينددون بذلك.
كأني بالمشاكس يُسرُّ مزيجا من المشاعر:غضب/سخرية/ وجع/سخط..
وكل هذا المزيج من المشاعر جعله يزاوج بين الأسلوب الإنزياحي الايقاعي القائم على التكرار لتأكيد موقفة الساخط ممّا يجدّ بغزة الجريحة والشهيدة وبين الأسلوب الانزياحي التركيبي القائم على الاستفهام.
انه يعيد نفس الترديدة الساخطة “أتسأل ربك عن أطفال غزّة..”
وكأني بالمشاكس بهذا السخط يتموقع مكان أحد الاطفال الذي في حلقه غصة وفي عينه دمعة وفي نفسه أسى وفي قلبه حرقة وهو يَبيتُ على الطوى ويَظلّهُ ويلتحف البرد ويفترش الثلج .
كأني بالمشاكس واحدا من هؤلاء الأطفال الذي يردّد بكل مرارة وحرقة قول المتنبي: تمرّست بالآفات حتى تركتها تقول// أمات الموْتُ أو ذعر الذّعْر؟ُ.
وهل أكثر من دمار شمل الديار ولم يُبق فيها العدوّ ولم يذرْ الاالشهداء فيقول:
أتسأل ربّك عن أطفال غزة
وهم في العراء يصيحون رعبا
من صواريخ تدكّ الارض تحت أقدامهم وترجّ..
وعن ديار كانت قديما ديارا
دمّرتها طائرات العدوّ حتى صارت قفارا
بها جثامين الشهداء تعجّ..
والمشاكس بتضمين المقطع أعلاه جزءا من بيت للشاعر اللبناني جورج جرداق من قصيدته “هذه ليلتي” يجعلنا نقف على مدى الدمار الذي اجتاح الديار حتى تصبح قفارا وأطلالا.
ويتدرّج المشاكس وهو ساخط لا على المبدع في فرديته فقط بل باعتباره مفردا بصيغة الجمع ..انه المبدع في فرديته وفي مطلقه .
كأني بالمشاكس ساخط على كل مبدع حرّ وصاحب ضمير حيّ ليستفيق على هذه الحرب حرب الابادة للحجر والشجر والبشر فيقول:
أتسأل ربك عن حرب الابادة
وكيف يفخر المجرمون بالنصر
على شعب أعزل فمتى أراك بدل السؤال تحتجّ..؟
وبالكلمات متى أراك تدكّ رأس العدوّ
وتلهم النار في القلوب
وصوتك يعلو وفي كل التلفزات يضجّ…
وفي هذا الاطار لئن اعتبرالمبدع حمد حاجي ان المقاومة بالابداع وحدها لا تكفي لبناء الوطن الفلسطيني ودعا الى كيفية بنائه بالمقاومة بالنضال حدّ الشهادة وقد ضرب المثل بيحْيَى السنوار الذي هو ذو المقاومتين فهو المقاوم بابداعه والمقاوم بالشهادة.
فان المشاكس عمر دغرير قد اكتفى بالمقاومة بالابداع ولكنه ليس أيّ ابداع .
انه الابداع الذي يجعل صوت صاحبه يعلو ويضجّ في كل التلفزات ليشحذ العزائم ويحرك الحماس لدى شعب غزة المضطهد.انه بطريقة أخرى يدعو الى ابداع يندرج ضمن شعر الحماسة الذي حرّك كل الشعوب المضطهدة منذ الجاهلية
مع عنترة وغيره.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة مقاومة بالحرف أو مقاومة بالشهادة.
بتاريخ 25/ 11/ 2024
المراجع:
https://www.aa.com.tr>..Anadolu-Ajansi (1)
اللاجئون الفلسطينيون..حقائق وارقام(اطار)
كيف أبني لهم خيمة؟”(المبدع حمد حاجي)”
وتبكي الصغيرة: جوعانة يا سيدي…
وأنا عند مائدتي قرصة ومرطبة
وأنا فاغرُ الفم علجُ
**********************************
فكيف وكيف …؟ أقول لهم اصبروا…؟
وبأسطح خيمتهم٫٫٫
يتراكم صقع ووبلٌ وحرب وسلمٌ وثلـــــــــجُ…
*********************************
بجاه النبيء بربك قل:
كيف أُسكِتُ أطفال غزة
والجوع كالصــــــــــمت لا أحدٌ منهُ ينجــــــو…
*******************************
على القاع يصرخ جرحى وتدمع أنثى
ويرقد بالكَفَنِ الجارُ بالجنب والصاحبُ البرُ
والراقدون على القزِ أفتوا بكفر الجياع وصلوا وحجُوا
***********************************
بجاه النبيء بربك كيف
أنا أكتب الشعر أو أرفع الصوت
أستنكر الصــــــــــقع أو أنا أهجو…
*********************************
فحسبي أقول لهم أنَ
أخشاب خيمتِهم… ناشَ سِنْوَارُ جُنْدًا بها
ومسيرةً حين فروا وهجوا…
( أ٫ حمد حاجي)
“”””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”متى يعلو صوتك ويضجّ”
أتسألُ ربكَ عنْ أطفالٍ
يموتونَ جوعًا في خيْمة
تصفّرُ فيها الرياحُ ويغْمرها البردُ والثلجُ ؟
“””””””””””””””””””””””””””””
وتعرفُ أنّ أشباهَ الرجال ِ
يفترشونَ الحريرَ ويأكلون ما لذّ وطابَ
في خيْمة إليْها كل العالم يحُجّ …
“”””””””””””””””””””””””””
أتسألُ ربّكَ عنْ أطفالِ غزة ,
وهمْ في العراء يصيحونَ رعْبا
من صواريخ تدكّ الأرضَ تحتَ أقدامهمْ وترجّ …
“””””””””””””””””””””””””””
وعنْ ديارٍ كانتْ قديما ديارا ,
دم{رتها طائراتُ العدوّ حتى صارتْ قفارا
بها جثامينُ الشهداء تعجّ …
“”””””””””””””””””””””””””””
أتسألُ ربكَ عنْ حرب الإبادة ,
وكيف يفخرُ المجرمونَ بالنصْر
على شعْب أعزلٍ, فمتى أراكَ بدلَ السؤالِ تحْتجّ …
“”””””””””””””””””””””””
وبالكلماتِ متى أراكَ تدكّ رأس العدوّ,
وتلهمُ النارَ في القلوب ,
وصوتكَ يعلوا, وفي كل التلفزات يضجّ…