قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة وفق منهجين”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي(تونس)
القصيدة:”الرخامة والنحات”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
القصيدة:” لن يضيف لعمرك عمرا”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– معوقات الحب.
– استخدام الثنائيات.
– الرمزية.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
ستكون مقاربتي للقصيدتين وفق منهجين:
– المنهج من الداخل.
– المنهج من الخارج.
والمنهجان متكاملان فالاول في خدمة الثاني:
1- المبدع حمد حاجي : القصيدة وفق منهجين:
أ- المنهج الداخلي : يهتمّ هذا المنهج ببنية النص و أسلوبه:
+ المعجم اللغوي المعنوي :استخدم الشاعر معجما لغويا معنويا:
– يشي بطيبة الحبيبة: (ضحوكة ثغر/ من عيوني/ ترفعني عاليا/
– يشي بحب الحبيب: (تمسح بالكف صدري/ أنسى وتنفلق بثر الهوى في ضلوعي/ بحضرتها أتحلل جدا كما طوبة في الثرى/يذوب الجليد..)
– يشي بفقر الحبيب:(انما الفرْو لم يحط الفقراء بأسراره خبرا/ ما أتعس الفقر/ يا ليتني كنت مقتدرا..)
+ استخدام الثنائيات :
– ثنائية الشك واليقين في الحب: ويبرح شيطان شعري يوسوس../ والحب ما شمته مؤذيا بشرا.
– ثنائية الذكاء والغباوة: فمنها الذكا والحذاقة دوما ومني الغباوة في الحب.
– ثنائية الحب والفقر:
وأحمل معطفها فوق زندي ..فما أثقل الخطو ..ما أتعس
الفقر ..يا ليتني كنت مقتدرا.
+ الرمزية:
*عنوان القصيدة “الرخامة والنحات” يجسد ثنائية الحقيقة والمجاز وثنائية التصريح والتلميح في القصيدة:
– ان علاقة الرخامة بالنحات هي علاقة حقيقية فالنحات يحوّل الرخام قطعا فنية:
. الرخام ليس مكونا جيولوجيا صلبا ينام في جوف الجبال في سلام يشبه الخلود فحسب هو نبض الكون الهائل المسكون بعظمة الطبيعة ..هو “كبد الأرض” كما يعرّفه النحات الفرنسي “رودان”.
. النحت هو مدرك للتاريخ الطويل للبشرية وَرَاو أساسي له وشاهد على حالات السلم كما حالات الحرب.. انه فعل بشري قديم ساهم في بقاء الانسان”(1).
ان الطبيعة منحت الانسان الرخام ليعطر حياته عبر فنّ النحت.
– ان علاقة الرخامة بالنحات محمولة على المجاز وعلى التلميح:
قد ترمز الرخامة الى المرأة فقد كنّى عن الحبيبة بالرخامة في القصيدة.
قد يرمز النحات بإبداعه الى الشاعر المبدع .لقد كنّى عن المبدع بالنحات
وبالتالي:
– هل ان الشاعر يعتبر ابداعه نحتا في ملامح الحبيبة يعطّر حياته؟
– هل يعتبر الشاعر ابداعه راويا وشاهدا على حبه الأبدي لحبيبته؟
* اللوحة التشكيلة المرافقة للقصيدة تجسد مدى تعب النحات في فن النحت على الرخام ولعل هذا يرمز الى مدى قدرة المبدع على قضاء وطر من الحب لحبيبته بابداعه.
والشاعر يوازي بذلك بين الشعري والتشكيلي.
وفي هذا الاطار فان توخي المنهج من الداخل : الأسلوبي بالمعجم اللغوي المعنوي واستخدام الثنائيات والرمزية يحيلنا الى المنهج من الخارج :
ب- المنهج من الخارج ( المنهج الاجتماعي):
يهتم هذا المنهج الخارجي بالعوامل المحيطة مثل البيئة والمؤلف والعصر.
ولعلني أحصر المنهج الخارجي في المنهج الاجتماعي:
في هذا السياق يقول الناقد المغربي مصطفى لغتيري:
“انطلق المنهج الاجتماعي من مفهوم المحاكاة بمفهومها الحديث معتبرا الأدب محاكاة للواقع وقد تأثر بالمذهب الواقعي والماركسي في الأدب فغالى في ربط النص الأدبي بواقعه باعتبار الأديب معبّرا عن الطبقة التي ينتمي اليها وهو في العمق يعكس الصراع الطبقي الذي يشهده المجتمع”
ويقول المفكر كاجان” لا يستطيع أي شاعر أن يكون عظيما انطلاقا من نفسه ومن خلال نفسه ولا من خلال آلامه الخاصة ولا من خلال سعادته الخاصة:
ان كل شاعر عظيم لأن جذوره وآلامه وسعادته قد نمت عميقا في أرض المجتمع والتاريخ”.
ويقرّ المفكر بيلنسكي بأن الشعر يكتبه فرد الا انه تعبير ذاتي عن المجتمع.
=== يتبع ===
=== يتبع ===
وفي هذا الاطار من التعريف للمنهج الاجتماعي :
– أية قضية يتحدّث عنها المبدع باعتبارها قضية مجتمع ؟
– أية قضية خطّها المبدع وسطرها بقصيدته هي تعبير ذاتي عن المجتمع؟
– أي صراع طبقي يعيشه المبدع وهو يعكس الصراع الطبقي الذي يشهده المجتمع؟
ان المبدع يتحدث عن صراع طبقي يتجسّد في ثنائية الحب والفقر.
بعبارة أخرى :- هل يستطيع الحب أن يقاوم في ظل الفقر؟
– هل يستطيع المبدع وهو بابداعه ينْحت في ملامح حبيبته صفات الجمال ليعوّضها بالهدية التي تريدها منه وهي المعطف
وما المعطف الا نموذج مما لا يستطيع الفقير شراءه لحبيبته ففقره يحول دون كل الرفاه والرفاهية بين الحبيبين .فيقول المبدع:
وأحمل معطفها فوق زندي..فما أثقل الخطو…
ما أتعس الفقر..يا ليتني كنت مقتدرا.
ان ثنائية الحب والفقر قد جعلت القصيدة يتقاذفها مزيج من العواطف والمشاعر بينهما :
– الشعور بسعادة الحب (ضحوكة ثغر/ وتمسح بالكف صدري فأنسى وتنفلق بثر الهوى في ضلوعي /بحضرتها أتحلل جدا كما طوبة في الثرى…)
– الشعور بنخوة الحب:( من عيوني..وتوبرني ابن عمي/ وترفعني عاليا قدرا ). – الشعور بحرج الفقر:(تعاتب حانية.)
– الشعور بالنقص:(أقيس على قدر ضحكتها فاقتي..).
– الشعور بالشك في الحب (ويبرح شيطان شعري يوسوس لي..)
– الشعور باليقين في الحب (والحب ما شمته مؤذيا بشرا).
-الشعور بالمرارة:(ما أتعس الفقر /انما الفرو لم يحط الفقراء بأسراره خبرا).
– الشعور بالحسرة :(يا ليتني كنت مقتدرا)
ان كل هذه المشاعر التي حملتها القصيدة والتي عبّر فيها المبدع عن ذاته وذات الحبيبة هي في الواقع تعبير عن هواجس الفقر التي يعاني منها المجتمع .
انها معاناة يقف ازاءها النحّات مُرهقا لنحت ملامح الحب على رخامته(حبيبته).
وبالتالي نعود ونقول هل يستطيع هذا النحت والابداع في الحب أن يعوّض الحبيبة
ما تشتهيه من رفاه ورفاهية ومعطف الفرو نموذجا؟؟؟
من وجهة نظر تحليلية نفسية ولو اعتبرنا هذه القصيدة هي” دراسة حالة” اجتماية تتعلق بثنائية الحب والفقر فان الهاجس الذي قد نقرؤه بذهن المبدع:
-هل ان الفقر يقتل الحب؟
– هل ان الفقر يقضي على الحب؟
آراء مختلفة حول السؤالين المطروحين:(2)
– يقول أحدهم بصحيفة الرأي( خالد مصطفى) “بدون شك الفقر يقتل الحب ويدفنه
ويمشي في جنازته بدون تردد”.
– تقول “سلمى حنون” بنفس الصحيفة :”المشاعر تموت في مستنقعات الفقر وللفقراء ضرائب يدفعونها على مدار الزمن ضرائب اجبارية وأولها فقدان
من نحبّ لان الحب لا يستطيع العيش طويلا فللفقر حبال تلتفّ حولك لتخنقك بكل قوّة”.
وتقول معلقة أخرى :”لا أحد يستطيع انكار قساوة الفقر وجبروته ولا أحد يقدر ان يطفئ حرارة الحب ان اشتدّت ولكن تواجدهما معا يتطلب مجهودا لا يستهان به
فالفقر قادر على قتل الحب ولكن الحب أيضا قادر على هزم جبروت الفقر.
لكن ما لا تستطيعه الحبيبة هو ظلم الفقر والحبيب معا”
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2-المشاكس عمر دغرير :القصيدة وفق منهجين:
أ- المنهج الداخلي:
+ المعجم اللغوي المعنوي:
لئن استخدم المبدع معجما لغويا معنويا توزّع بين الحب والفقر فان المشاكس قد جعل المعجم اللغوي المعنوي بين الحب وكبر السن
– تحاول رفع الصخرة والعبور بها ولكن ما اجتزت في حياتك الحفر
– وما استطعت التخلص من ضعفك انت الهزيل وجسمك ما قبل الثقل والكبر
– ويخذلك العمر
– وقد تقول لك : عيب والله ما يصدر منك يا رجلا انت كبرت
وما عدت مقتدرا
– لن يضيف لعمرك عمرا..
+استخدام الثنائيات:
*ثنائية الحب وكبر السن :
وكم حاولت ان تخفي عن النساء أسرار علاتك
وسعدى دائما تكشف الخبر .
* ثنائية الشباب وكبر السن:
أمامها تبدو شابا وتنسى ان لها تاريخ ميلادك
وعن فترات حياتك صورا
+ ثنائية الضعف والقوة:
وما استطعت التخلص من ضعفك انت الهزيل وجسمك
ما قبل الثقل والكبر..
+ الرمزية:
لئن استخدم المبدع الرمزية بتوظيف اللوحة التشكيلية لتجسيد
ثنائية الحب والفقر فان المشاكس وظف أسطورة سيزيف لتجسيد ثنائية الحب
وكبر السن.
فما هي أسطورة سيزيف؟
“يعتبر سيزيف أحد اكثر الشخصيات مكرا بحسب الميثولوجيا الاغريقية حيث استطاع ان يخدع الاه الموت ثاناتوس ما أغضب كبير الآلهة زيوس فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل الى أعلاه فاذا وصل القمة تدحرجت الى الوادي فيعود الى رفعها الى القمة ويظل هكذا الى الأبد فأصبح رمز العذاب الابدي(2).
وفي هذا السياق هل ان قدَر المبدع وهو كبير السن التعب والعذاب الأبدي.
– هل ان المشاكس وظف أسطورة سيزيف ليجسد عجز المبدع وهو كبير السن
في تقليد سيزيف في المقاومة.
– هل ان المشاكس يريد من المبدع ان يقرّ بعجزه لكبر سنّه ؟
يقول المشاكس باسم سعدى:
تقلد سيزيف وتسقط مرات لعجزك تشدك الصخرة في الأسفل
فترفض ان تقهر..
وقد تقول لك :عيب والله ما يصدر منك يا رجلا انت كبرت
وما عدت مقتدرا…
كأنك لا تعلم ان الله شاء لنا ما قدر وأنه
لن يضيف لعمرك عمرا…
ان المشاكس يعمد الى التصريح دون التلميح الى ان العمر حق ولا بد من احترام
العمر في سن يصبح فيها الانسان غير قادر.
والمشاكس يلمّح هنا الى ان للحب عمرا لا يمكن ان نتجاوزه.
وفي هذا الاطار ومن وجهة نظر اجتماعية ماذا يقول المنهج الاجتماعي؟
ب- المنهج الخارجي(المنهج الاجتماعي):
لعل الهاجس الذي يخامر ذهن المشاكس هو ان للحب عمرا لا نتجاوزه:
– هل للحب عمر؟؟
اننا قد نعتبر كذلك قصيدة المشاكس من نوع “دراسة حالة” اجتماعية والتي تقتضي آراء مختلفة (4):
– “أشارت المعلمة روان الى ان الحب في حياة الانسان دائم ومتجدّد طوال حياته
وهو غير مقيد او محدّد .فالإنسان يحب ما دام يملك القلب والاحساس حتى لو هرم الجسد فالإحساس والمشاعر والعواطف لا تهرم وتبقى شابة .
أما الاخلاص والحب لشريكة الحياة فينمو مع نموّها فهما يكبران معا, وهناك
الذكريات والمواقف الحياتية تُبقي على حبهما”
– هناك من يقول” لا عمر للحب والحب لمن تجاوز الخمسين والستين حالة طبيعية من التطور في الرغبات”.
– تقول السيدة بسمة ان الحب لمن تعدّوْا حاجز الخمسين يغلب عليه العقلانية والواقعية”.
– يقول المحامي محمد” لا يرتبط الحب بمرحلة عمرية محددة.. يعود الحب للرجل الخمسيني او الستيني الى رغبات سرية وعلاقات غامضة يحملها الفشل سريعا في مجتمع يختصر حياة الانسان في عشرين عاما”.
– توضح السيدة انعام وتقول:” الحب لدى الكبار يمتاز بالوضوح والصدق وتقدير
السنين التي مرّت ويكون حبّا حقيقيا بعيدا عن المراهقة”.
ان هذه الشهادات المختلفة بالمجتمع دليل صريح على ان الحبّ ليس له عُمرا محدّدا .
وخلاصة القول فان الابداع والمشاكسة وفق المنهجين الداخلي والخارجي يندرجان ضمن “دراسة حالة” اجتماعية فيها تختلف الآراء سواء حول ثنائية الحب والفقر أو ثنائية الحب وكبر السنّ.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة حبّا وفقرا او حبّا وكبر السنّ.
بتاريخ02/12/2024
المراجع:
https://ultratunisia.ultrasawt.com>…(1)
“ملتقى مدينة الثقافة للنحت على الرخام”.. الفن ما يبقى من” تيكاد 8″
https://alrai.com>..(2)..آخرالاسبوع
هل الفقر يقتل الحبّ؟
https://www.youm7.com>story(3)
اسطورة سيزيف. .ألبير كامو يكشف عن فلسفة” النضال ضد الهزيمة”
https://www.addustour.com>articles(4)
من بداياته الى سنواته الأخيرة المتزامنة مع عمر الإنسان ..هل يعرف الحبّ عُمرا؟
الرخامة والنحات” (المبدع حمد حاجي)”
ضَحُوكَةُ ثَغْرٍ تعاتب حانية: “من عيوني٠٠ وتُؤبُرُنِي ابن عمي٠٠”
وترفعني عاليا قدرا٠٠٠
ويبرح شيطان شعري يوسوسُ لي ربما حشوةٌ: عسل وزؤام٠٠٠
قضت منهما وطرا
فمنها الذكا والحذاقة دوما ومني الغباوة في الحب والحبُ
ما شمتُهُ مؤذياً بَشَرا
وتمسح بالكف صدري فأنسى وتنفلق بئر الهوى في ضلوعي
كمن بالعصا يضرب الحجرا
بحضرتها أتحلل جدا كما طوبة في الثرى٠٠٠ ويذوب الجليدُ
كما الثلج لا حزن لا كدرا
وتطلب أن نتفسح بين المتاجر، أهدي لها معطفا…
أنما الفروُ لم يُحِطِ الفقراءُ بأسراره خبرا
أقيس على قدر ضحكتها فاقتي٠٠٠ مثلما أضحك الغيثُ
وجه البسيطة حين جرى
وأحمل معطفها فوق زندي٠٠٠ فما أثقل الخطو َ ٠٠٠
ما أتعس الفقرَ٠٠٠ يا ليتني كنتُ مقتدرا
( أ٫ حمد حاجي)
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”لنْ يضيفَ لعُمركَ عُمُرا ”
تحاولُ رفْع الصخرة والعبور بها, ولكنْ أبدا ما اجتزتَ
في حياتكَ الحُفرَ…
وما استطعتَ التخلّصَ منْ ضعفكَ أنتَ الهزيلُ وجسْمكَ
ما قبلَ الثقلَ والكِبرَ …
أمامَها تبدو شبابًا وتنْسى أنّ لها تاريخ ميلادكَ,
وعنْ فتراتِ حياتكَ صُورا …
وكمْ حاولتَ أنْ تخفي عنِ النساء أسرار علاتكَ
وسُعدى دائمًا تكشفُ الخبرَ …
تقلّدُ سيزيف وتسْقطُ مراتٍ لعجزكَ تشدكَ الصخرة في الأسفل
فترفضُ أنْ تقهرَ …
ويخْذلكَ العمرُ وسُعدى تتابعُ في حيرةٍ, ثمّ تقودكَ إلى الأعْلى
كمنْ فقدَ البصرَ …
وقدْ تقولُ لكَ: عيبٌ والله ما يصْدرُ منكَ يا رجلا أنتَ كبرتَ
وما عدتَ مقتدرا …
كأنكَ لا تعلمُ أنّ الله شاءَ لنا ما قدرَ وأنه
لنْ يضيفَ لعمركَ عُمرا …