فى مثل هذا اليوم 5 ديسمبر 1989م..
العراق يطلق صاروخ العابد من «قاعدة الأنبار الجوية» المتكون من ثلاث طبقات، وهو أول صاروخ فضائي عربي بمدى 2000 كيلومتر.
تمكن العراق قبل اكثر من 3 عقود من صناعة أول صاروخ عربي قادر على حمل الأقمار الصناعية إلى مداراتها في الفضاء الخارجي، وذلك بقدرات عراقية وجهود محلية من هيئة التصنيع العسكري.
وبعد تجربتين فاشلتين، أعلن العراق نجاح إطلاق الصاروخ اختباريا في 5 ديسمبر/كانون الأول 1989 من قاعدة الأنبار الجوية، لتدخل البلاد مضمار الفضاء، لكن عواقب تلك التجربة كانت كارثية عليها.
ويعود تأسيس الصناعات العسكرية العراقية إلى بداية السبعينيات، عندما شكلت الحكومة حينذاك هيئة من كفاءات علمية للبدء ببناء المنشآت والمعامل والورشات، عبر هيئة التصنيع العسكري التي تم من خلالها تأهيل آلاف المهندسين والفنيين والعمال، بحسب اللواء الطيار الركن الدكتور علوان حسون العبوسي.
هذه المصانع ازدادت في الحرب مع إيران، وهو ما دفع العراق لتطويرها وتنويع منتجاتها من الأسلحة والذخائر المختلفة، إلا أن حرب الخليج الثانية عام 1991 أدت إلى تدمير الكثير من منشآت التصنيع العسكري.
ويبيّن أن الولايات المتحدة كانت تنظر للتطور العسكري العراقي بعين الريبة والخوف من المجهول، خاصة أن معدلات التفوق العسكري العراقي أصبحت قريبة من المستوى العسكري الإسرائيلي، وهو ما تعتبره واشنطن خطرا على مصالحها في الخليج والعالم العربي.
يذكر أنه في نهاية عام 1989، أعدت المخابرات المركزية الأميركية تقريرها الذي تضمن أن العراق ينوي مهاجمة إسرائيل والتوسع على دول الخليج، ويقترب من إنتاج الأسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية والصاروخية. وركز التقرير على موضوع المدفع العملاق والصواريخ البعيدة المدى، بعد إطلاق العراق صاروخه ذا البعد الإستراتيجي المسمى “العابد”، ونهجه نحو الوحدة العربية من خلال إنشاء مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن، مما سيشكل خطرا جسيما على المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ويلفت إلى ردود فعل الإدارة الأميركية حيال هذا التقرير، حيث تشاورت مع بريطانيا للبدء بمرحلة التخطيط الهادئ لاستدراج العراق وإدخاله في مشاكل، أو خلق مواقف يصعب على قياداته التنصل منها، أو إهمالها لكونها تشكل تهديدا لأمنه القومي.
وتكمن أهمية صاروخ العابد في كونه أول صاروخ صنع في دولة عربية يستطيع حمل أقمار صناعية، كما يعد من فئة الصواريخ الإستراتيجية ذات مدى يصل إلى نحو ألفي كيلومتر، وهو في الأساس صاروخ مخصص للاتصالات والاستطلاع، ولكنه معد أيضا لكي يحمل قمرا صناعيا، كما يقول العبوسي.
وأوضح العبوسي أن هذا الصاروخ يتكون من 3 مراحل، ويبلغ وزنه نحو 48 طنا، وقد صمم بقدرة تحمل وزن تصل حتى 70 طنا عند إقلاعه وانطلاقه، كما أن بدن العابد يتكون من سبيكة من 5 صواريخ من طرازي “الحسين” و”الفتح” اللذين كانا يعتبران من أفضل الأسلحة العراقية آنذاك.
وعن ردود الفعل الدولية عقب إطلاق الصاروخ، يتحدث العبوسي عن غضب عالمي تجاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ابتداء من إنذار الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جورج بوش الأب الذي أكد على أن الصاروخ قادر على حمل أقمار صناعية للفضاء الخارجي.
كما دعت وزارة الدفاع الأميركية العراق لالتزام الحذر في مراحل تطوير برنامج الصاروخ الفضائي، وذكر بيت وليامز المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية أن الصاروخ يتضمن تكنولوجيا تدخل في إنتاج صاروخ عابر القارات، وحذر من أخطار انتشار مثل هذه الصواريخ في مناطق التوتر وتهديدها للعلاقات الدولية، وتابعتها بريطانيا بقيادة مارغريت تاتشر التي طالبت بضرورة وقف البرنامج الفضائي العراقي.
ويستدرك العبوسي بأن فرنسا رأت أن صناعة العراق لصاروخ العابد قد وضعته في نادي الكبار، وقد بلغ تطويره ليناهز صاروخ “إريان” الأوروبي، لكن إسرائيل تعمدت إطلاق قمر التجسس “أفق.1” ردا على العراق الذي أعلن عن قدرته على تصنيع صاروخين جديدين هما “أبابيل” و”سجيل” للأرصاد الجوية والاتصالات.
لا توجد أي أدلة مؤكدة على نجاح العراق في هذه التجارب، ولا يوجد سوى بعض الادعاءات التي يمكن أن تدخل ضمن البروباغندا التي روج لها نظام صدام حينذاك، إذ لم يعثر مفتشو المنظمات الدولية على هذه النوعية من الرؤوس الصاروخية، وهذا الأمر مثبت في تقارير مفتشي الأمم المتحدة الذين عثروا على منظومات صواريخ تقليدية، بحسب الطائي.
ويدرج الطائي الحديث عن صاروخ العابد ضمن باب المبالغات، مستبعدا امتلاك العراق قدرات تصنيع صواريخ تحمل الأقمار الصناعية نهاية الثمانينيات، وربما كان هنالك مشروع طموح بهذا الخصوص إلا أنه لم يتجاوز مرحلة التخطيط والتجارب.!!