في مثل هذا اليوم10 ديسمبر1198م..
وفاة ابن رشد، فيلسوف أندلسي.
أبو الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحُمِّد بن مُحَمَّد بن أَحُمِّد بن أَحُمِّد بن رُشْد (520 هـ- 595 هـ) يسميه الأوروبيون Averroes واشتهر باسم ابن رُشْد الحفيد (مواليد 14 إبريل 1126م، قرطبة – توفي 10 ديسمبر 1198م، مراكش) هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ الإمام مالك، وديوان المتنبي. ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري. يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً في قرطبة. تولّى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث أبعده أبو يوسف يعقوب إلى مراكش وتوفي فيها (1198 م)
نشأ ابن رشد وسط أسرة أندلسية بارزة مارست الفتوى والزعامة الفقهية، فجده المشهور باسم ابن رشد الجد، للتمييز بينه وبين حفيده الفيلسوف، كان شيخ المالكية وقاضي الجماعة وإمام جامع قرطبة، كما كان جده من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية. أما والده فهو أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد، الذي كان فقيها له مجلس يدرس فيه في جامع قرطبة، وله تفسير للقرآن في أسفار، وشرحٌ على سنن النسائي وتولى القضاء في قرطبة عام 532 هـ، بينما كان ابنه ابن رشد آنذاك في الثانية عشرة من عمره. فترك أبو القاسم القضاء لينقطع إلى التدريس والتأليف، في الفقه والتفسير والحديث، إلى أن توفي سنة 563 هـ عندما كان ابنه في أوج نشاطه الفلسفي. فعايش ابن رشد الحفيد في شبابه أواخر العصر المرابطي، وتميز ذلك العصر بسلطة الفقهاء على الفكر والثقافة والمجتمع والسياسة.
درس ابن رشد الفقه على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه أبي القاسم، ودرس، أيضا، على أيدي الفقيه أبي مروان عبد الملك بن مسرة، والفقيه ابن بشكوال وأبي بكر بن سمحون، وأبي جعفر بن عبد العزيز، الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري. كما درس على يد أبي جعفر هارون، وأبي مروان بن جبرول من بلنسية، وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر (أحد أبناء ابن زهر)، وفي الفلسفة تأثر بابن باجة، كما كان صديقا لابن طفيل.
خدمته في البلاط
تولى القضاء عام 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة. وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه وقضى في مراكش زهاء عشر سنوات. وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب؛ فتنقَّل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم ولاَّه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده ورفعة وقرَّبه إليه، ولكن كاد له بعض المقرَّبين من الأمير، فأمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهَدَّد مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة. وبقي بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة. ثم إن السلطان نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والاهتمام بها أكثر من ذي قبل. ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة مكث بها بمراكش حيث توفي سنة 595هـ/ 1198م. وقد دفن بها، قبل أن تنقل رفاته في وقت لاحق إلى مسقط رأسه قرطبة.
فكره
مناظرة وهمية بين ابن رشد والحجر السماقي، القرن الرابع عشر.
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: رشدية
يرى ابن رشد أن لا تعارض بين الدين الإسلامي والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقاً أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة. ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه. وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة. ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استناداً على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لايمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذَكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكاتٍ فكريةٍ عاليةٍ توعدوا بحفظها وإجراء دراساتٍ جديدةٍ فلسفية.
علم الفلك
كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل. وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت “اتحاد الكون النموذجي”. ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: «”من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة”.».
ثم انطلق يقدم الانتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التي قدمها الفلكيون في عصره. ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بغير الواضح والغامض، وقال بأنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكاً. وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علمياً لأشكال البقع الشمسية.
أثنى بعض العلماء عليه كما جاء عند الذهبي عن ابن أبي أصيبعة من قوله: كان أوحد في الفقه والخلاف، وبرع في الطب، وقول الذهبي نفسه: «وكان يُفزع إلى فتياه في الطب، كما يُفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي.
مكانته لدى الغرب
ابن رشد، جزء من إفرسك لوحة مدرسة أثينا، الفنان رافاييل، 1509 م، غرفة التوقيعات، قصر بونتفيتشي، الفاتيكان، روما، إيطاليا.
تمثال لـ ابن رشد في قرطبة، إسبانيا.
عُرٍف ابن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة، فقبل عام 1100 م كان عدد قليل من كتب أرسطو في المنطق تم ترجمته إلى اللغة اللاتينية على يد الفيلسوف المسيحي بوتيوس (بالإنجليزية: Boethius)، مع أن أعمال أرسطو الكاملة كانت معروفةً في بيزنطة. ثم بعدما انتشرت الترجمات اللاتينية للأعمال الأرسطية الأخرى من اليونانية والعربية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين أضحى أرسطو أكثر تأثيراً على الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى. وقد ساهمت شروح ابن رشد في ازدياد تأثير أرسطو في الغرب القروسطي. في أوروبا القروسطية أثرت مدرسة ابن رشد المعروفة بالرشدية في الفلسفة تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين أمثال توما الأكويني، واليهود أمثال موسى بن ميمون وجرسونيدوس. وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهود والمسيحيين إلا أن كتابات ابن رشد كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية الفكر المهيمن في أوروبا الغربية حتى القرن السادس عشر الميلادي. وقد قدم في كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” مسوّغاً للتحرر من العلم والفلسفة من اللاهوت الأشعري، وبالتالي عدّ بعضهم الرشدية تمهيداً للعلمانية الحديثة.
لم يكن ابن رشدٍ فيلسوفاً أصيلاً بقدر ماكان شارحاً ومعلقاً على أعمال أرسطو، إذ ليست له أفكارٌ فلسفيةٌ خاصّةٌ مقارنةً بأعلام الفلسفة الإسلامية الكبار كابن سينا والرازي والفارابي. إن تراثه الرئيس يتمحور حول ترجمة أرسطو إلى العربية وشرحه والتعليق عليه ترجمةً دقيقةً -مقارنةً بما كان سبق من ترجماتٍ- ساعدته عليها خلفيته المعرفية والفلسفية واللغوية، وهذه الأعمال هي التي نُقلت إلى العبرية واللاتينية وأرهصت لفلاسفةٍ كابن ميمون وسيجر دو برابانت (بالإنجليزية: Siger of Brabant) والإكويني، ولمدارسَ كالفلسفة المدرسية (السكولاتية)، ومن هنا اهتمام الغربيين المحدثين به وإعلاء شأنه -وبخاصةٍ المستشرقين- بوصفه ممثلاً أميناً للحضارة الإسلامية في لبوسها الاستشراقي، بمعنى تصويرها كأنْ لم تك -في أفضل أحوالها- أكثر من ناقلٍ للتراث اليوناني إلى الغرب وليس ثمة من إبداعٍ أصيلٍ يُنسب لها، والدليل الباهر ابن رشد. وجاءت محنته لترفع من قيمته أكثر بنظر هؤلاء ليعتبروه تجسيداً لفكرٍ متحررٍ في وجه المتشددين، مع أنه كان فقيهاً أصولياً مالكياً لاتزال كتاباته الفقهية مراجعَ لها قيمتها الرفيعة على مر القرون حتى يومنا، ومع أن محنته لم تك أكثر من مكيدةٍ على يد الحساد والوشاة الذين لايخلو منهم زمان أو بلاط.
يقول محمد لطفي جمعة (1886-1953): “لأنَّ… ابن رشدٍ لم يكن في الحقيقة فيلسوفاً إنما كان مترجماً وناقلاً، نقل فلسفة أرسطو إلى اللغة العربية واعتبرها خاتمة الحكمة، ورأى أنه من المحتم عليه وهو حكيمٌ إسلامي أن يوفق بين هذه الآراء اليونانية وبين الشريعة الإسلامية”، إلى أن يقول: “لايمكننا أن نعد ابن رشدٍ فيلسوفاً ولكنه كان مصلحاً”
تمت تسمية كويكب باسم “بن رشد 8318” تيمناً باسم الفيلسوف العربي.
وكانعكاس للاحترام الذي كان يكنه العلماء الأوروبيون لإبن رشد في العصور الوسطى فقد ورد اسمه في الكوميديا الإلهية لدانتي في قسم الجحيم (الأنشودة الرابعة: 142) مع الفلاسفة العظماء الذين ماتوا قبل المسيحية أو الذين لم يعمدوا بحسب وصف دانتي.
واستلهاماً لهذا البيت من الأنشودة فقد جسدها المصور الإيطالي رافاييل في لوحته “مدرسة أثينا” ومصوراً بها ابن رشد وهو يرتدي العمامة العربية وينظر منتبهاً من خلف العالم الرياضي اليوناني فيثاغورث.
كما ظهر ابن رشد في القصة القصيرة التي كتبها خورخي لويس بورخيس بعنوان “بحث ابن رشد”، والذي يبدو فيها ابن رشد يحاول العثور على معاني كلمات “التراجيديا” و”الكوميديا”.
وأشير إليه بإيجاز في رواية يوليسيس للكاتب والشاعر الأيرلندي جيمس جويس إلى جانب موسى بن ميمون. كما يظهره الشاعر الباكستاني ألامجير هاشمي (بالإنجليزية : Alamgir Hashmi) منتظراً خارج أسوار قرطبة في قصيدته “في قرطبة”.
وهو أيضاً الشخصية الرئيسية في فيلم المصير للمخرج المصري يوسف شاهين الذي أنتج عام 1997م.
كما تم تسمية كلية تربية الاولى في جامعة بغداد بأسم كلية تربية ابن رشد
“ابن رشد” هو أيضاً عنوان لمسرحية للكاتب التونسي محمد الغزي، والتي نالت الجائزة الأولى في مهرجان الشارقة للمسرح عام 1999م.
قام مغني البوب المسلم كريم سلامة بتلحين وغناء أغنية عام 2007 بعنوان “أرسطو وابن رشد”.!!