قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين قيمة الحب ونزوة الشهوة”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ ناقدة )
المبدع حمد حاجي(تونس)
القصيدة: “المعطف الابيض”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة:”العجوز المراهق”
الناقدة :جليلة المازني (تونس )
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة
– التناص المعجمي
– المرجعية الدينية.
– موضوع الحبّ
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والحب عبادة:
سأبْني قراءتي النقدية للقصيدة وفق قطبين: البداية والنهاية أوالعنوان والقفلة:
أ- العنوان :اختار المبدع عنوانا لقصيدته “المعطف الابيض”
ما هي رمزية المعطف الابيض؟
“يعبر المعطف الأبيض عن المعرفة والنقاء والأخلاق الطيبة مما يعكس
أهمية القيم الانسانية في التعامل مع المرضى”(1).
والأطباء يرتدون المعطف الابيض مرادفا للنظافة ورمزا للصدق.
و”المعاطف هي رمز التعلم في الارجنتين حيث يتمّ ارتداؤها من قبل الطلاب.. وفي تونس يرتدي المعلمون المعاطف البيضاء لحماية الملابس الخاصة بهم من غبار الطباشير”(2).
ان المبدع استخدم الكناية فكنّى عن حبيبته باللباس الذي تلبسه وهو المعطف الابيض الذي يرمز الى النقاء والمعرفة والاخلاق الطيبة الانسانية.
قد يكون المعطف الابيض لباس الطبيبة وقد يكون لباس المعلمة.
لعلني أرجح ان المعطف الابيض هو لباس المعلمة باعتبارها هي من ينْحتُ ملامح المجتمع ومن يصنعه بمن في ذلك الطبيبة.
وبالتالي فحبيبة المبدع قد تكون معلمة.
ب – القفلة:
يقول المبدع في القفلة :”وكفى العاشقين صلاة وصوم وحجّ”
في هذه القفلة يجمع بين العشق والدين فذكر ثلاثة اركان للدين الاسلامي وهي الصلاة والصوم والحج.
– فما علاقة العشق بالدين؟:
– هل ان الحب عبادة؟
– أية علاقة بين عشقه والصلاة؟
– أية علاقة بين عشقه والصوم؟
– أية علاقة بين عشقه والحج؟
بما ان المبدع قد قرن العشق بالصلاة والصوم والحج فقد يعتبر العشق عبادة وهو في ذلك يتناص مع نزار قباني حين يقول:
حبك يا عميقة العينين // تطرّف .. تصوّف ..عبادة.
– قد يرمز المبدع بالصلاة الى الطهارة والنقاء في عشقه لصاحبة المعطف الابيض المعلمة.
– قد يرمز بالصوم في العشق الى الاكتفاء بحبيبة واحدة والصوم والكف عن البقية.
– قد يرمز بالحج في العشق ان الحبيبة هي قبلة الحبيب دون غيرها.
ان المبدع قد قرن العشق بالعبادة لاضفاء القدسية على عشقه خاصة اذا كانت
معشوقته معلمة وصاحبة رسالة تنحت بها ملامح المجتمع تماما كما الرسول الذي وصفه الله بالمعلم في عدة سور منها سورة البقرة الآية(2)”هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويُعلمُهُم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين”.
وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ متسائلا:
– لما يعتبر المبدع عشقه للمعلمة عبادة؟؟؟
ج- ما بين العنوان والقفلة:
استهل المبدع قصيدته بجملة فعلية فعلها في صيغة الماضي الدال على أن الفعل قد وقع لاضفاء الواقعية على الحدث فيقول:
ومالت لطرف الأريكة ملتفة..
ساقها فوق ساق
انه يبين هيئتها وهي جالسة على الأريكة.
والأريكة هو كرسي مريح في الجلوس وهيئتها تشي بدلالها ورفعة مقامها
وكأنها جالسة على عرش المعرفة.
وقد حرّك دلالها وغنجها هوى المبدع فيقول:
يغالبني في هواها دلال وغنج..
والغنج هو دلال الصوت والحركة وهما سمتان من سمات المعلمة .
وبجرأة المعلمة وتحدّيها بادرته بخطاب تطلب منه أن يصفها بجيم فيقول:
وقالت أتحداك صفني بجيم..
استخدم المبدع صيغة الأمر (صفني) الدالة على الالتماس.
والفعل وصف يتعلق عادة بمواصفات موضوعية ولعل هذا دليل على ان هذه المعلمة تترفع عن كل وصف ذاتي.
بيد انها طلبت ان يكون الوصف بجيم ولعلها تقصد ان يكون الرويّ حرف جيم
ولعلها اختارت صوت الجيم لانه صوت مجهور يجعلها تستمتع بوصفها بحاسة السمع وحاسة السمع حاسة لها أولويتها عند المعلمة بل عند كل الناس فابن خلدون يقول:”السمع أبو الملكات”.
تحيّر المبدع من طلبها ثم لبّى لها ما تريد ليصف معطفها الأبيض وشعرها الأسود الزنجي فيقول: معطفها أبيض اللون// والشعر أسود زنج.
استخدم طباقا لفظيا ( الأبيض/ الأسود) ليُحيلنا الى مقابلة معنوية بين بياض المعطف وسواد الشعر وهو في ذلك يريد ابراز جمال شعرها الذي تميّز ببياض معطفها.
انه لبى طلبها لأمرين:
– لأن هواها غالبه
-لأنه فخور بشعره
لذلك تظاهر بمزاحها ودخل معها في مساومة بين جودة الوصف وجزائه فيقول:
فما لي هروب
وأدنيت جنحين هذا مجاز وهذاك معنى
ولا يكتب الشعر علج..
ومازحتها لو أجدت..؟
أجابت:
تنال الذي كنت ترجو..
=== يتبع ===
=== يتبع ===
انها دخلت معه في لعبة المساومة وهي مغامرة لا تعرف عاقبتها.
– لعلها تدرك قصده وهي المعلمة الموسومة بذكائها.
– لعلها تدرك أنه وقع في حبها لذلك هي قد تبادله الحب إن هو أجاد في وصفها.
– لعلها هي أيضا قد وقعت في حبه لكنها تكتمُه فتشرّع للبوح له بحبها حين يجيد وصفها.
وفي هذا الاطار هل يمكن أن نلعب لعبة المساومة في الحبّ؟
يقول الباحث طارق واصل:” الحب ..هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل المساومة..
وأنصاف الحلول…فإما أن نحب أو لا نحبّ.. وليس في الحياة نصف حب”
ان هذا الحوار قد كشف بعض المواقف من الطرفين وفضح النوايا :
– نية المبدع في المساومة على حبّه. رغم تظاهره بالمزاح.
– نية المعلمة التي تكتم حبها وتظاهرت بالدخول معه في لعبة المساومة.
وفي هذا الاطار انخرط المبدع بأسلوبه الإنزياحي الدلالي القائم على التشبيه التمثيلي ليرسم لنا صورة في جمالها بزجاجة بداخلها جذوة نار يحوطها في دوائر شمع وثلج وهي صورة محكومة بمقابلة معنوية بين جمالها الشفاف وأثره فيه فيقول: وشبّهت ما قد رأيت
ببلورة في زجاج وجذوة نار
يحوطها في دوائر شمع وثلج
وأشعلت قلبي عود ثقاب
وفي ساعة الضعف
لا أحد في لهيب الصبابة ينجو..
ان المبدع يشرّع لوقوعه في حبها بتحليل نفسي لكل من يقع في الحب وبذلك يعمّم ما حصل له من اشتعال ناره(واشعلت قلبي عود ثقاب).
بيد انه يعتبر ان اشتعال نار قلبه صبابة هي ضعف.
هل الوقوع في الحب او الاكتواء بنار الصبابة ضعف؟
ان “الحب يجعل أقوى الناس ضعيفا ويجعل أضعف الناس قويا…الحب يجعلك
قويا أمام العالم بأسره لكنه يجعلك ضعيفا كل الضعف أمام من تحبّ.
و كلما زاد حبك زاد ضعفك كما أنه كلّما زاد حبّك زادت قوتك بكل ما يتبع
ذلك من سعادة وشقاء وألم وصفاء”(3).
ان المبدع قد عبر عن ضعفه أمام الحب عدة مرات بالقصيدة حين قال:
يغالبني في هواها/ تحيّرت/ فما لي هروب/ ومازحتها/ وأشعلت قلبي عود ثقاب/
وفي ساعة الضعف..)
كل عبارات الضعف أمام حبه لها جعلته يختم باستسلامه لها ليقترب ويقبلها
من ثغرها فاستجاب لها كل كيانه.
لقد عبّر المبدع عن صورة استجابته الكلية للقبلة بامتياز باستخدام طباق لفظي(كلّي/ جزئها) لينقل لنا مقابلة معنوية بين أثر الجزء في الكلّ.
فماذا كان يحدث لكلّه لو كانت بكلّها(كل جسدها)؟ فيقول:
وقربت ثغري لمبسمها ونفخت
فتفرّق كلي على جزئها..
فكلانا هباب..ففرّ ..ورجّ..
ان هذا الانتشاء جعله يطوف بكعبة قلبه والطواف ركن من أركان الحج
فكنّى عنها بكعبة قلبه فهي قبلة قلبه وحبّه فيقول:
وأمضيت ليلي أطوف بكعبة قلبي
على شمعة..
وكفي العاشقين صلاة وصوم وحجّ..
ومن ثم كانت هذه المعلمة قبلة حبّه وكان حبه لها عبادة.
في هذا الاطار ما رأي المشاكس في الحب العبادة؟؟؟
2- المشاكس عمر دغرير وغريزة الشهوة
أ- العنوان:
اتخذ المشاكس عنوان قصيدته ( الشيخ المراهق) وهو مركب نعتي والنعت يشي بان المنعوت له علاقات مشبوهة مما جعل المشاكس يصفه بالمراهق وهو شيخ.
وهذا يتناص مع وصف ابن حزم الأندلسي في باب علامات الحب بطوق الحمامة
“وذي سنّ تفتّى”.
لئن أوْحى لنا عنوان قصيدة المبدع (المعطف الابيض)بالنقاوة والصدق وقد استخدمه كناية عن المعلمة الحاملة لرسالة.
فان عنوان المشاكس(العجوز المراهق) يوحي بالعجز والخيانة .
وكأني بالمشاكس يُعيّرُ المبدع بعيْبيْن:
-عيب العجز (العجوز)
– عيب الخيانة.
ب- القفلة:
ختم المشاكس قصيدته بقفلة جاءت متناغمة مع العنوان فيقول :
فسعدى حيرانة
في البيت تنتظر
وفي الهنا والهناك يخونها الزوج…
فلئن ختم المبدع قصيدته بإقرار بأن الحب عبادة فإقرار المشاكس يتعلق
بالخيانة. وبين العبادة والخيانة قطيعة اذ لا يمكن أن تشوب العبادة خيانة.
وكأني بالمشاكس يعمد الى تجريد المبدع من جبّة العبادة ومن قداستها ومن نقاوة المبدأ وطهارة العلاقة ليُلبسَه ثوب الخيانة الزوجية وليتهمه بالزنا الذي حرّمه الله بل جعله من الكبائر في أكثر من آية قرآنية منها “والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة “(سورة النور2).
وكأني بالمشاكس “يُحارب” المبدع بنفس السلاح فحين اعتبر المبدع أن حبّه عبادة نرى المشاكس يعْمد الى الطعن في عبادته بامتياز ليُلصقَ به تهمة لن يغفرها الله والنص القرآني فيها صريح.
وهل أكثر من أن المشاكس قد جرّد المبدع من مبادئه الانسانية حين جعله ينتهك حرمة المرأة في المطلق سواء كانت زوجة او عشيقة في تلاعبه بحق المرأة لصالح نرجسية الرجل. والمشاكس قدجسّد ذلك بامتياز حين جعل نرجسية الرجل تستمرّ معه حتى سن متقدمة وهو شيخ.
ولعلنا نقف على ذلك عند التحليل لما بين العنوان والقفلة:
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ج- ما بين العنوان والقفلة:
بأسلوب ساخر يستهلّ المشاكس قصيدته متهكما من المبدع الذي يدّعي أن الحبّ عبادة فيتوجّه اليه قائلا:
كفاك صلاة وصوْما وحجّا
وماذا تريد من التي معطفها
فروه ثلج…؟
ان المشاكس كان متناغما في ردّه على المبدع اذ بدأ بالرد حيث أنهى المبدع
قصيدته ولعل غايته من ذلك اتخاذ استراتيجية الكل ثم التفاصيل ليؤلب عليه القارئ منذ البداية فيضمن بذلك تعاطف القارئ معه.
وأكثر من ذلك كأني به يُؤلّب عليه صاحبة المعطف الأبيض حين أوهم القارئ بتلك الفجوة النصية بانه يدافع عنها (وماذا تريد من التي معطفها..فروه ثلج…؟)
ولعل القارئ يدعم تأويله حين أوهمه المشاكس بالدفاع عنها بقوله:
أتمشي بعكازة..
وتريد صعود السلالم
دونما ترهق جسمك الدرج..
أتعشق امرأة في عمر الورد
أنت المسن
كيف يغويك الدلال والغنج؟
باستخدام أسلوب المقابلة المعنوية (امرأة في عمر الورد/ أنت المسنّ) يواصل المشاكس تهكّمه من هكذا علاقة مبنية على عدم التكافؤ في السنّ.
وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ متسائلا:
– هل أن علاقة الرجل المسن بامرأة شابة هي علاقة حبّ أم هي علاقة شهوة؟
في هذا الاطار قد يستحضر القارئ ما قيل في هذا الباب:
يكشف الدكتور أنطون دينيسينكوف أخصّائي علم النفس في عيادة بموسكو لصحيفة ” ايزفيستيا” أن من الأسباب التي تجعل الرجال ينجذبون الى الشابات:
“هي أن الرجال مع الفتيات الشابات يشعرون بصغر سنهم كما تزداد لديهم الرغبة الجنسية .وهذه ليست مجرد رغبة بل هي طاقة حيوية يرعونها ولا يدعونها تجفّ..”(4).
يبدو ان المشاكس قد جعل المبدع مُدْمنا على مغازلة الحسان وملاحقة الصغيرات فيقول : كيف تهوى مغازلة الحسان
تلاحق الصغيرات
مثل المراهق في كل حي.
ومن هنا لئن سلّط المبدع على قيمة الحب فأحب واحدة وهي المعلمة التي جعل حبها عبادة والعبادة لا تُناقش واحدة كوحدانية الله فان المشاكس قد نفى عنه قيمة الحب وحول قيمة الحب الى نزوة الشهوة بما فيها من حيوانية بان جعله يتنفس شهوة واشتهاء وهو يلاحق الصغيرات.
وهل أكثر من أن المشاكس قد جعل المكان شاهدا على مراهقة المبدع وصبيانياته في كل حي وفي الزقاق والشارع والنهج ومحطة الحافلات فيقول:
تلاحق الصغيرات
مثل المراهق في كل حي
ويعرفك الزقاق والشارع والنهج..
وتستهويك في الازدحام
محطة الحافلات
ويشد انتباهك الدزّ والرجّ…
ان المشاكس قد جعل كل هذه الأماكن شاهدة على تحرّكاته في ملاحقة الصغيرات
لاضفاء الواقعية في القاء التهمة عليه لان المكان بالطبع بجمهوره الذي هو شاهد عليه ولن يرحمه.
وفي غمار مغامراته الشهوانية الصبيانية يتنصل من مسؤوليته ازاء أبنائه الى جانب الدّوس على كرامة زوجته سعدى المخدوعة فيه فيقول:
وتنسى أن صغارك
في حوج اليك
وأمّهم في صبرها يصاعد وهج..
والمشاكس هنا يسلط الضوء بكل صدق على مجتمع” يتفتّى” فيه الرجل الزوج ويتصابى من أجل شهواته والزوجة المسكينة مخدوعة و” نائمة على أذنها” بل تنتظره حائرة.
وهو في ذلك يتناص مع نجيب محفوظ في احدى رواياته الثلاثية “بسي السيد” الذي يعود الى البيت متأخرا من مجالس اللهو فيجد زوجته تنتظره لتفتح أمامه الباب ولتنير له مدخل البيت.
يقول المشاكس:
فسعدى حيرانة
في البيت تنتظر
وفي الهنا والهناك يخونها الزوج…
وخلاصة القول فلئن سلّط المبدع الضوء على قيمة الحبّ لمعلمة واعتبره عبادة لا يحيد عنها وعقيدة مؤمن بها فان المشاكس قد حوّل قيمة حب المبدع الى شهوة مُدْمنا عليها وهو الشيخ المسن حدّ تنصله من مسؤوليته أبًا وزوجا.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة قلم مبدع لا يشبهه اي قلم وقلم مشاكس توأم له في التميز رغم مشاكسته له.
بتاريخ:09/12 /2024
المراجع:
https://www.ajman.ae(1)
كلية طب الاسنان تنظم حفل ارتداء المعطف الابيض|جامعة عجمان
https://ar.wikipedia.org>wiki>..(2)
معطف المختبر
https://www.al-madina.com>(3)
الحب هل يجعلنا أقوياء أم ضعفاء؟- جريدة المدينة
https://arabic.rt.com> technology(4)
لماذا يختار الرجال الفتيات الاصغر عمرا؟