قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة والتعالق بين الشعر والفن التشكيلي”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي(تونس)
القصيدة: “الوثني الذي يعالج طينا على طبق”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة:” ستظل مثقلا بالهموم والقلق”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– التناص بين الشعر والفن التشكيلي
– القفلة الحزينة بالمشهد الأخير
ب- المختلف بين الإبداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي :”القصيدة والتعالق بين الشعروالفن التشكيلي”
انطلاقا من العنوان “الوثني الذي يعالج طينا على طبق” يحيلنا الشاعر على
الفن التشكيلي .
فالوثني:من المرجح ان الوثني جاءت من مصطلح يشير الى سكان الريف والأصل اللاتيني لكلمة وثني “سكان الريف” او” المدنيين”(1) .paganus
وسكان الريف شُهروا بصناعة الطين أو الخزف فما هو فن الخزف؟
“الخزف هو الطين المزجج و المفخور. يرجع تاريخ الخزف الى أقدم العصور
وفي الوقت الحاضر أصبح الخزف من أحد الفنون التشكيلية “(2).
وفي العصر الفاطمي ازدهرت “صناعة الخزف الذي كان يحمل رسوما ومشاهد الرقص والموسيقى والصيد كما كانت تصوّر عليه بعض الأنشطة الاجتماعية اليومية..”(3)
وبالتالي اذا أصبح الخزف من أحد الفنون التشكيلية والشاعر في قصيدته
شبه نفسه بالفنان التشكيلي حين قال: “مثلما الوثني يعالج طينا على طبق”
وفي هذا الاطار هل هناك تعالق بين الشعري والتشكيلي في هذه القصيدة؟
أ- ماهو الشعر القائم على التصوير الأدبي؟
“التصوير الأدبي أو الشعري هو استخدام المؤلف للوصف واللغة مما يعمق
فهم القارئ للعمل من خلال مناشدة الحواس”(4)
والصور الشعرية ستة أنواع من الصور:
البصرية/ السمعية/ الشمية/ التذوقية/ الحركية/ الاحاسيس والعواطف الداخلية
ب- ما هو الفن التشكيلي؟:
“يمكن تعريف الفن التشكيلي بأنه ذاك النوع من الفنون الذي يعبر من خلاله
الفنان عن أفكاره ومشاعره حيث يسعى الى تحويل المواد الأولية الى أشكال جميلة كالعمارة والتصوير والزخرفة والنحت ويتمّ ادراك هذا النوع من الفنون
من خلال حاسة البصر لذلك يسمّى بالفن البصري أو المرئي”(5).
وفي هذا الاطار ومن خلال تعريف الشعر والفن التشكيلي نقف على تعالق بين الشعري والتشكيلي:
– الصورالشعرية والرسومات الزخرفية.
– حاسة البصر.
– التعبير عن المشاعر والأحاسيس والعواطف الداخلية .
والسؤال المطروح هل أن قصيدة حمد حاجي تجسّد هذه التعالقات بين الشعري والتشكيلي؟
ج- القراءة التشكيلية للقصيدة:
1- اللوحات الشعرية بالقصيدة التشكيلية:
ان كلّ مقطع من المقاطع الشعرية يجسد صورة شعرية متناسقة وهي بمثابة اللوحة التشكيلية:
أ- لوحة متابعة الحبيب خطى الحبيبة الى آخر النفق.
ب- لوحة التيه بالمفترق.
ج- لوحة الحبيبة وبيدها النارنجتين في لونهما الأصفر وقد جسد المبدع ذلك في اللوحة المصاحبة للقصيدة.
د- لوحة الوثني وهو يعالج الطين على طبق .
ت- لوحة مدّ الحبيب جرة الماء لتغسل الحبيبة النارنجة وانسكاب الماء ورؤية خاتم العرس.
2- المشاعر والأحاسيس بالقصيدة التشكيلية:
ان مختلف هذه اللوحات الشعرية التشكيلية قد جسّد فيها المبدع كل المشاعر والأحاسيس التي تجمع بين الحب والضياع وخيبة الأمل وتتوزع في تفاصيلها
في كل لوحة على حده:
– اللوحة الأولى :عاش الحبيب مشاعر الخوف من التيه في النفق.
– اللوحة الثانية: يشترك الحبيب والحبيبة ويشعران معا بالخوف والحيرة.
– اللوحة الثالثة: يشعر الحبيب العاشق بالقلق من خلال اصفرار وجهه الذي شبهه
المبدع بلون النارنجتين الأصفر .
– اللوحة الرابعة يبين المبدع شدّة انتباه الحبيب وهو يراقب حبيبته ومعجب بها كاعجاب الوثني بخزفه وشغفه بفنّه.
– اللوحة الخامسة ستهدم كل المشاعر السابقة التي عشّشت في كيانه ليستبد به اليأس من أمل كان ينتظره فيشعر بخيبة أمل تجعل الواقع يهدم حلمه حين رأى خاتم العرس بإصبعها وهي تغسل النارنجة.
ان هذه اللوحات تجسد كل واحدة على حده مشاعر وأحاسيس مخصوصة تماما كما المشاعر التي تتركها في داخلك مشاهدة لوحة تشكيلية.
وما يجمع بينها هو الحب والضياع هو الأمل واليأس .
انها الهوّة بين الحلم الجميل والواقع المرير.
3- دور حاسة البصر بالقصيدة التشكيلية:
ان المبدع اعتمد على حاسة البصر في قصيدته تماما كما يُعْتبر الفن التشكيلي
فنّا بصريا مرئيا:
– اللوحة الأولى الدليل يعتمد على حاسة البصر(كما يتحرّى الدليل)
– اللوحة الثانية: رأى الحبيب حبيبته كيف عاجت الى أول الدرب
– اللوحة الثالثة: يقول المبدع العاشق: “تأمّلتها”
– اللوحة الرابعة يقول المبدع العاشق: فعين تراها
وعين تقبل من قدميها الثرى
– اللوحة الخامسة: رأى المبدع الحبيبة تغسل النارنجة ورأى الماء ينساب
وتمنى الدخول في أثقاب الإبر أو الطيران الى الأفق حيث لا شيء وهذا يتم بحاسة البصر..ولمح خاتم العرس باصبعها.
ان هذا التعالق والتزاوج بين الشعري والتشكيلي يجعل الشاعر حمد حاجي يخرج عن المعتاد في الشعر ليتوق الى الشعر التشكيلي ويعانق التجديد في الشعر.
في هذا الاطار هل سيتناغم المشاكس عمر دغرير مع المبدع في هذا التعالق بين الشعر والفن التشكيلي؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير والتعالق بين الشعر والتشكيلي:
* العنوان:”ستظل مثقلا بالهموم والقلق”
لئن أسند المبدع عنوانا لقصيدته يشكل لوحة تشكيلية تجسد خزافا وهو يصنع طبقا فان المشاكس قد جعل عنوان قصيدته مشحونا بمشاعر القلق.
هذه المشاعر التي قد تضفي على بعض اللوحات القتامة والحزن.
أ- اللوحات بالقصيدة :
– لوحة المبدع وهو يجُوب الطرقات.
– لوحة المبدع وهو يلاحق ليلى ولبنى.
– لوحة عودة المبدع الى البيت بعد الغروب يتصبّبُ عرقا.
– لوحة الخصام بين المبدع وسعدى.
ب- المشاعر والأحاسيس التي توحي بها المشاهد بالقصيدة:
– اللوحة الاولى :توحي بمشاعر التعب وهو يجوب مختلف الطرقات
– اللوحة الثانية: الشعور بالذل وهو يلاحق ليلى ولبنى.
– اللوحة الثالثة: شعور المبدع بالإرهاق والتعب والخيبة بسبب ملاحقة النساء
– اللوحة الرابعة: الشعور بالغضب وبالسخط(سعدى) والشعور بالذنب(المبدع).
لئن كانت المشاعر التي أوحت بها اللوحات بقصيدة المبدع محكومة ببعض الثنائيات بين الأمل و اليأس وبين الحب والضياع وقد جسدت ثنائية الحلم الجميل
والواقع المرير فان ما أوحت به لوحات قصيدة المشاكس من مشاعر قد جاءت
رتيبة قاتمة منذ العنوان المشحون بالهموم والقلق فلم يشعر بالبهجة وهو يلهث وراء ليلى ولبنى ولم يسعد مع سعدى الساخطة عليه وهو يستبدلها بغيرها.
ولعل هذه القتامة تعكس المناخ المتعكر والمتوتر في الحياة الزوجية السائد بسبب الخيانة الزوجية وعدم الاهتمام بحاجيات سعدى النفسية والمعيشية .
ان اللوحة الأخيرة لكل من المبدع والمشاكس قد تضمّنت نفس المشاعر الأليمة من اليأس وخيبة الأمل.
ج – دور حاسة البصر من خلال مشهدية اللوحات:
لئن كانت حاسة البصرلدى المبدع واضحة بصورة صريحة باستخدام مؤشرات دالة (تأمّلتك/عين على وعين على/ لمحت..) فان حاسة البصر لدى المشاكس نستشفها من خلال المقاطع النصية .التي توحي بحاسة البصر:
– المشهد الأول: المبدع الذي يجوب الطرق نراه بالعين(تراب الثنايا علق بحذائك..)
– المشهد الثاني: المبدع وهو يلاحق ليلى ولبنى نراه بالعين (تزحف خلف لبنى/تتابع رعشة القرط في الاذن.)في هذا المشهد تشترك حاسة الشم مع حاسة البصر(تلاحق عطر ليلى).
– المشهد الثالث : العودة الى البيت ومشهد تصبّبه عرقا (قميصك كما السروال مبتل بالعرق).
– المشهد الرابع : الخصام بين المبدع وسعدى ليس حكرا على حاسة البصر بل تتدخل أيضا حاسة السمع لتلعب دورها.
ان حاسة البصر ولئن كانت ضمنية لدى المشاكس فانها أضفت المشهدية على اللوحات.
وفي هذا الاطار ووفق قراءة تشكيلية للقصيدتين اني أسطّر على ما توصل اليه الشعراء والتشكيليون وهم يناقشون ويرسمون العلاقة بين الشعري والتشكيلي في ملتقى الشعر والتشكيل بموقع الاتحاد الاشتراكي في 17/ 06/ 2021
(آخر تحديث 08/ 01/ 2024) انهم توصلوا الى :
– مختلف أوجه التعالق بين الشعري والتشكيلي في القصيدة رغم مظاهر الاختلاف بين أدوات اشتغال الخطاب الشعري اللغوي او اللساني من جهة والخطاب التشكيلي الأيقوني والبصري من جهة ثانية.
– التعالق او التقاطع الذي يقود بالضرورة الى الحديث عن علاقة الشعر بالتشكيل ضمن التأسيس التاريخي للترابط القائم منذ أقدم العصور بين الشعري والتشكيلي.
– دخول الشعر في براديقم جديد بصري يتفاعل مع الفنون التشكيلية المعاصرة وينفعل بها.
– مختلف اللحظات والتجارب التي جمعت بين الشعراء والتشكيليين عبر التاريخ وفي سائر الجغرافيات الشعرية والتشكيلية.
– وجود علاقة أزلية ولا تزال وتعتبر زواجا بين الشعري والتشكيلي لما تحتوي عليه من تقاطعات على مستوى الخيال والصور البلاغية الوصفية التي ترجمها التشكيليون الى نماذج مشهدية.
جمالية أنتجت عمليّا ثنائية ابداعية بين الشاعر والتشكيلي بشكل متواز وهما يغرفان من بعضهما البعض باستقلالية ابداعية كل من زاويته ومرجعيّته الخاصّة.
– القصيدة أصبحت تشكّل عملا تشكيليا في حدّ ذاته وتجعل من المُنْتج نصا حداثيا بامتياز.
وخلاصة القول لا يمكن تصوّر تطوّر أيّة حضارة بشرية أيّا كانت بمعزل عن تطوير وتطوّر شعر خاصّ بها وهو ما يجعل الشعر متّصلا بالتقدّم الحضاري البشري ومتجذّرا في وجدانه وروحانياته وحتى في تفكيره.
وفي هذا الاطار حبذا لو يعانق معهد الفنون الجميلة مدرسة الشعر ويتزاوج معها وتجمع بينهما الشراكة والانفتاح في نفس الوقت.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة وتزاوجا بين الشعري والتشكيلي.
بتاريخ 14/ 12/ 2024
المراجع:
https://www.merriam-webster.com>..(1)
تعريف ومعنى كلمة وثني- ميريام وبستر.
https://ar.wikipedia.org>wiki>…(2)
خزف.
https://www.sis.gov.eg>story>…(3)
الفخار والخزف- الهيئة العامة للاستعمالات
https://clpe.org.uk>poetry> imagery(4)
التصوير الفوتوغرافي| مركز محو الأمية في التعليم الابتدائي
https://mawdoo3.com>…(5)
تعريف الفن التشكيلي- موضوع
الوثني الذي يعالج طينا على طبق”( المبدع حمد حاجي).”
كما يَتحرّى الدليلُ الخطى في الثنايا
تبعتُ خطاها
إلى ٱخر التيه و النفَقِ..
*********************************
وعاجَتْ إلى أول الدرب،
ضائعة الروح… محتارةً…
أيُّنَا كان تاهَ بمفترق؟!
***********************************
تأمّلتُها
وهي تمسك نارنجتيْنِ بكفٍ…
كأنّهما خَدُّ عاشق فوق صدر من القلقِ..
************************************
فعين تراها..
وعين تُقَبِّلُ من قدميها الثّرى
مثلما الوثنِيُّ يُعالِجُ طينا على طَبَقِ..
************************************
ولما مددتُ لها جرة الماء،
تَغسِلُ نَارنجَةً…
وَتَرَقرق بالكفِّ سيْلٌ من الخوفِ والفرَقِ…
*************************************
وحين تمنيتُ أسكبُ شوقي
كما انساب……..
في كفها الماءُ يجري على الطُّرِقِ…
***************************************
لمحت بطرف أناملها،
خاتم العرسِ
يلهو بعمري….. ويمسحُ اسمي كَلَوْثَةِ حبرٍ على ورق..
********************************************
ولو أن لي إِبَراً، لولَجْتُ لِأَثْقَابِها٠٠
أو ملكتُ جناحا لطرتُ
إلى
حيث…
لاشيء بالأفق…
(ا.حمد حاجي )
“””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”ستظل مثقلا بالهُموم والقلقِ ”
وكيفَ لمثلكَ أنْ يتوهَ,
وترابُ الثنايا علقَ بحذائكَ,
بعْدما جُبتَ مُختلفِ الطرقِ ..
“”””””””””””””””””””””””””
ويعْرفكَ الجميعُ حينَ تغدو ,
وحينَ تجيءُ , منْ طلوع الشمْس
إلى حينِ غروبها في الغسقِ ..
“”””””””””””””””””””””””””
تلاحقُ عطرَ ليْلى ,
وتزحفُ خلفَ لبْنى,
وتكتفي بالإنتشاءِ بالأنفِ والحدقِ ..
“”””””””””””””””””””””””””
ومنْ بعيدٍ كنتَ تتابعُ
رعشة القرْط في الأذنِ,
وبريقَ الذهب في قلادة العُنقِ ..
“”””””””””””””””””””””””””””
ولا شيْء يوقفُ أنفاسكَ اللاهثاتِ ,
منْ طولِ ما قطعتَ منْ مسافاتٍ,
غير الشعورِ بالأرقِ ..
“””””””””””””””””””””””
وكنتَ بعد الغروبِ, أمام البيتِ ,
خاويَ البطنِ , مُرهقا .
وقميصكَ كما السرْوال مُبتلّ بالعرقِ ..
“”””””””””””””””””””””””””””
وتستقبلكَ سُعدى ساخطة:
لماذا تأخرتَ ؟وأين ما طلبتهُ منكَ ,
وكنتَ سجّلتهُ كيْ لا تنسى على الورقِ ؟ …
“””””””””””””””””””””””””””””
وتعتذرُ .. ولنْ يفيدكَ الإعتذارُ ..
فلْتعدْ منْ حيثُ أتيتَ ,
مَهْزومًا , مثقلا بالهُمومِ والقلقِ …