في مثل هذا اليوم 15 ديسمبر1256م..
هولاكو خان يستولي على معقل الحشاشين في ألموت ويدمر قلعتهم.
تمر، اليوم، ذكرى وصول هولاكو خان إلى معقل الحشاشين في ألموت، والاستيلاء على قلعة النسور، حصن حسن الصباح، زعيم الطائفة، وتدمير قلعته الحصينة، حيث استطاع المغول بقيادة هولاكو القضاء على هذه الطائفة فى فارس سنة 1256م بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية.
الحسن الصباح، الشهير باسم شيخ الجبل، هو المؤسس الروحي والتنظيمي للطائفة الشيعية الإسماعيلية الباطنية، التي انفصلت عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري ـ الحادي عشر ميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله.
والحسن الصباح ولد لأسرة شيعية اثنا عشرية واعتنق الإسماعيلية فيما بعد، وانتقل إلى القاهرة سنة 471 هـ\1078م لتعلم عقائد مذهبه الجديد بشكل أكبر، وكانت الدولة الفاطمية في تلك الفترة تعاني الكثير من المتاعب والفوضى الداخلية والخارجية الأمر الذي أجبر الخليفة والإمام الفاطمي المستنصر بالله على الاستعانة بواليه على عكا بدر الدين الجمالي، وجرى إعطائه كل الصلاحيات المطلقة لتنفيذ مهامه.
نجح بدر الدين الجمالي في تخليص الدولة من أزماتها، لكنه أصبح رقم صعب في معادلة الحكم، لدرجة أنه كان الحاكم الفعلي للدولة من دون الخليفة، وتعقدت علاقته بحسن الصباح الذي ناصبه العداء ودفع الثمن بالإبعاد عن القاهرة فاضطر للعودة إلى أصفهان عام 473 هـ\1081م بأمر من بدر الجمالي.
بدأ حسن الصباح رحلة جديدة في نشر تعاليم العقيدة الإسماعيلية، وركّز جهوده على أقصى الشمال الفارسي، وبالتحديد على الهضبة المعروفة بإقليم الديلم واستطاع أن يكسب الكثير من الأنصار في تلك المنطقة.
قصة طرد الصباح سيطرت فيما ما يبدو على خياله، فلم يكن مشغولًا فقط بكسب الأنصار لقضيته؛ وإنما كان مشغولًا أيضًا بإيجاد قاعدة لنشر العقيدة الإسماعيلية في كل البلاد للابتعاد عن خطر السلاجقة، حيث فضل معقلًا نائيًا ومنيعًا وملاذًا آمنًا للإسماعيليين.
ووقع اختياره على قلعة الموت، الحصن المقام فوق قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج، وسيطر بذلك على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلًا وأقصى عرضه ثلاثة أميال وكانت القلعة ترتفع لأكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار.
واستطاع حسن الصباح دخول القلعة سرًا يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م بفضل أنصاره المتخفين داخل القلعة، قبل أن يسيطر على كامل القلعة ويصبح سيّدًا لها، ولم يغادرها طيلة 35 عامًا حتى وفاته.
ع موت الصباح تصاعدت الصراعات المسلحة بين الإسماعيلية الباطنية والسلاجقة وتمكن الفدائيون الباطنية من الاستيلاء على قلاع جديدة لكن السلاجقة استطاعوا احتوائهم عام 500 هـ/1106 م عندما استولى السلطان محمد على قلعة شاه دز بالقرب من أصبهان وقتل عدد كبير منهم.
لم تختلف الاستراتيجية السياسية والعسكرية للحشاشين عن تنظيم داعش في الوقت الحالي لتمكين دولته المزعومة، إذ اعتمدت الطائفة على الاغتيالات من عناصر لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم، إذ كانوا من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية.
اعتمد الحشاشين القتل الانتقائي بدلا من خوض المعارك التقليدية التي تؤدي إلى ايقاع الاف القتلى، لهذا ألقوا الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، بعد أن تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات الهامة جدًا في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفة العباسي المسترشد والراشد، وملك بيت المقدس كونراد وكل ذلك بفضل اتقانهم فنون التنكر والفروسية والإستراتيجيات والقتل.
كان الحشاشون يندمجون في جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنوا من الوصول لأماكن إستراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم، لهذا استمر هذا الأسلوب يحقق أهدافه طيلة ثلاث قرون، حيث نفذ الحشاشون اغتيالات ضد الأعداء الدينيين والسياسيين للإسماعيلة، وكانت هذه الهجمات تشن غالبا في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع لاثارة الرعب، ونادرا ما نجا الفدائيون بعد تنفيذ مهامهم، بل انهم لجئوا في بعض الحالات إلى الانتحار لتجنب الوقوع في ايدي الأعداء.
النهج العسكري الحشاشين كان إلى حدا كبير دفاعيا، فرغم انتشار الإسماعيليين في المدن إلا أن المعاقل الرئيسية لهم كانت متمثلة في القلاع الحصينة والتي تبنى غالبا فوق قمم الجبال مما يجعلها ملاذا امنا في مواجهة أي غزو محتمل.حيث كان الحشاشون يحرصون على بناء مخازن كبيرة لخزن الماء والطعام داخل القلاع مما يجعلهم قادرين على مواجهة الحصار الطويل وقد نجحت هذه القلاع في صد أغلب الهجمات الموجهة إليها والصمود لعشرات السنين.
التوسع في إسالة الدماء اكسب الحشاشين سمعة سيئة في كل بلدان العالم، وليس نطاق الدولة الإسلامية فقط، بسبب سياسة القتل لكل معارض سواء لأسباب سياسية أو دينية على السواء، ومن الظواهر المثيرة للتأمل في أسلوب القتل لهذه الطائفة، تفضيلهم للقتل بحز الرؤوس باستخدام السكين، كما يحدث في الفيديوهات التسويقية لداعش التي حاول من خلالها إلقاء الرعب في قلوب معارضيه.
نهاية الحشاشين، المغول كلمة السر
مع صعود نجم المغول، تولى هولاكو السلطة في إيران الذي استمر في حملته العسكرية لتوسيع سلطة إمبراطورية المغول في الغرب، وحقق نجاحًا كبيرًا، وحظ الحشاشين السيء أنه التقاهم في الطريق فهزمهم عام 1256 بفضل آلات الحصار المتطورة تقنيًا والمقاليع التي كان يمكنها إلقاء قنابل البارود على مسافات بعيدة بدقة وقوة وتم قمع الطائفة.
سقطت قلاع الحشاشين المتبقية بدورهم وذبح سكانها بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال، ومن حالفهم الحظ للبقاء على قيد الحياة تم بيعهم كعبيد، وهكذا تم القضاء على الإسماعيليين النزاريين في بلاد فارس، لكن القليل من القلاع بقي في سوريا قبل أن يهاجمهم الزعيم المملوكي الظاهر بيبرس سلطان مصر وسوريا بحلول سبعينيات القرن التاسع عشر ويستولي عليها، بعد أن نجحوا في تأسيس مجتمع صغير لاستعادة أمجاد الطائفة.
انتهت إلى حد كبير أيضا عقيدة الحشاشين، بسبب نهب المغول مكتباتهم، وخاصة مكتبة قلعة الموت الشهيرة التي سكنها مؤسس الطائفة حسن الصباح، ولم يمر منها إلى المؤرخين، إلا بقايا نصية هزيلة عن تاريخ الحشاشين لازالت متدوالة حتى الآن. !!!!!!!!!!!