في مثل هذا اليوم 15 ديسمبر 37 م..
ميلاد الإمبراطور نيرون خامس وآخر إمبراطور للأمبراطورية الرومانية
لامبراطور كاليغولا عم نيرون انفق أمواله في الخلاعه والمجون والملذات وسادت لديه رغبه جامحه في تعذيب معارضيه فكان يسوقهم إلى أشد صنوف العذاب ثم يلقي باجسامهم إلى الحيوانات لتأكلها. يحكى انه قام بتعذيب غانيه تعذيبا شديدا عندما رفضت طلبه أن بأن تشهد ضد أحد معارضيه بتهمة الخيانه العظمى وقام بتقطيع أجزاء من فخذها ويدها ولم تسلم أم نيرون “أغربينيا” من بطش كاليغولا فقد أمر بنفيها هي وأختها “ليفيلا” إلى جزيرة “بونتيا”.
قام أحد ضباط الجيش ويدعى “كاسيوس شاريا” بقتله والتخلص منه في ثالث أيام احتفالات كانت تجري قبل مغادرة الامبراطور لمصر حيث مدينة الإسكندرية وتم تنصيب عمه “كلوديوس” امبراطورا. الامبراطور كلوديوس اشتهر بالبلاهه الشديده وكانت العامه تستخدم اسمه دليلا على التسفيه والاهانه. تم تعيينه في منصبه حيث كانت الرغبه في ذلك الوقت اعادة الهيبه مرة أخرى لمجلس الشيوخ والجيش وباعتباره من العائله الحاكمه فقد اعتبر الوريث الشرعي للحكم حيث أن كاليغولا لم يكن له أبناء يرثونه. كانت الرغبه عند الجيش بتعيينه في منصبه حتى لا يعارض رغبات الجيش ومجلس الشيوخ. يروى عنه انه عندما جاء الضباط إليه ليخبروه بأمر تعيينه ظن انهم قادمين لقتله فبكى وألقى نفسه امامهم متوسلا لهم ألا يقتلونه. بعد تعيينه في منصبه أمر باعادة “أغربينيا” ام نيرون وابنة أخيه من منفاها وعاد معها “نيرون” وهو لم يبلغ الثالثة بعد.
تقربت “أغربينيا” من كلوديوس مما أثار حفيظة “ميسالينا” زوجة كلوديوس الثالثه وثار بينهما تنافس للحظوه عند “كلوديوس” وقد حاولت “ميسالينا” كثيرا ان تشي بأغربينيا عند كلوديوس إلا أنها لم تنجح في ذلك. كانت “ميسالينا” امرأة حسناء إلا أنها كانت شديدة التعطش للفجور والشهوانيه وكانت تقابل عشاقها سرا في القصر الامبراطوري وتلجأ إلى اصطيادهم وتغييرهم باستمرار وقد روى انها طلبت من زوج أمها “سيلانوس” معاشرتها وعندما رفض أوشت به عند “كلوديوس” الذي أمر باعدامه بتهمة الخيانه.
امتد الصراع بين “أغربينيا” و”ميسالينا” إلى نيرون و”بريتانيكوس” الابن الشرعي والوريث للامبراطور “كلوديوس” وبعد التخلص من “ميسالينا” خلت الأجواء تماما أمام “أغربينيا” التي ازداد توددها لكلوديوس الذي شغفها حبا ورغم معرفته ويقينه باستحاله العلاقه بينه وبين “أغربينيا” في القانون الروماني الا انه وبايعاز من “أغربينيا” اشترى ذمم رجال من مجلس الشيوخ واستصدر منهم قراراً يقر زواجه من “اغربينيا” ويعتبره زواجا رسميا. بعد نجاح هذا الزواج عكفت “اغربينيا” على تحقيق حلمها بأن يأتي اليوم الذي يتولى فيه ابنها “نيرون” الامبراطوريه ولم يتبقى امامها سوى عقبة ابن “كلوديوس” الشرعي “بريتانيكوس”. عكفت أولا على اقناع “كلوديوس” على اعلان تبنيه لنيرون ثم وضعت خطه مستمره لاظهار نيرون في الحفلات الرسميه بصوره الرجل كامل النمو والابن المفضل عند كلوديوس واظهار بريتانيكوس الابن الشرعي لكلوديوس بمظهر الابن الصغير وكأنه يصغر “نيرون” بعشرات السنين ثم تقربت من “أوكتافيا” ابنة الامبراطور كلوديوس وأخت بريتانيكوس والتي كانت تصغر أخيها بثلاث سنوات. كانت تهدف من هذا التقرب أن يكلل في النهايه بزواج “نيرون” من “أوكتافيا” ليضفي ذلك شرعيه عليه ليحصل على الحكم بسهوله أكبر من إمكانية حدوث ذلك للوريث الشرعي للحكم “بريتانيكوس” وقد تم لها ما خططت لتنفيذه وتزوج “نيرون” من “أوكتافيا”.
بعد مرور عام على زواج “نيرون” و”أوكتافيا” أصيب “كلوديوس” بمرض شديد واصاب الفتور علاقته بأغربينيا حيث أدرك مدى نفوذها حوله وشعر بالندم ايزاء اهماله لابنه الشرعي “بريتانيكوس” وعزم على تغيير ذلك. عندما شعرت “أغربينيا” بذلك قررت التخلص من “كلوديوس” ولكن بالشكل الذي لا يلاحظه أحد حتى لا يفتضح الأمر ويوم مجلس الشيوخ بإلغاء قرار تبني “نيرون” وحرمانه مما سعت “أغربينيا” له طوال هذه الفترة فلجأت إلى السم الذي كانت تعده سيده محكوم عليها بالاعدام تدعى “لوكوستا” ولم يتم تنفيذ الحكم بعد فوعدتها “أغربينيا” بمساعدتها بشرط الحصول على سم قاتل لا يظهر أثره بعد الموت. وبعد مقتل “كلوديوس” تم اعلان “نيرون” امبراطورا بفضل أمه التي استقطبت كل من حولها لهذه المهمه وتلك هي الأجواء التي نشأ فيها نيرون وأثرت في شخصيته لاحقا.
في بداية حكمه كان “نيرون” مجرد امبراطور اسميا لصغر سنه ولأن أمه “أغربينيا” ظلت تتحكم في كل شيء بنفوذها. عهدت “أغربينيا” مهمة تربية وتنشأت “نيرون” إلى اثنين من أكثر المخلصين لشخصها “سينيك” الفيلسوف المفوه الذي وعدته بأن يصبح وزيرا للدوله و”بوروس” الذي وعدته بأن يكون قائدا للجيش. بفضل خطب “سينيك” الحماسية وتأييد “بوروس” وضمان الجيش معه تم تنصيب “نيرون” 16 سنه امبراطورا وتناسى الجميع “بريتانيكوس” الوريث الشرعي للحكم.
بدأ الصدام يدب بين “نيرون” المتعطش للحكم ونفوذ أمه الظاهر جليا للعيان في كل صغيره وكبيرة وزاد الأمر تعقيدا بعد أن ظهر طيش “نيرون” وفشل “سينيك” و”بوروس” السيطره عليه. ظهر ذلك تحديدا عندما انجذب “نيرون” لامه من آسيا تدعى “آكتي” وبعده عن زوجته “اوكتافيا” التي لم يرى فيها سوى خطه من خطط أمه للوصول للحكم. حيت تحولت أفعال “نيرون” إلى الخطوره بمكان لتهديد العرش والسلطه واجهته “أغربينيا” ووبخته وبدأ الصدام الذي وصل مداه عندما هددت “أغربينيا” “نيرون” بانه ان لم ينصع لها فسوف تعيد العرش إلى الوريث الشرعي لحكم “بريتانيكوس”. كان لهذا التهديد وقع شديد على “نيرون” الذي تنبه إلى وجود الوريث الشرعي للحكم على قيد الحياة واحتمال تنفيذ “أغربينيا” لتهديدها وسواء أكانت “أغربينيا” جاده في تهديدها أم لا؟ فقد عزم “نيرون” على قتل “بريتانيكوس” بالسم وهوا ما تم تنفيذه حسب رغبة “نيرون”.
بعد ذلك بدأ “نيرون” في تحجيم دور أمه في الحياة السياسية فأغدق العطايا والأموال على الأمراء ورجال الدوله البارزين الذين تناسوا تحت وطأة العطايا والترهيب السبب الحقيقي لمقتل “بريتانيكوس” واكتفوا بتصديق رواية “نيرون” على أنه مات بشكل طبيعي. مع الوقت استسلمت “أغربينيا” لرغبة ابنها وتم اقصائها خارج القصر الامبراطوري وخصص لها “نيرون” قصر في المدينة كان مخصصا لعدد من أفراد الأسرة الحاكمه وكان “نيرون” يزورها من وقت لآخر ويحرص في زيارته أنه يكون في كامل رونقه ومظهره حتى يظهر الفرق في السلطه بينه وبينها.
بعدها انصرف “نيرون” إلى السكر والعربدة والعهر وطاف يشبع رغباته المكبوته ليتحول حكمه مع الوقت إلى وبال على الشعب وسيطر عليه وهم أنه بارع كمغنى ولاعب للقيثارة وسائق عربة حربية والمؤرخ المتتبع لكيفية وصول الأباطرة إلى عرش روما يكتشف بسهولة أنه كان غالبا عن طريق الاغتيالات السياسية التي أصبحت السمة الأساسية للحكم في روما ويحكى في بذخه وحبه للعطور انه في عهده كان سقف الدعوات يُمطر رذاذاً من العطور والزهور.
امتدت الاغتيالات بعد ذلك في بحور دماء أراقها “نيرون” غير أبه بأحد ففي أحد الأيام نشب خلاف بينه وبين “بوبيه” مما دفعه إلى ضربها ضربا مبرحا حتى قتلها ثم أمر باغراق ابنها. امتدت اغتيالاته بعد ذلك ليقتل أقرب المقربين منه قائد جيشه الأمين “بوروس” ثم قتل أصدقاؤه وأقاربه وضباطه. كان السم هو الوسيله السهله التي دائما ما كان يستخدمها “نيرون” في عمليات اغتيالاته وأيضاً قتل معلمه “سينيك” كما سيتضح لاحقا.
أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما وألتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
هلك في هذا الحريق آلالاف من سكان روما وأتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن تشير إليه إلى أنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب وكان أمامه اختيار إما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما ولكن كان اليهود تحت حماية بوبياسبينا إحدى زوجات نيرون فألصق التهمة بالمسيحيين وبدأ يلهى الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع أنحاء الإمبراطورية حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين وسيق أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء وعاش المسيحيين في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف وما زالت كنائسهم وأمواتهم إلى الآن يزورها السياح.
نيرون كانت نهايته لا تختلف كثيرا عن غيره ممن سبقوه فبعد المذابح والحرائق التي اشعل بها روما انصرف إلى اليونان ليمارس هوايته في الغناء والرقص والتمثيل وفي هذه الأثناء قامت ثوره في بلاد الغال على يد أحد نبلاء فرنسا ويدعى “فيندكس” ومع تزايد وتيره الثوره وانحسار وهزيمة “نيرون” وفشله في اداره الأزمه انصرف عنه أصدقاؤه وحاشيته ولم يجد بدا من أن يهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدامه الذين بقوا معه. هناك كان يبكي كثيرا على ما وصل إليه وتذكر أمه وقال انها هي من جلبت عليه اللعنه وظل مختبئا حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه وبعد محاولات كثيره فشلت بسبب خوفه من الموت قتل نفسه ومات الطاغيه الذي ارهق روما بمجونه وجنونه.!!!