في مثل هذا اليوم 19 ديسمبر1914م..
حسين كامل نجل الخديوي إسماعيل يتولى عرش مصر تحت اسم سلطان خلفًا لابن أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني.
السلطان حسين كامل (21 نوفمبر 1853 – 9 أكتوبر 1917)، سلطان مصر من 19 ديسمبر 1914 وحتى 9 أكتوبر 1917، وذلك خلال الاحتلال البريطاني.
هو حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل. نصب سلطانًا على مصر بعدما عزل الإنجليز ابن أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني وأعلنوا مصر محمية بريطانية في عام 1914 وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى. وكانت تلك الخطوة قد أنهت السيادة الإسمية للعثمانيين على مصر، ويلاحظ أن لقب «سلطان» هو نفس اللقب لرأس الدولة العثمانية.
وقبل توليه السلطة في مصر سبق له أن تولّى نظارة الأشغال العمومية، فأنشأ سكة حديد القاهرة – حلوان، ثم نظارة المالية فرئاسة مجلس شورى القوانين.
أهم احداث عهده
خروج مصر من خلافة الأتراك العثمانلية و دخولها تحت الحمايه البريطانيه.
تلقب حاكم مصرى بلقب سلطان من ايام العصر المملوكى (1250-1517).
ظروف توليه الحكم:
في صيف 1914 سافر كتشنر عاقدا العزم على السعي لدى حكومته لاقناعها بخلع الخديوي عباس الثاني عدوه اللدود، وعلة هذا النقمة هي بقايا تلك الحفظية القديمة التي تركت الرجلين عدوين لا يتصافيان بعد أزمة الحدود.
وشعر الخديوي بما اعتزمه كتشنر في سفرته تلك السنة، فاستحسن أن يجعل رحلته الصيفية الى الأستانة الا الى اوروبا حتى اذا سعت الحكومة البريطانية عند الباب العالي في مسالة خلعه إذا اقتنعت برأي مندوبها فيكون على مقربة ليستطلع الخبر، وليحسن العلاقاة بينه وبين رجال الحكومة التركية، وليبذل ما في وسع لاحباط سعي الانجليز وهو لا يجهل انهم لاقون من الصدر الاعظم سعيد حليم اذنا صاغية في تلك الاونة لانه كان يطمع في خديوية مصر.
وفي 23 يوليو 1914 سافر عباس الى الاستانة بعد أن أمضى بعض الوقت في باريس، وعند نشوب الحرب قرر العودة الى مصر غير ان الحكومة الانجليزية رفضت عودته وابلغت ملن تشيتام Milne Cheetham قرارها. ومع ذلك فان حسين رشدي لم يكف عن مطالبة الخديوي بالعودة الى مصر، حتى انه ارسل اليه في 30 أغسطس يبلغه بأنه “متى وصلت الجنود الهندية الى مصر فاني ساطلب من الوكالة البريطانية عودة سمو الخديوي في الحال وأهدد بالاستقالة في حالة معارضتها”. وفي حقيقة الامر لم يحدث هذا وكان ذلك في حد ذاته تخديراً لأعصاب الخديوي وهو بعيد عن عرشه.
وفي 3 سبتمبر 1914 زار سفير البريطاني لدى الباب العالي لويس مالت Louis du Pan Mallet عباس وطلب منه السفر لإيطاليا وترك الاستانة، ولكن الخديوي رفض لأنه اعتقد انه سيرسل منفياً إلى مالطة، ثم تقابل ترجمان انجلترا مع عباس وأخبره بأن وجوده في الآستانة يشجع الاتراك على تاليف مائة الف عسكري لاخراج الانجليز من مصر، وقد أخبره بان دورية خيالة عددها عشرون شخصا من العرب وصلت رفح فحيتها النقطة المصرية على الحدود، وبعد أن مكثت الدورية يومين في الأراضي المصرية رجعت وقد أرسلت انجلترا مذكرة للصدر الأعظم في 23 سبتمبر للفت نظره لهذه الحادثة. وأفهمه بأن البرقيات التي أرسلها الى مصر كانت ذات معنى سياسي فالبرقية التي أرسلها في العيد الصغير لرشدي يخبره فيها بأنه يود أن يكون بين المصريين، والثانية إلى سعد زغلول يعزيه فيها في وفاة مصطفى فهمي ويرجو له طول البقاء ليخدم أميره وبلاده زمنا طويلا، ثم الثالثة التي تبشر بشفائه. وفي 27 سبتمبر أفهمه بأن عليه الذهاب إلى ناپولي في الحال، فلما ذكر له أنه ليست لديه أية نية في الاقامة بها رد عليه السفير بلهجة التاكيد ” إنك لن تعود الى مصر مرة اخرى” وقد أبان محمد فريد في مذكراته هذه الحادثة إذ قال : “إن سفير انجلترا قصد الخديوي في قصره وطلب منه أن يغادر الآستانة إلى غير مصر، إلى إيطاليا مثلاً أو سويسرا لأنه يشاع بأنه يتفق مع الأتراك على إرسال جيش يطردهم من مصر فأجابه الخديوي عباس بالرفض رغماً عن تهديد السفير له بأن هذا المنع يؤثر على مصالحه المادية والأدبية أيضا”.
ورفض الخديوي لاعتقاده بأنهم يودون القبض عليه بنفيه إلى مالطة أو غيرها حتى لقد أظهر خوفه في حالة ما اذا طلبوا منه العودة لمصر نفسها، وطلب من محمد فريد مقابلة أنور باشا وطلعت بك ليتفق معهما على الجواب الذي يعرض على السفير الانجليزي إذا طلب منه ذلك، فكان الجواب ان يدعي المرض.
ووضع الخط التلغرافي المباشر بين رشدي والخديوي تحت رقابة رسل بك الحكمدار الانجليزي للجيش المصري.
وازدادت رغبة الخديوي في استمرار حكمه لمصر في الوقت الذي تاكد فيه من أن الإنجليز لا يريدوه أنه يعود إلى مصر، فحاولوا أن يهددوه بنسف المحروسة ثم راحوا يحدثونه عن حرارة الجو في مصر، وانتهى الامر باقناعه باستحالة تحقيق رغبته بالعودة الى عرشه، فبدأ نشاطه في الاستانة وكان أول عمل يقوم به حتى يضمن ولاء المصريين له هو تقربه من محمد فريد. ففي ذلك الوقت كان بسويسرا وعندما عرف كل ما حدث هذا ترك سويسرا إلى الآستانة بعد أن تاكد هو الآخر أن الفرصة قد حانت لتحسين علاقتها بالخديوي حتى يستطيع ان يكون له سند للوقوف امام الانجليز، ولعله كان يطمع في دخول مصر مع الخديوي لانه كان على ثقة كبيرة من انتصار المانيا. وعلى علم بتغلغل النفوذ الالماني في تركيا وانه بانتصار كل من تركيا وألمانيا ستتخلص مصر من انجلترا.. لذلك انتقل للاستانة ليكون أولا على مقربة من الخديوي الذي منع من العودة إلى مصر، وثانياً ليكون على يقين من تصرفات الدولة العثمانية حيال مصر.
ويحدد محمد فريد موقف الخديوي بعد ان رفضت انجلترا عودته الى مصر فيقول: “تقابلت مع يوسف باشا فشرح لي الحالة وقال أن الخديوي ممنوع من السفر الى مصر. وأن الإنجليز يخشون من أن يقم بحركة ضدهم هناك، وأن هناك رايين متنازعان: الأول الاتفاق مع الانجليز على منح مصر الدستور، وانفصالها عن الدولة العلية، وقبول الاحتلال بشروط معينة والثاني الاتفاق مع الترك على استرداد استقلال مصر بالقوة بمساعدتهم وعودة الحالة الى ما كانت عليه قبل الاحتلال، وان الخديوي يميل الى الشق الثاني، واتفق فعلا مع أنور باشا على تنفيذ هذا الرأي” لقد فكر عباس في القيام بثورة يكون هو محركها ورئيسها وأن يكون القائد ويفتح مصر بمساعدة الأتراك.
بهذا ترى ان عباس فضل الاتجاه الى المناوئين لانجلترا حتى يستطيع تنفيذ أغراضه. لقد غير سياسته واخذ يدلي بتصريحات، ففي حديث له مع مستر كارل فون يصرح “بأنه من الطبيعي أن أتمسك بتركيا في هذه الحرب، فمصر جزء من الدولة العثمانية”. وفي الحال طلب الخديوي من فريد أن يتوسط له لدى رجال الحكومة التركية وبان يقنعهم باخلاصه في العمل لان العلاقة بينهما كانت قد ساءت بسبب موقفه من الحرب الطرابلسية حيث اطلع الانجليز على خطط تهريب الاسلحة والضباط، وقد تم فعلا اللقاء بين فريد وطلعت وعرف منه : “أنهم مفتكرون فيها – مصر – ومتفقون على تخليصها، وأنهم يستعدون لذلك انتظارا للفرصة، وأن الخديوي غير مخلص، ولكن ممكن استعماله كالة لما له من النفوذ عند العمد والاعيان على شرط عدم اطلاعه على تفاصيل الخطط”.
ووضعت الخطة على أساس اثارة حماس المصريين إلى جانب الدولة صاحبة الخلافة الاسلامية، وأعد عباس منشوراً لإرساله الى مصر يتضمن الهجوم على السياسة الانجليزية في مصر، وما اعدته الدولة من عتاد وعدد لاسترجاع مصر واعادة العرش الخديوي الشرعي، وتلك السياسة الجديدة التي تمنح الدستور الكامل وتطلق الحرية والاستقلال والتقدم.
وكان على عباس أن يرضي ألمانيا حيث أن انتصارها يثبت دعائم حكمه في مصر، فأرسل في أوائل سبتمبر الى امبراطورها برقية تهنئة يهنئه فيها على سلامة ابنه ونجاته فرد عليها الامبراطور بأخرى يتمنى فيها سعادة مصر، واعقب ذلك ان ذهب عباس الى السفارة الألمانية بالآستانة واظهر استعداده لتقديم المساعدة وفعلا تم الاتفاق على ان تقوم تركيا بارسال حملة الى مصر يكون الخديوي على رأسها مع القائد الالماني بشرط ألا يترتب على هذه الحملة جعل مصر إيالة عثمانية، بل لها ان تحتفظ بامتيازاتها بمقتضى الفرمانات. وان تبقى مصر للمصريين، وأن يعود الخديوي للعرش، وقد أيد امبراطور المانيا خطة الخديوي هذه لدى الحكومة العثمانية عن طريق سفيره بالاستانة.
غير ان هذه الخطط ما لبثت ان احبطت إذ أعد الاتراك حملتهم بقيادة جمال باشا وبدون علم عباس ورفضوا حتى ان يصاحبها اذ كان أنور باشا يخشى تدخله في القيادة لعدم استعداده العسكري وكان يرى انه لا يسافر من الاستانة الى بعد ان يتم النصر للجيش التركي على قناة السويس”.
وهذا هو تفسير الحيرة التي اعترت بعض الكتاب الانجليز المعاصرين لتلك الفترة امثال Elgood بصدد سلوك الخديوي في خلال الحرب حيث يقول: “انه مما يثير الدهشة فعلاً أنه، أي الخديوي، لم يزر سوريا وفلسطين ليشجع جنود الحملة التي ألـِّفت لغزو مصر، وقد يبدو بوصفه خديوياً شرعياً أن يكون مشتركاً مع الجيش، وإلا فإنه من المحتمل جداً أن القسطنطينة كانت تتوجس خيفة من صدق النية”.
ولما راى الخديوي أن الأمر تعقد بالنسبة لقيادة الحملة له رغب في تعيين عمه البرنس ابراهيم حلمي قائمقاما له يرافق جمال باشا قائد الحملة ويدخل معه مصر نائبا عنه حتى يعود هو، وتكلم في ذلك مع الصدر الأعظم وكان سفير ألمانيا قد وافق عندما عرض الخديوي عليه ذلك ولكن الصدر الأعظم لم يعطه ردا صريحا بحجة أخذ رأي أنور باشا ثم وصلته برقية من قومندان الحملة بمنعه من السفر إلا بعد أن يجتاز الجيش العثماني قناة السويس، وأرجع جمال باشا رجال الخديوي إلى الآستانة. وهذا دليل على أن جمال باشا لا يريد الخديوي ولا رجاله عند دخول مصر لأنهم سيغيرون ادارة الحكم في مصر فقد أدلى طلعت باشا بحديث لألماني يدعى بودل، بأن مجلس النظار سيجتمع قبيل دخول الجيش العثماني مصر ليقرر ما يتبع في ادارتها وأنه سيدعو الخديوي للمجلس ليبدي ملاحظاته.
ولما تعقد الموقف الى هذا الحد أدرك عباس أن وجوده في الاستانة سيكون خطراً على حياته فغادرها إلى ڤيينا في 15 ديسمبر 1914، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى عزلته إنجلترا من حكم مصر.فى 18 ديسمبر1914..
نصب سلطاناً على مصر بعدما عزل الإنجليز ابن أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني وأعلنوا مصر محمية بريطانية في 1914 وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى. وكانت تلك الخطوة قد أنهت السيادة الاسمية للعثمانيين على مصر، ويلاحظ أن لقب “سلطان” هو نفس اللقب لرأس الدولة العثمانية.
منذ ان اعلنت الحرب وانجلترا تفرض سلطتها الفعلية على مصر حيث اصبحت الحاكمة الحقيقية للبلاد، وجاءت هذه الحرب فرصة لعزل من يناوئها في سياستها، فقررت عزل عباس ووضع مصر تحت الحماية البريطانية وانهاء السيادة العثمانية، وكانت على يقين من تحالف تركيا مع المانيا ومجهوداتها تجاه مصر. لذا رات تغيير الاوضاع كلية في مصر.
وقع اختيار لندن على الامير حسين كامل لتعيينه على عرش مصر بعد عزل الخديوي. ففي 27 سبتمبر 1914 ارسل جراي إلى شيتهام يبلغه بانه في حالة حدوث اي هجوم تركي على مصر تعلن الحماية البريطانية ويتولى خديوي مصر الامير حسين كامل.
اختارت حسين كامل ليمثل الصورة المزيفة لحاكم مصر، فلم يبد فيه الشعب او الوزراء رايا، ككل اجراء اتخذته انجلترا منذ نشوب الحرب بحكم سيطرتها على شئون البلاد كلية.
رونالد ستورز، السكرتير الشرقي في الوكالة البريطانية بالقاهرة، والضابط في لمكتب الخارجية والمستعمرات البريطاني.
ويبين رونالد ستورز سبب اختيار حسين فيقول: “انه لم يكن هناك شك فيما يتعلق باختيار الحاكم الجديد، لقد كان حسين معروفا ومحترما لدى المصريين باعتباره مزارعها عمليا، ومحترما ايضا لدى الاجانب والسلك الدبلوماسي باعتباره سيدا تربى في بلاط التوليري العظيم، وباعتباره ايضا شقيق توفيق وابن اسماعيل”..
وبدأت الاتصالات بين شيتهام والامير حسين، ففي بادئ الامر ذهب شيتهام سرا لمقابلة حسين ليفاتحه في قبول منصب الخديوية وطالبت المقابلة الاولى بينهما نظرا لخطورة وسرية الموضوع فتواعدا على لقاء ثاني، فكان ايضا طويلا وسريا وعقب انتهائه ارسل شيتهام للخارجية يبلغه بان حسين لا يستطيع ان يقبل الخديوية في الوقت الذي ستثور فيه مشاعر المصريين بدخول الحرب ضد الخليفة بدون منح مصر اي وعد بمنحها الاستقلال الذاتي تحت السيادة البريطانية.
اذن فالامير لم يرفض العرش من حيث المبدا ولكنه كان يخاف من النتيجة اذا لم تنتصر انجلترا في الحرب، ومن صدى هذا التعيين في العالم الاسلامي، ماذذا سيقولون عندما تعين دولة مسيحية حاكما لمصر خلفا للخديوي الذي خلعته لانضمامه لخليفة المسلمين.
وأعيد جس نبض الامير، ولكن حسين رفض أيضا، ويقول ستورز: “وكانت الحوادث تلح علينا، وسئمت الحكومة البريطانية التاخير، فقررت ان تحل هذه العقدة بضم مصر الى الامبراطورية البريطانية. ولكن بعد ان رفضت فكرة الضم عادة شيتهام مرة اخرى يبحث عن حسين الامر ليقنعه بتولي عرش مصر. فوجوده خائفا من قبول ذلك المنصب فقد كان امراء البيت المالك يقولون ان تركيا هي التي ستكسب الحرب، وانها ستقبض عليه، وتقضي على حياته. وكانت زوجته الاميرة ملك هانم احدى جاريات والدة عباس، وهي تشعر بولاء نحو ام الخديوي وترى في تولي زوجها العرش خيانة له، وكان حسين ضعيفا امامها، هذا بالاضافة الى ان الامير كمال الدين الابن الوحيد له متزوج من ابنة الخديوي، وكانت زوجته تهدده بالطلاق اذا قبل ابوه الجلولس على العرش مكان ابيها.. لكن رغم ذلك فقد كانت داخلية حسين تدفعه الى ان يكون حاكما لمصر مكان عباس الذي يجرره ويسميه الشاب المعتوه ويعتبر نفسه احق بالعرش منه. ولكنه ظل يماطل على امل الحصول على شروط افضل في الوقت الذي كانت هناك ضغط تركي يمارس سرا عن طريق مبعوثين من الاستانة لاطالة المباحثات حتى منتصف يناير وهو الوعد الذي سيكون فيه الاتراك على استعداد للهجوم على مصر.
ولا اعتقد ان الامير تاثر تاثرا كبيرا بهذا الضغط على الرغم من ان الحريم في تلك الايام كانت مقصورة على الاتراك. وكان الضغط العائلي كالطواحين التي تطحن ببطء، ولكنها تطحن اجزاء متناهية الصغر. وكان الامير حسين يعتقد انه يقدم لبريطانيا معروفا بقبول العرش ولهذا فهو يطالب بتحقيق رغباته، ويطلب بتحويل مصر الى مملكة يحكمها ملك مصري، ولكن كان من المستحيل ان يحمل امير تابع – لملك بريطانيا – نفس اللقب الذي يحمله هؤلاء.. لهذا جرؤت ان اقترح ابدال لقب ملك بلقب سلطان وهو لقب عربي معناه (حامل سلطة الحكم) وقد قبل الطرفان (الامير والحكومة الانجليزية) اقتراحي، ولما كان لقب (صاحب الجلالة) مستحيلا ايضا لان ملك انجلترا يحمل لقب صاحب الجلالة، فلقد اقترحت ان نسميه صاحب العظمة، وهي مرادفة لصاحب السمو القديمة المبجلة. وكان اي تقهقر في الحرب للحلفاء في اي جبهة قد يلقى بنا في ازمة شنيعة تجعلنا تدلل لبيع تاج تقل الرغبة فيه ونضطر الى ان نعرض مزيدا من المغريات المقبولة”.
وأخيرا عرضت الحكومة البريطانية على حسين كامل عرش مصر مع لقب سلطان ولا شيء غير ذلك، ولكن حسين اعترض، واشار الى ان الوثيقة لا تحوي ذكرا للوراثة في أسرته أو من بين سلالة محمد علي. وأنه لم يسمح له باختيار علم مصر، وما اذا كان المصريون سيكونون رعايا بريطانيين ام يحتفظون بكيانهم وجنسيتهم في ظل حماية بريطانية؟ ويمضي رونالد ستورز: “وكنت ارى ان الامير حسين علي حق تماما في هذه النقط الثلاث. ولكن لدينا تعليمات من لندن، وبدا انه من المستحيل اقناعه بالقبول. وكان الحل البديل لذلك هو اعلان الحماية على مصر دون اي سلطان، وكنت اعلم ان فرض العلم البريطاني على مصر وهو يحوي الصليب على ثلاثة اشكال سيكون له اثر سيء فيها، بل سيكون له اثر اسوء في جميع انحاء بلاد العرب. وسوف يؤدي هذا الى تقوية الحزب الخديوي التركي عندما يعرف الناس أن الامير حسين رفض أن يتولى العرش لان كرامته لا تقبله. وجهزنا برقية الى لندن تحوي رفض الامير العرش. ولجأت الى محاولة أخرى فاوفدت علي شعراوي باشا وهو من أصحاب الاراضي الاثرياء – وكان على علاقة وثيقة بالامير طوال حياته – لمقابلته واقناعه بقبول العرش. واوفدت ايضا “أمبراوز سينادينو” وهو يوناني على صلة بالوكالة طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية لمقابلة حسين كامل واقناعه بقبول العرش، واتفقت معهما على ان يذهب كل واحد منهما على حدة للأمير”.
وبدا كلاهما يبذل المحاولات لاقناع حسين كامل، وكانت محاولة سينادينو اقوى من علي شعراوي. لذا طلب ستورز من شيتهام تاجيل البرقية – التي تحوي الرفض للعرش – المرسلة الى لندن، وقابل ستورس حسين بناء على ميعاد استطاع سينادينو ان يحدده معه “استقبلني بقصره بهليوبوليس وجلست معه من العاشرة مساء حتى منتصف الليل. فبدا يذكر لي الامثلة على اخلاصه لانجلترا، وتحدث دون تحفظ على الاطلاق فقال انه يقبل العرش ولكنه لا يستطيع ان يقبله بالصورة التي تعرضها عليه الحكومة البريطانية وتوسلت اليه من اجل مصلحته ومصلحة البلاد ان يثق بالحكومة البريطانية التي استدعته من المنفى والتي لم تخدعه حتى الان، ومع ذلك فقد ظل الامير رافضا. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساء قلت للامير انني اخشى ان اكون متطفلا على وقت فراغه، فسالني عما اذا كانت سانصرف متاثرا بصورته كرجل عنيد؟ قلت كلا: ولكني متاثر بصورة بامير لائقة له في لورد كتشنر او في الحكومة البريطانية. وعندئذ بدا على الامير بعض التردد وقال لا يمكن ان اتركك ترحل ولديك مثل هذا الانطباع عني، فماذا تعتقد انه من الافضل ان افعله؟ قلت له: اسمح لنا ان نضع نصا قويا للوراثة وان نترك مسالة العلم والجنسية لحكم المندوب السامي البريطاني الذي سيأتي، وأشرت الى ان سلطانا على العرش يكون في موقف افضل كثيرا للمساومة من مطالب بالعرش مهما كان جليل الشان، وقلت لاه ايضا انه بعد ما تواجه وزارة الخارجية البريطانية هذا البرهان الواضح على حسن نيته فليس من المستحيل ان تمنحه قدرا اكبر من الثقة، وفكر الامير برهة وقال: اذا ضمنت لي ان المندوب السامي البريطاني سوف يبت في المسالتين الاخيرتين لمصلحتي، وتحقق لي الوراثة في العرش فاني اقبل. قلت ان هذا ليس قبولا على الاطلاق بل مجرد تاجيل لموعد المطالب وانني اسف لان مثل هذا الشيء الصغير يحول بينك وبين عمل كل الخير الذي اعرف انك تكون قادرا على عمله، انه لم يعد امامنا الان الا ارسال البرقية التي تتضمن رفضك”.
وبعد انصراف ستورز دخل سينادينو للأمير وساله عما حدث فابلغه، فسأله سينادينو لماذا لم تجب اجابة صريحة بأنك قبلت العرش، فقال حسين: “لقد تركته يفهم على طريقة الخواجات، فرد عليه قائلا بان هذه المسالة تقتضي اجابة صريحة واضحة وراح سينادينو يؤكد للامير حسين ان لديه معلومات مؤكدة بان الانجليز سيكسبون الحرب، فرد عليه حسين بانه قرر قبول العرش بدون شروط.
وفي اليوم التالي استدعى حسين رئيس الوزراء وأبلغه ما حدث وبأنه قرر قبول العرش ثم أمسك بالهاتف وطلب ستورس وابلغه انه على اتم الاستعداد لقبول اقتراحه الذي قدمه في الليلة السابقة، فرد عليه ستورز بان هذه المسالة أخطر من ان يتلقى فيها ردا بالهاتف وانه من واجب الأمير ان يحضر بنفسه إلى قصر الدوبارة ليبلغ شيتهام أنه قرر قبول العرش بدون قيد أو شرط.
قبل حسين هذا الازدراء، وذهب الى قصر الدوبارة وابلغ شيتهام بانه سحب رفضه السابق للعرش، وقبل شيتهام اأراق الموظف الجديد الذي حضر اليه خاضعا، وعلى الفور أرسل شيتهام برقية للندن بذلك الخبر، وصيغت المعلومات واصدرت الاوامر الى السلطان الجديد بألا يبت في امر كبير او صغير بغير موافقة دار الحماية، ورفع مرتبه من مائة الف جنيه مرتب الخديوية الى مائة وخمسين الف جنيه في السنة.
من هنا نرى ان حسين لم يفكر الا في نفسه، في لقبه، في وراثة ابنائه، اشياء كلها عديمة القيمة، لكنه كان كاسماعيل وتوفيق مهتما بمصالحه الشخصية حتى تمسكه في بادئ الامر بتعويض مصر باعطائها الاستقلال الذاتي ما لبث ان تنازل عنه.
سلطان مصر
عقب قبول السلطان الجديدحسين كامل العرش سمحت السلطة العسكرية للصحافة المصرية بنشر ما يهيئ الاذهان للتغير السياسي الذي كانت انجلترا تنوي اجراءه.
وجاء يوم 19 ديسمبر 1914 فخرج الامير من قصره متجها الى عابدين وفي فناء القصر اكتظ المدعوون بالسرادق المقام فيه، ويذكر الهلباوي – الذي كان من بين المدعوين – تاثير الحفلة على الحاضرين اذ يقول: “… جاءنا الامير عند دخوله فحييناه بدموع لم نستطع اخفاءها، لانه خيل الينا في ذلك الوقت اننا نشيع جنازة البقية الباقية من استقلال مصر، وان انجلترا قد استبدلت هذه الجنازة بمهزلة من المهازل استخفافا بعقولنا واحتقارا لكرامتنا. وما انسكب من دمع صديقي لطفي بك بات من العبرات في ذلك الموقف افقدنا شطرا عظيما من صداقة السلطان لانه عدها منا سوء معاملة او قلة وفاء”.
وقد اشاع حسين كامل انه قبل العرش لخوفه من ان تجي انجلترا بحاكم اجنبي الى مصر، فمن اقواله “انما قبلت العرش لاحتفظ به لابن اخي، ولو لم اقبله لجاء الانجليز باجنبي يحكم البلاد”، وقد صرح حسين رشدي ايضا بان انجلترا قد احضرت اغاخان زعيم الطائفة الاسماعيلية من الهند لكي يتولى حكم مصر، وكثير من المراجع والكتب التي تناولت هذا الموضع تزعم هذا الزعم.
ولكن بالرجوع الى مذكرات أغا خان نجد ان انجلترا قد احضرته مصر ولكن ليس لحكمها انما ليهدئ من روح المصريين المتذمرة، يقول في مذكراته: “كان كتشنر متيقظا لكل طارئ في الشرق – وبالذات في مصر – فقد ارسل الى مهمة دبلوماسية او شبه دبلوماسية كانت الوزارة تؤيدها، وكان الملك جورج الخامس موافقا عليها ومهتما بها. كانت تلك المهمة تتعلق بمصر حيث كان الوضع السياسي مضطربا ودقيقا، كان عباس بالاستانة ومصر بدون حاكم وكانت النتيجة في مصر شيئا يقارب الفوضى. وكان الشك اعمق ما يكون في الراي العام الاسلامي. لهذه الاسباب كان من الضروري المحافظة على الامن الداخلي في مصر. اذن فقد كانت مهمتي ان اوضح هذا الراي واعمل على استقراره، لقد طلب مني ان اصحطب معي زميلا لي. ولذا لجات الى صديق قديم وعزيز لي هو سير عباس علي بك الذي كان عندئذ العضو الهندي في المجلس الدائم. وهكذا سافرنا الى القاهرة باسرع ما استطعت، وهناك استقبلنا استقبالا لا يكاد يكون ملوكيا. كنا هناك ضيفين رسميين على القائد العام البريطاني. وانصرفنا فورا الى اداء مهتمنا الدقيقة الشاقة المتشعبة الى طبقات كثيرة من المجتمع المصري، فكان علينا اولا ان نكسب القصر او بالاحرى الشخصيات الرئيسية في العائلة المصرية الحاكمة. كان هناك حسين كامل واخوه احمد فؤاد، وكمال الدين حسين المتزوج من ابنة الخديوي عباس، والعلماء رؤساء جامعة الازهر. كما كان هناك عامة الشعب المصري منهم المتعلمون الذين يجلسون في مقاهيهم يطالعون ويناقشون الى ما لا نهاية وشوق كل عدد من كل صحيفة يتتبعون اخبار الحرب. والفلاحون الذين كانوا وما يزالون المصدر الحقيقي لقوة مصر. وكان علينا ان نقنع هؤلاء ان يؤيدو او يؤازروا قضية الحلفاء”. وجعل الانجليز وظيفة أغا خان في مصر سرية للغاية حتى يمكن لهم ان يهددوا المصريين باحضاره كاحتمال تنصيبه حاكما عليهم، ويذكر المنار: ” زار مصر محمد سلطان اغاخان زعيم طائفة الاسماعيلية اقدم الطوائف الباطنية جاءها عائدا من لندره.. وقد نزل ضيفا على مكسويل بمصر فلقى من الحفاوة والتكريم من الحكومة المصرية وكبراء الانجليز، وقد تم حديث بين محرر المنار واغاخان بشان تقدم المسلمين.. اما حديثنا عن حالة مصر ومسالة الحماية الانجليزية عليها فلا يجوز نشره”.
وكما هيأت انجلترا اذهان المصريين الى عزل عباس وتنصيب حسين كامل على العرش عملت على الاعداد لقبول نظام الحماية. والقى هذا على الصحافة اولا ثم على تصريحات المسئولين ثانيا. ففتحت الابواب للترحيب بالحماية بل والمطالبة بسرعة تنفيذها. ولعب رشدي دورا ايجابيا في ذلك، وانتهى الامر باعلان الحماية البريطانية على مصر في 18 ديسمبر 1914 واعقبه عزل عباس حلمي وتعيين حسين كامل حاكما لمصر. وانكرت انجلترا جميع اسس الحماية واغفلت نصوصها القانونية وخالفت تصريحاتها بشان عدم تغيير الوضع الراهن حتى الوريث الشرعي لعباس حلمي لم تعينه مكان ابيه. وجدير بالذكر انه عندما الغت انجلترا الحماية قالت عنها: “كانت عملا غير مرض”.
وجاء بلاغ انجلترا للسلطان الجديد ليسجل صفحة من الهون في تاريخ مصر الذي عاشته طيلة سنوات الحماية. ففيه اعلم الحاكم الجديد بان الحقوق التي كانت لسلطان تركيا وللخديوي السابق على مصر قد سقطت عنهما والت الى جلالة ملك بريطانيا العظنى، وان افضل وسيلة للقيام بالمسئولية الخاصة بالدفاع عن مصر هي اعلان الحماية البريطانية اعلانا صريحا، وان تكون الاتصالات بين حكومة مصر والدول الاجنبية بواسطة وكيل جلالته في مصر.
هذا هو دستور الحماية الذي وصفته “المانشستر جارديان” بانه بمثابة ضم مصر الى انجلترا، اما التيمز فقد علقت عليه في الافتتاحية تحت عنوان “مصر تحت العلم البريطاني”.
وفي 19 ديسمبر 1914 أعلن وزير الخارجية البريطاني خلع عباس حلمي الثاني من حكم مصر لوقوفه في صف أعداء بريطانيا، وتعيين السلطان حسين كامل. صحيفة الوقائع المصرية في 19 ديسمبر 1914.
كان ذلك كافية لترجمة الوضع الذي غدت فيه مصر، والذي اصبح فيه المستر هنري مكماهون يتصرف في كل شيء حتى اصبحت مصر أشبه بمستعمرة انجليزية بعد ان قضى على الاستقلال الداخل والحقوق التي كانت لمصر ولخديويها بمقتضى الفرمانات. هكذا أرادت انجلترا، ونجحت في ان يكون لها ما ارادت، وقد صرح لويد جورج بأن ما تم كانت نية مبيتة. ففي 18 نوفمبر كتب شيتهام الى جراي يقول: “ان الفكرة التي تطوي عليها الحماية هي الاندماج في الامبراطورية البريطانية دون ان تفقد مصر شخصيتها”. وكتب كرومر: ” لقد ادمجت البلاد في الامبراطورية البريطانية، ولم يكن هناك أي حل آخر ممكن”.
كلف السلطان حسين عقب جلوسه على عرش مصر بتكليف اول وزارة في ظل الحماية تلك التي كان راضيا عنها والتي بفضلها وصل الى ذلك العرش واعتبرها مزيلة للخلافات الداخلية وموحدة للعناصر بما ينطوي عليها من مزايا كان يتوهمها متجاهلا ما تنطوي عليه من سلطة وسيادة استعمارية. ويعلق “الجود” على ذلك بقوله: “وتلك نبوءة كانت تنطوي على تفاؤل اكثر من ان تكون صداقة”.
وشكلت الوزارة وعلى رأسها حسين رشدي وأمسك بزمام الداهلية، وإسماعيل سري تولى الاشغال العمومية والحربية والبحرية وأحمد حلمي الزراعة ويوسف وهبة المالية وعدلي يكن المعارف بعد أن ألغيت الخارجية وعبد الخالق ثروت الحقانية وإسماعيل صدقي الاوقاف. وجرت تغييرات كبيرة داخل الديوان الخديوي فاصبح ديوانا سلطانيا بعد ان ابعد كل من كانت له علاقة شخصية بعباس حلمي فعزل انصاره ورجال حاشيته بعد ان الصقت بهم التهم.
ورحب المسئولون بالمناصب الجديدة في ظل الحماية واعتبروها نظاما دائما لمصر الى الحد الذي اقر فيه ثروت اعجابه بها وتبعه باقي اعضاء الوزار. وبذلك لم يقدر الموقف تقديرا صحيحا، فقد كانت انجلترا في حاجة ملحة لمساعدة مصر، وكان يمكن لهم لا اقول املاء الشروط ولكن على الاقل نيل عهد مكتوب بان الحماية اجراء وقتي تقضيه الحرب تحصل مصر بعده على استقلال سياسي. لكن مضت تصريحاتهم على صفحات الصحف وترديدهم لافضال النظام الجديد الذي خضعت له مصر بل والتغني بضعف مص روانها ان لم تكن انجلترا اعلنت الحماية عليها فستفتش لها عن دولة قوية تحميها. وحتى اثناء الحرب لم تستغل الصعوبات التي كانت تخطوها انجلترا بطلب شيء لصالح مصر وقت ان كانت الجيوش التركية تهدد قناة السويس. وهكذا وضع دستور الحماية وايده اصحاب المصالح الحقيقية ، وانتقلت البلاد الى دور تاريخي جديد ومرحلة قاسية من مراحل النضال الوطني.
وفي 21 ديسمبر 1914 اجتمع مجلس الوزراء أول اجتماع له في عهد الحماية تحت رئاسة الحاكم الدستوري الجديد، وفيه تقرر:
أولاً: الغاء وظيفة قاضي مصر، الذي كان يعين من قبل تركيا دليل على العلاقة الدينية بين مصر ودولة الخلافة، وبذلك انقطع اخر رباط كان يربط مصر بتركيا. وقد اعترض هذا القاضي عند اعلان الحماية لمخالفة ذلك للفرمانات العثمانية. وفي 30 ديسمبر 1914 سافر محمد فوزي افندي اخر قضاة مصر متجها الى الاستانة.
ثانياً: اصدار مرسوم بتعيين رئيس ونائب مصريين للمحكمة الشرعية العليا وكانا قبل ذلك تركيين، ورئيس ونائب مصريين ايضا لمحكمة مصر الشرعية الابتدائية.
ثالثاً: اصدار قانون معدل لبعض مواد لاحئة ترتيب المحاكم الشرعية وتقرر ان يكون تعيين رؤساء المحاكم الشرعية ونابها وقضاتها بامر من السلطان بناء على طلب وزير الحقانية ومسئولية مجلس الوزراء.
وتبعا للتغيير الجديد سرى الامر ايضا على خطبة الجمعة، فاصبح يدعى فيها للسلطان حسين بدلا من السلطان العثماني مع ابقاء الدعاء للخليفة دون ذكر اسم شخص معين لعدم اثارة الراي العام ومارست انجلترا السلطة الفعلية والرقابة الكلية حتى على اختصاصات مجلس الوزراء، واخذ كل من شيتهام ومكسويل وجراهام على عاتقهم ومنذ البداية الضغط على المصريين بمختلف الطرق، وعندما جاء اول يناير 1915 موعد انعقاد الجمعية التشريعية راى الانجليز ان الوقت لم يعد مناسبا لعقدها وذلك تتمة للضغط وكبت الحريات وتكميم الاوفاه، فاجلت الى 15 ابريل 1915 وفي 11 ابريل أجلت إلى أول نوفمبر سنة 1915 واخيرا في 18 اكتوبر صدر مرسوم بتاجيلها بدون تحديد لميعاد آخر وبايقاف العمل باحكام القانون النظامي الاساسي القاضي بتجديد انتخاب اعضاء الجمعية التشريعية ومجالس المديريات بدل الاعضاء الذين انتهت مدة عضويتهم بحكم القانو، أو الذين يكونون توفوا او شطب اسمهم منعا لاي سبب كان. وقد وافق رشدي ايضا على ذلك الايقاف لانه راى ان باستمرار اجتماعات الجمعية امكانية خروج اصوات المعارضة وخصوصا وانه كان يعلم ان سعد زغلول متزعم لحزب المعارضة في الجمعية وانه لن يسكت على كل هذه الاجراءات التي تحدث.
ويذكر سعد زغلول بصدد هذا: “فاستطردت الكلام – مع ستورز – إلى الجمعية التشريعية فقال انها الان نائمة بسبب الحرب، فقلت: ان نومها قد طال وتثقل فهل ستستمر نائمة، فقال الى ان تنتهي الحرب. قلت ان المجالس الشورية في بلاد الحرب تنعقد. فقال ولكنها لا تبحث الاشياء الى ظاهرا فقط. فقلت ان هذا الظاهر حرمت منه ايضا الجمعية التشريعية لانها اهملت اخذ راي اعضائها في مهام الامور ولو بصفة غير رسمية. فقد تقررت الميزانية وهي من اهم الامور بدون ان يستشار احد من الاعضاء فيها، فقال ان عدم وجود وقت عندهم يتفرغون فيه لمشاركة الجمعية في اعمالها. فقلت مبتسما اني منعت الوزراء كثرة الاعمال من الاشتغال بالجمعية فلا اظن ان هذه الكثرة تمنعهم من مشاورة اعضاءها. فقال انني اؤكد لك بان الحكومة واثقة بالجمعية وانها تشتغل بتوسيع اختصاصها، فقلت ان كان توسيع الاختصاص بالمعنى الذي قرناه في الجرائد، ان يكون راي الجمعية نافذا في مسائل الاوقاف والمحاكم الشرعية والمجالس الحسبية فهو قليل الاهمية بالنسبة لما كن نامله، ومع ذلك فقد قيدوه بقيود قللت من فائدته، وما دامت نية الحكومة نحو الجمعية حسنة، فمن اللازم اظهار هذه النية لا اخفاؤها. وتقيد الجمعية بتلك القيود من شانه ان يوهم قلة ثقة الحكومة بالجمعية وان الاوفق ان يبدا بالاطلاق لا بالتقييد لانك اذا دعوتني للتنزه في هذه الحديقة بشرط الا اجول في مكان معين فيها ولا اتعداه الى سواه شعرت بالضيق وقلة الثقة بخلاف ما اذا دعوتني بالتجول فيها بلا شرط فاني اكون كثير المنة والشكر لك ولا اشعر بشيء من الضيق، فقال ولكنني اخشى اذا اطلقت الامر لك ان تفسد الزهر والثمر فالتزم بدعوة البوليس لاخراجك وهناك يكثر صياحكم وعلو الضجة منك”.
ومن ذلك يتبين ان سعد زغلول لم يكن راضيا عما حل بالجمعية، ولم يكن بمفرده، فهناك آخرون. فحسين بك هلال اعترض على دخول مصر الحرب وخروجها من الحياد، وقدم مذكرة بهذا المعنى، واحمد عبد اللطيف المحامي لما وصلته الدعوة للشخوص الى القصر مع زملائه رفض واعلن ان كبير الامناء يعد النظام الجديد باظلا ولذلك فهو لا يشترك في اية حفلة من حفلاته.
وهكذا قضي على اخر مظهر من مظاهر الحياة النيابية في مصر بقيام الحرب وبالسلطة التي فرضتها انجلترا عليها وبالموقف المخزل الذي وقفه كل من السلطان ووزرائه بصدد هذه الجمعية، فقللوا من شانها وصرحوا بعدم صلاحيتها.
لاقى تعيين الإنجليز السلطان حسين كامل رفضاً شعبياً، على شعبيته، وتسميته: “صديق الفلاح”، وقد حفلت سنوات حكمه بعدم الاستقرار، الذي أسفر عن رفض الشعب المصري لأسلوب ولايته، على حساب الخديوي المعزول، الذي كان المصريون يستشعرون ولاءه لبلده، أو الناجم عن تطور المعارك الحربية، في الحرب العالمية الأولى، والتي حاول فيها الجيش العثماني طرد الإنجليز من مصر، ما حمل المصريين على الاستبشار، وترديدهم شعاراً، يقول: “الله حي، عباس جاى”.
لقد عمدت الحركة الوطنية في مصر خلال حكم السلطان حسين كامل، إلى العمل السري، واعتمدت العنف، فتعددت محاولات اغتيال الوزراء والمسؤولين، بل السلطان نفسه.
ويمكن القول إن السيطرة البريطانية على مصر، أصبحت كاملة، إبّان عهد السلطان حسين كامل، فقد أمست مصر هي القاعدة البريطانية الرئيسية، التي تنطلق منها العمليات الحربية، لمواجهة القوات العثمانية، في مختلف الاتجاهات، واستطراداً فقد رُهنت السياسة الداخلية المصرية بالمصالح البريطانية، أمّا سياسة مصر الخارجية، فقد تحكمت فيها بريطانيا تحكماً كاملاً.
وزاراته
شُكلت في عهده وزارة واحدة هي وزارة حسين رشدي باشا الثانية (19 ديسمبر 1914 – 9 اكتوبر 1917).
وفاته
خبر وفاة السلطان حسين كامل منشوراً في اللطائف المصورة، بتاريخ 15 أكتوبر 1917.
توفي السلطان حسين في أكتوبر 1917، بعد أن حكم مصر لمدة سنتين وتسعة أشهر وسبعة عشر يوماً، وتوفي نتيجة تأثره بالمرض، ودُفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة. ترك ابنه الوحيد هو الأمير كمال الدين حسين وقد تنازل هذا الابن عن حقوقه في تولي السلطة.
الأميرة عين الحياة بنت الأمير أحمد رفعت باشا ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا
وأنجب منها: الأمير كمال الدين – الأميرة كاظمة – الأميرة كاملة – الأمير أحمد كاظم.
السلطانة ملك جشم آفت
وأنجب منها: الأميرة قدرية – الأميرة سميحة – الأميرة بديعة.!!!