في مثل هذا اليوم 20 ديسمبر1192م..
دوق النمسا ليوبولد الخامس يسجن ملك إنجلترا ريتشارد الأول وهو في طريقه إلى موطنه في إنجلترا وذلك بعد توقيعه لمعاهدة مع صلاح الدين الأيوبي لإنهاء الحملة الصليبية الثالثة.
ليوبولد الخامس (1157 – 31 ديسمبر 1194) المعروف باسم ليوبولد الفاضل هو دوق النمسا منذ عام 1177 ودوق ستيريا منذ عام 1192 حتى وفاته عام 1194. ينتمي ليوبولد إلى أسرة بابنبرغ، وهو ابن هنري الثاني دوق النمسا من زوجته البيزنطية ثيودورا كومنيني ابنة أندرونيكوس كومنينوس الابن الثاني للإمبراطور يوحنا الثاني كومنين قام ليوبولد بسجن ملك انجلترا ريتشارد قلب الاسد قائد الحملة الصليبية الثالثة في طريق العودة لأوروبا غضبا على توقيعه معاهدة الرملة مع صلاح الدين الأيوبي عام 1192م..
ريتشارد الأول (8 سبتمبر 1157 – 6 أبريل 1199) ملك إنجلترا منذ 6 يوليو 1189 وحتى وفاته. كما حكم كدوق لنورماندي (باسم ريتشارد الرابع) ودوق أقطانية وغاسكونية وسيد قبرص وكونت أنجو ومين ونانت وسيد عموم بريتاني على فترات أثناء عهده(1). وقد عرف بلقب ريتشارد قلب الأسد، حتى قبل تتويجه بفضل سمعته كقائد عسكري ومحارب عظيم. وسمّاه المؤرخون المسلمون ملك الانكتار.
في عمر السادسة عشرة، قاد ريتشارد جيشه، وأخضع التمردات على عرش أبيه هنري الثاني ملك إنجلترا في بواتو. كما كان ريتشارد القائد الرئيس خلال الحملة الصليبية الثالثة، بعد أن رحل فيليب الثاني ملك فرنسا، وحقق انتصارات معقولة على منافسه المسلم صلاح الدين الأيوبي، بالرغم من عدم استطاعته الاستيلاء على القدس.
تحدث ريتشارد لهجة (Langues d’oïl) وهي لهجة غالو رومانسية، إضافة إلى القسطانية وهي لغة أيضًا رومانسية كانت منتشرة في جنوب فرنسا والمناطق القريبة منها. لم يُمض ريتشارد وقتًا طويلاً من حياته في مملكة إنجلترا، حيث عاش في دوقية أقطانية في جنوب غرب فرنسا، مفضلاً جعلها حائط صد لحماية مملكته. كان أتباعه يعتبرونه بطلاً تقيًا. كما أنه من الملوك القلائل في إنجلترا، الذي غلب لقب شهرته (ريتشارد قلب الأسد) على لقب ترتيبه (ريتشارد الأول)، كما يعتبر من أيقونات إنجلترا وفرنسا.
أجبر الطقس السيئ سفينة ريتشارد على أن تحط في كورفو، في أراضي الإمبراطور البيزنطي إسحاق الثاني، الذي اعترض على ضم ريتشارد لقبرص التي كانت أرض بيزنطية مسبقًا. متنكرًا في زي فرسان الهيكل، أبحر ريتشارد مع أربع مرافقين من كورفو، غير أن سفينته تحطمت قرب أكيليا، مما أجبره على رحلة خطرة في وسط أوروبا. وفي طريقه عبر أراضي زوج شقيقته هاينريش الأسد، أسر ريتشارد قبل عيد الميلاد عام 1192 بوقت قصير قرب فيينا من قبل ليوبولد الخامس دوق النمسا، الذي اتهم ريتشارد بالترتيب لقتل ابن عمه كونراد من مونفيراتو. وعلاوة على ذلك، أهان ريتشارد ليوبولد شخصيًا بإنزال رايته من فوق أسوار عكا.
سجن ليوبولد ريتشارد في قلعة دورنشتاين، وصل خبر تحطم سفينة ريتشارد إلى إنجلترا، إلا أن الأوصياء على عرشه ظلوا لعدة أسابيع غير متيقنين من مكان وجوده. أثناء وجوده في السجن، كتب ريتشارد أغنية “Ja nus hons pris” (“لا يوجد رجل مسجون”)، التي وجهها إلى أخته غير الشقيقة ماري كونتيسة شامبين. كتبها بالفرنسية والقسطانية، للتعبير عن مشاعر الهجر من قبل شعبه وأخته. كان احتجاز المشاركين في الحملات الصليبية مخالفًا للقانون العام، وعلى هذه الأسس حرم البابا سلستين الثالث الدوق ليوبولد كنسيًا.
أطلال قلعة دورنشتاين، حيث احتجز ليوبولد ريتشارد.
في 28 مارس 1193، تم تسليم ريتشارد للإمبراطور هنري السادس، الذي كان متضررًا من دعم أسرة بلانتيجانت لأسرة هاينريش الأسد، وأيضًا من اعتراف ريتشارد بتانكريد ملكًا على صقلية، فسجنه في قلعة تريفلز. كان هنري السادس في حاجة للمال لتجهيز جيش للمطالبة بحقوقه في جنوب إيطاليا، فاحتجز ريتشارد لكي يحصل على فدية. مما دفع البابا سلستين الثالث لحرمان هنري السادس أيضًا كنسيًا لاحتجازه غير المشروع لريتشارد. رفض ريتشارد تقديم التحية للإمبراطور، وقائلاً: «لقد ولدت في رتبة لا تعترف بأن أحدًا يفوقها إلا الله.» وعلى الرغم من شكواه، لم تكن ظروف احتجازه شديدة.
طلب الإمبراطور 150,000 قطعة فضية فدية لإطلاق سراح ريتشارد، وهو ما يعادل ما جمعته عشور صلاح الدين قبل ذلك بأعوام، ومن 2–3 أضعاف دخل إنجلترا في ذلك الوقت، وهو ما قدره المؤرخ ديفيد بويل بحوالي ملياري جنيه إسترليني بأسعار عام 2011. عملت أمه على جمع الفدية، حتى أنها صادرت بعض ممتلكات الكنائس. وفي الوقت نفسه، عرض شقيقه جون والملك فيليب الثاني ملك فرنسا على الإمبراطور 80,000 قطعة فضية لتأخير إطلاق ريتشارد حتى نهاية سبتمبر 1194، لكن الإمبراطور رفض العرض. أرسلت أموال الفدية مع سفراء الإمبراطور عبر ألمانيا، وفي 4 فبراير 1194، أطلق سراح ريتشارد. فأرسل فيليب إلى جون قائلاً: «انتبه إلى نفسك، فقد أطلق الشيطان.»
السنوات اللاحقة والوفاة:
في الفترة التي غاب فيها ريتشارد، ثار أخوه جون بمساعدة فيليب الثاني، الذي كان قد استولى على نورماندي بينما كان ريتشارد في السجن. غفر ريتشارد لجون على فعلته عندما التقيا مرة أخرى; تماشياً مع الضرورة السياسية. كما جعل جون وريثه بدلاً من ابن أخيه آرثر.
في شهر مارس من عام 1199، قام ريتشارد بقمع الثائرين في ليموزا. وعلى الرغم من أن ذلك الوقت كان وقت الصوم الكبير، إلّا أن ريتشارد «دمّر الأرض بالنار والسيف». ثم حاصر قلعة شالو شابرول التي كانت ضعيفة ومنزوعة السلاح تقريباً. يقول بعض المؤرخين أن ريتشارد حاصرها لأنّ أحد الفلاحين المحليين كان قد أخبره عن وجود كنز مدفون من الذهب الروماني، الذي ادّعى ريتشارد أحقيته في الحصول عليه بصفته سيداً أعلى على الإقطاعية.
وفي مساء اليوم الخامس والعشرين من مارس عام 1199، كان ريتشارد يتجول حول محيط القلعة بدون ارتداء درعه، يتحقق من وضع جنوده المتواجدين فوق جدران القلعة. كان الملك ريتشارد يقضي وقتاً ممتعاً وهو ينظر إلى أحد الجنود الذي كان يحمل القوس والنشاب بيد واحدة. صوّب هذا الجندي القوس تجاه ريتشارد، وقد لاقى هذا الفعل استحساناً من قبل الملك. إلّا أن رجلاً آخر رمى الملك بسهم ضرب كتفه الأيسر بالقرب من عنقه. أٌدخل الملك خيمته وقام الجرّاح (الذي وصفه البعض بالجزّار) بإزالة السهم بطريقة غير احترافية على الإطلاق، ما أدى إلى تحول الجرح بشكل سريع إلى غنغرينة. يقال أن ريتشارد طلب إحضار قاتله إليه الذي اختلف في اسمه، فقيل بيير أو بيتر، وقال البعض أن اسمه جون. وعندما وقف بين يدي ريتشارد، اتضح له (وفقاً لبعض المصادر وليس جميعها) أنه مجرد صبي. ادّعى هذا الصبي أن ريتشارد كان قد قتل أباه وأخويه؛ فأراد قتل ريتشارد انتقاماً لذلك. اعتقد الصبي أنه سيتعرض للإعدام، لكن ريتشارد أراد أن يكون رحيماً وهو على وشك توديع الحياة، فسامح الصبي على فعلته وقال له: أكمل حياتك، وبفضلي سترى نور الغد. وقبل إطلاق سراح الصبي، أمر بإعطائه 100 شلن. قام ريتشارد بتوريث جميع أراضيه لأخيه جون، أما المجوهرات فورثها لابن أخته أوتو.!!