في مثل هذا اليوم 22 ديسمبر1989م..
سقوط الحكم الشيوعي في رومانيا وهروب الرئيس نيكولاي تشاوتشيسكو وزوجته.
الثورة الرومانية (بالرومانية: Revoluția Română) كانت فترة من أعمال العنف والشغب بدأت في 16 ديسمبر عام 1989 كجزء من ثورات 1989 التي حدثت في بعض البلدان خاصةً البلدان التي كانت جزء من الكتلة الشيوعية. اندلعت الثورة من مدينة تيميشوارا في غرب رومانيا وسرعان ما انتشرت في أنحاء البلاد، انتهت الثورة بمحاكمة شكلية وإعدام رئيس الحزب الشيوعي الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته إلينا تشاوشيسكو، وبذلك انتهى الحكم الشيوعي في رومانيا الذي دام 42 عاماً، وكانت أيضا آخر إطاحة بحكومة ماركسية-لينينية في حلف وارسو في أعقاب ثورات 1989, والوحيدة التي أسقطت نظاماً شيوعياً وأعدمت قائده بالعنف.
بدأت شرارة الثورة بتظاهرات في مدينة تيميشوارا في نصف شهر ديسمبر من الأقلية المجرية في رومانيا احتجاجاً على الحكومة الرومانية محاولة طرد القس المجري المنتمي للكنيسة المجرية لازلو توكس . وكانت ردة فعل الشعب الروماني هي الثورة على الحكومة الرومانية وإسقاطها في ضوء أحداث مشابهة في البلدان الشيوعية المجاورة. الشرطة السرية الرومانية، التي كانت متحكمة في كل شيء في البلاد تقريباً، كانت إحدى أكبر أجهزة الشرطة السرية في الكتلة الشرقية وأكثرها عنفاً، جهاز القمع الرئيسي على مدار عقود في جمهورية رومانيا الاشتراكية لأي حراك شعبي، وساحقة أي خلاف سياسي من إحدى الكتل السياسية مع السلطة الشيوعية، أثبتت أنها غير قادرة على وقف الانفجار الشعبي، الذي تحول فيما بعد إلى موجة ثورية هائلة وناجحة.
كان هناك أزمة اجتماعية واقتصادية في رومانيا الاشتراكية لفترة من الوقت، خاصة خلال سنوات التقشف في الثمانينيات. صُمّمت خطة التقشف جزئيّاً بواسطة تشاوشيسكو لسداد الديون الخارجية بسرعة. بعد فترة وجيزة من خطاب علني فاشل أدلى به تشاوشيسكو في بوخارست والذي بُثَّ لملايين الرومانيين على التلفزيون الرسمي، تحول أفراد الجيش والموظفون العسكريون، بالإجماع تقريباً، من دعم الديكتاتور إلى دعم المحتجين. أدت أعمال الشغب والعنف في الشوارع وجرائم القتل المتعمد في العديد من المدن الرومانية على مدار أسبوع تقريباً إلى دفع الزعيم الروماني إلى الهروب من العاصمة في 22 ديسمبر مع زوجته، نائبة رئيس الوزراء إيلينا تشاوشيسكو. غادر الزوجان على متن مروحية عسكرية وهم متهمان بتهم عديدة ومدانان بها. أُلقي القبض عليهم في تارجوفيشت، وقد حوكموا أمام محكمة عسكرية عاجلة وشكلية بتهمة الإبادة الجماعية، وإلحاق أضرار بالاقتصاد الوطني وإساءة استخدام السلطة لتنفيذ أعمال عسكرية ضد الشعب الروماني. وقد أدينوا في جميع التهم، وحُكم عليهم بالإعدام، وأُعدموا على الفور في يوم عيد الميلاد عام 1989، وحتى يومنا هذا، كانوا آخر الأشخاص الذين حكم عليهم بالإعدام وأُعدموا في رومانيا.
رومانيا الحالية بدأت بالكشف عن حقبة تشاوشيسكو جنبا إلى جنب مع ماضيها الشيوعي، وبدأت تحاول الخروج منه. سرعان ما استولت جبهة الخلاص الوطني على السلطة بعد الإطاحة بتشاوشيسكو، ووعدت بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون خمسة أشهر. تم انتخاب جبهة الخلاص الوطني، التي انتُخبت في اكتساح ساحق في مايو التالي، أعيد تشكيلها كحزب سياسي، وبدأت رومانيا منذ ذلك الحين في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والديمقراطية ، مع مزيد من التغييرات في السياسة الاجتماعية التي تنفذها الحكومات اللاحقة. منذ تلك النقطة أصبحت رومانيا أكثر تكاملاً مع الغرب من علاقاتها السابقة، وإن كانت العلاقة فاترة، مع موسكو. أصبحت رومانيا عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في عامي 2004 و2007 ، على التوالي. أثبتت الإصلاحات الديمقراطية نجاحها بشكل معتدل ، على الرغم من وجود قضايا الفساد. تستمر الإصلاحات الاقتصادية، حيث ما تزال رومانيا تمتلك واحداً من أعلى معدلات فقر الأطفال في العالم المتقدم.
أسباب قيام الثورة
الدولة البوليسية والبوليس السري المنتشر في كل مكان مما أدى لقمع الحريات والتنكيل بمن لا يمتدح الحزب الشيوعي الحاكم.
نظام التقشف الصارم الذي أتبعه تشاوتشيسكو لأدارة البلاد من أجل تسديد كل ديون رومانيا في سنوات قليلة..فاشتمل هذا التضييق على كل موارد الدولة وحتى التلفزيون الرسمي تم تقليل قنواته لتصبح قناة واحدة تبث لمدة ساعتان فقط يوميا وكان يتم قطع الكهرباء لساعات خاصة في الليل من أجل التوفير مما جعل الشعب يعيش في فقر محدق.
أبتدع نيكولاي شاوشيسكو فكرة (القائد المعبود) فكان يتم استئثار الإعلام والاحداث الرياضية في الاستادات والشوارع له وزوجته والحزب الشيوعي.وقام بمشاريع تعكس جنون العظمة عنده مثل إنشاء (بيت الجمهورية) شديد الفخامة والأبهة وهو أكبر قصر في العالم وأيضا متحف شاوشيسكو والمستقبل الشيوعي الضخم مما أرهق ميزانية الدولة أعباء أضافية.
كما أجليت أيضا الآلاف من سكان بوخارست في الفترة من منازلهم التي هدمت في وقت لاحق لإفساح المجال لهياكل ضخمة.
كيفية الالتفاف عليها (الثورة المضادة)
قبضت جبهة الخلاص الوطني زمام الأمور (وتترجم أيضا «جبهة الإنقاذ الوطني» والاسم الأصلي بالرومانية Frontul Salvării Naţionale) – والتي تكونت من قيادات الصف الثاني من الحزب الشيوعي الروماني المنحل، ورأسها إيون إيليسكو أحد حلفاء الدكتاتور المخلوع) فسعى لتحجيم الثورة، وحصارها، وإطلاق العنان لفلول النظام البائد، فبدأ بالجيش، وعقد صفقات مع جنرالاته، ثم سيطر على الإعلام، وبينما انتفض الشباب المثقف في محاولة للدفاع عن الثورة من السرقة، هب «إيون» واتهمهم بالعملاء، والجواسيس، والعمالة للخارج، وتلقى التمويل من الجهات الخارجية، وحصولهم على الأجندات الأجنبية، ثم بدأ محاكماتهم، والتنكيل بكل من يعارضه، بحجة المرحلة الانتقالية، وأنه وحده القادر على توصيل رومانيا إلى بر الأمان.
وأتخذت في البداية جبهة الخلاص خطوات إزاء حل الحزب الشيوعي الروماني الذي كان قد احتكر السلطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتولى إيون إليسكو (من قيادات الصف الثاني في الحزب الشيوعي) الحكم بصورة مؤقتة لحين الإعداد للانتخابات. واضطلعت الجبهة بمحاكمة وسجن بعض رموز النظام القديم من المقربين من تشاوتشيسكو. ورغم إعلان الجبهة نيتها عدم خوض انتخابات 1990، إلا أنها أعلنت عن تأسيس حزب سياسي عند اقتراب موعد عقد الانتخابات، واستخدمت وسائل الإعلام الحكومية بكثافة – والتي كانت ما تزال تحتكر الفضاء الإعلامي في البلاد – وقامت بتعبئة الناخبين من خلال شبكات الحزب الشيوعي القديمة في الريف والحضر، فتمكنت الجبهة من حسم أغلبية مطلقة لصالحها في أول برلمان روماني بعد الاستقلال، البرلمان الذي وضع دستورا يطلق صلاحيات السلطة التنفيذية وخصوصا الرئيس. وفي 1992 عقدت أول انتخابات رئاسية خاضها إيون إليسكو رئيس جبهة الإنقاذ، وأسفرت عن فوزه بأغلبية مطلقة قاربت 70% من أصوات الرومانيين. فباتت رومانيا برلمانا ورئاسة في يد كوادر الحزب الشيوعي السابق التي تمكنت من إعادة إنتاج سلطتها بعد التخلص من تشاوتشيسكو.
نيكولاي تشاوتشيسكو هو أحد أبرز الطغاة في تاريخ أوروبا الحديث، تعتبر فترة حكمه نقطة سوداء في تاريخ رومانيا، أطلق على نفسه ألقاباً لا نهاية لها، بداية من القائد العظيم ، مروراً بدانوب الفكر، وليس انتهاءاً بالعبقرى الذى يعرف كل شيء، إنه نيكولاى تشاوتشيسكو الديكتاتور المصاب بجنون العظمة.
رئيس سابق لرومانيا ، تولى الحكم من عام 1974 م وحتى 1989 م، لطالما سبق اسمه لقب الديكتاتور، لطغيانه وبطشه خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى انه تسبب في جعل رومانيا أكثر الدول فقراً في أوروبا بسبب سياسته في الحكم.
ولد نيكولاي تشاوتشيسكو في السادس والعشرين من يناير 1918 م بمدينة ترجوفيشت بجنوب رومانيا، نشأ في عائلة فقيرة لذلك لم يستطع إكمال تعليمه وتوقف عند المرحلة الابتدائية، وعندما بلغ الحادية عشر من عمره سافر إلى بوخاريست بحثاً عن عمل، وهناك عمل كصانع أحذية لسنوات.
ي عام 1932 م خطى تشاوتشيسكو أولى خطواته في عالم السياسة، وذلك بانضمامه إلى حزب العمال والحزب الاشتراكي الذي كان محظوراً آنذاك، فتم القبض عليه وقضى عامين ونصف في سجن دوفتانا سيء السمعة، حيث تعرض للعنف وللاعتداء الجسدي، وقد تركت هذه الفترة التي قضاها في السجن علامة في تشاوتشيسكو واضحة في تلعثمه الدائم.
وتعد النقطة الأهم في مرحلة السجن هى مقابلته لجيورجيو – ديج أحد أهم الزعماء الثوريين آنذاك، والذي كان بمثابة نهل لتشاوشيسكو حيث تعلم على يده مبادئ وأصول الشيوعية.
لم يكمل تشاوتشيسكو فترته في السجن، فقد استطاع الهرب أثناء الغزو السوفيتي لرومانيا عام 1944 م، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى العام كانت رومانيا خاضعه للحكم الشيوعي ، وبدأ تشاوتشيسكو تسلق سلم السلطة، وبحلول عام 1945 م أصبح تشاوتشيسكو عميداً في الجيش الروماني، وفي عام 1965 م أصبح السكرتير التنفيذي للحزب الشيوعي، ليصبح بعدها بسنوات قليلة حاكماً للبلاد، وذلك في عام 1974 م.
رومانيا خلال فترة حكمه
تعتبر فترة حكم تشاوتشيسكو فترة مظلمة ونقطة سوداء في تاريخ رومانيا، حيث تحولت إلى أكثر بلاد أوروبا فقراً، كانت فترة صعبة في مختلف جوانبها، بداية من الجانب الاقتصادي والاجتماعي للشعب، وحتى الجانب السياسي.
فقد تبددت كل الوعود والآمال العراض التي عاشها الشعب في سراب الشيوعية، لم ينته الفقر ولم تختف الطبقية، بل بالعكس ازداد الحال سوءاً، فقد اتبع تشاوتشيسكو سياسة التقشف في إدارة البلاد، فأصبح الحصول على الحاجات الأساسية أمراً صعباً يتطلب الكثير من العناء، وربما كان مستحيلاً في أحيان أخرى، وصلت سياسته في التقشف إلى درجة تقنين الخبز، حيث تم تقدير حصة يومية لكل مواطن عليه أن يلتزم بها، وهذه الحصة تقدر بنصف رغيف
وبالرغم من ان رومانيا غنية بالموارد خاصة الموارد الزراعية، إلا أن الشعب لم يشعر بها ولم يلمسها في يومه، فلم يكن بشعر بشيء سوى الحاجة، وذلك بسبب تصدير كافة الموارد الزراعية، وسط تجاهل تام لمتطلبات الشعب وحاجة الاستهلاك المحلي، كل هذا كان يحدث بحجة تسديد ديون رومانيا.
هذه الديون التي سببتها مشروعات البناء الضخمة التي قام بها تشاوشيسكو الذي غير ملامح بوخارست تماماً، ومن أبرز هذه المشروعات مبنى “بيت الشعب” الذي هدمت من أجله منازل كثيرة، ويعتبر ثاني أكبر مبني في العالم بعد البنتاجون، كما يعتبر أغلى مبنى إداري في العالم.
سياسيا
أما على الصعيد السياسي؛ فلم يختلف الأمر كثيرأ، فكانت ذاتها سياسة التضيق، بداية من التحكم في الإعلام ومنع كافة القنوات الأجنبية، حيث كان كل شيء أجنبي حينها يخضع لرقابة صارمة، ولم يكن هناك سوى قنوات رومانية معدودة مسموح بها، تلك التي رآها جهاز الأمن لا تهدد النظام، ومتابعة سواها جريمة تستحق المحاسبة.
يمكننا القول بأن رومانيا تحت حكم تشاوتشيسكو كانت دولة بوليسية خالصة، وذلك بفضل جهاز “السيكوريتات” والذي يقصد به جهاز الشرطة السري الذي تنتشر قواته وجواسيسه في كل شبر على أرض رومانيا، بحثاً عمن تسول له نفسه أن يتمرد أو يعارض، هذه المعارضة التي تتمثل في مواقف عادية وغريبة بعض الأحيان، فمن لا يمتدح النظام يعتبر معارضاً بشكل أو بآخر، حتى من يطلق النكات التي تشير للنظام من قريب أو من بعيد يعتبر معارضاً ومن الدرجة الأولى كما يشكل تهديداً للنظام
كل هذا التضييق كانت سبباً طبيعياً ودافعاً لقيام ثورة تهز أركان رومانيا، وبالفعل هذا ما حدث عندما اندلعت ثورة في مدينة تيميسوارا غرب رومانيا، ومن ثم تسربت إلى العاصمة بوخاريست ومن ثم إلى رومانيا كاملة، لتنهي صمتاً امتد لسنوات .
الخطاب الأخير
اشتدت المظاهرات واندلعت في كافة أرجاء رومانيا، وتوجه المتظاهرون إلى القصر الرئاسي يطالبون بسقوط تشاوتشيسكو، الأمر الذي دفع تشاوشيسكو إلى الخروج إلى شرفة القصر وبدأ يخاطب الشعب بكلمات متوقعة وخطاب مليء بالوعود التي تقسم على التغيير..
ورسم أحلاماً وردية جديدة أملاً في تهدئة تلك الحشود الغاضبة، إلا أن أحداً لم يسمع، فلم يجد سوى الهرب حلاً، وهرب هو وزوجته إيلينا التي يؤكد البعض أنها كان المحرك الأول والأساسي لتشاوتشيسكو، بطائرة هليكوبتر خارج القصر وتوجها لمكان لا يعلمه أحد.
تنفيذ حكم الإعدام
” عاشت جمهورية رومانيا الاشتراكية حرة مستقلة .. سوف ينتقم التاريخ لى ”
كانت هذه آخر كلمات تمتم بها تشاوشيسكو قبل موته ..
بعد هروبهما تمكن بعض المزارعين من التعرف على مكانهما وتسليمها للشرطة، وبعدها تم عقد محاكمة صورية لم تتجاوز الساعتين، وتم توجيه تهم عديدة إليهما، كانت أبرزها الإبادة الجماعية للثوار، وتدمير اقتصاد رومانيا، وعليه تم الحكم عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم أمام عدسات التلفزيون، ثم دفنا بعدها في بوخارست.!!!!!!