مسرحية: تحولات الأحياء والأشياء
تأليف: قاسم محمد
سينوغرافيا وإخراج: منعم سعيد حسين
تُعد مسرحية تحولات الأحياء والأشياء من العروض المسرحية النادرة التي تسخر الجسد والموسيقى في آنٍ واحد لإيصال رسالة فلسفية وجودية عميقة. فاختيار المخرج منعم سعيد لاستلهام نص قاسم محمد في فضاء شبه مجرد يعكس حالة “السجن الوجودي” الذي تعيشه الشخصيات/الدمى، ويجسد صراعات الإنسان مع القيود التي تُفرض عليه منذ لحظة ولادته.
السينوغرافيا والجماليات البصرية:
استطاع المخرج أن يخلق عالماً مسرحياً مذهلاً من خلال سينوغرافيا غنية بالرموز والدلالات.
الدمى الخيطية البيضاء: اللون الأبيض طاغٍ ليمنح المشاهد شعوراً بالرتابة والاغتراب، لكنه في ذات الوقت يُبرز رمزية الطهارة والتوق للحرية.
القناع والزي: بذكاء كبير، استخدم المخرج القناع والأزياء كوسيلة لإظهار ازدواجية الشخصيات – بين وجودها كدمى وبين سعيها للتحول إلى بشر يمتلكون الإرادة والحرية.
الجسد والرقص التعبيري:
الحركة في العرض ليست مجرد استعراض، بل تُعد “لغة بصرية” بديلة عن الحوار التقليدي. الجسد هنا هو الناطق الأساسي، يُعبّر عن صراعات داخلية وخارجية من خلال رقص تعبيري محسوب بدقة، متناغم مع الموسيقى الشرقية.
القارب كمشهد رمزي: مشهد القارب الذي يُحاصر بالرصاص كان لحظة ذروة بصرية ودلالية في العرض، حيث تُبرز قوة السينوغرافيا والموسيقى الصراع الأبدي بين الأمل والدمار.
الموسيقى والإيقاع:
الموسيقى العراقية والعربية، المتداخلة مع الحركة، أضافت بُعداً شعورياً قوياً للعرض، مما جعل الجمهور ينخرط بالكامل مع الأحداث. اختيار المقطوعات الموسيقية كان ذكياً ويعكس الروح الشرقية التي تمثل مقاومة الحروب والقهر.
الرسائل والدلالات:
العرض يتناول قضية إنسانية عالمية: الصراع بين الحرية والقيد، وبين الإرادة والتحكم.
عودة الدمى إلى عالمها الأولي: تُبرز نهاية العرض فكرة أن الهروب من القيود لا يعني التحرر دائماً، فالحرية لا تأتي دون صدمات، ولا دون ثمن
مسرحية تحولات الأحياء والأشياء تجربة فنية عميقة تتخطى حدود الكلمة لتصل إلى أعماق الروح من خلال الجسد والموسيقى والصورة البصرية. المخرج منعم سعيد حسين أبدع في تقديم عرض متكامل، جعل الجمهور يعيش تجربة تجمع بين الجمال والفكر، بين الفرح والتأمل، في رحلة تبحث عن معنى الحرية والحياة.
مبارك لكم هذا الانجاز المسرحي
الناقد
علي فلوحي