ما تمَّ إخفاؤه عن السوريين من أحداث حرب تشرين/اكتوبر 1973 ..
د.علي أحمد جديد
في 1973/10/06م أعلنت مصر وسورية الحرب على إسرائيل لتحرير ما احتلته عام 1967 كما كان ظاهراً ، لكن إتفاقية حافظ الأسد مع إسرائيل كانت تفيد بأن يقوم بتسليم دمشق لهم والإنسحاب إلى حمص ، ونقل العاصمة السورية إلى حمص وفي رواية أخرى إلى حلب أو اللاذقية ، تماماً كما قام بتسليمهم الجولان عام 1967م عندما كان وزيراً للدفاع ، ولهذا لم يضع على الحدود مع الكيان سوى فرقة مشاة واحدة بقيادة العميد عمر الأبرش يستطيع الجيش الإسرائيلي إبادتها بسهولة . لكن المفاجأة أن فرقة المشاة الآلية السابعة تلك وبقيادة العميد عمر الأبرش نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية وخاضت معركة طاحنة مع القوات الإسرائيلية في منطقة تل المخفي في القطاع الأوسط من الجولان ، والتي اعتبرت واحدة من أكبر معارك الدبابات في القرن العشرين . وبعد إنتصاره في هذه المعركة ، نجح عمر الأبرش في تحرير جبل الشيخ وكامل الجولان والوصول بقواته إلى جسر بنات النبي يعقوب ثم إلى بحيرة طبريا .
ولكن اتصالاً أتاه من حافظ الأسد طلب منه الإنسحاب ، فرد عليه عمر الأبرش غاضباً :
– “أنت شوفير ميغ 17 شو فهمك بقيادة المعارك” .
وبعد ذلك الاتصال المريب تفاجأ عمر الأبرش بإنسحاب قطاعاتٍ أساسية من فرقته بعد أن تجاوزه حافظ الأسد وأمر أصحاب الرتب الأقل من رتبة عمر الأبرش بالانسحاب ، ثم أرسل حافظ الأسد الضابط إبراهيم الصافي لتصفية العميد عمر الأبرش في 1973/10/08م ، وتم إعلان انتحاره بعد دمار فرقته ، وقد تم تغيير الرواية بعد ذلك ليعلنوا بأنه قتل على يد الجيش الإسرائيلي ، وانسحب ما تبقى من فرقة عمر الأبرش بشكل تفاجأ به العالم كله وضاع كل ما حققه الأبرش من الانتصارات ، وصارت دمشق جاهزة للتسليم .
وفي هذه المعمعة أُعلِنَ عن وصول الجيش العراقي الشقيق إلى الميدان وهو ماعرقل تنفيذ الاتفاق الأسدي – الإسرائيلي الذي يقضي بتسليم دمشق ، فقد وصل الإنقاذ من كتائب الجيش العراقي الذي لم يكن يعلم بساعة الصفر ، حيث وصلت أولى طلائع القوات العراقية إلى دمشق مساء 1973/10/10م متمثلة باللواء المدرع 12 ، يتبعه لواء المشاة الآلي 8 ثم اللواء المدرع 6 ، وكان أول الواصلين اللواء المدرع 12 بقيادة سليم شاكر الإمامي الذي تفاجأ بعدم وجود أي قائد سوري على الجبهة وسأل عن موقع رئاسة الأركان فأعلموه بأن العثور عليهم يحتاج وقتاً ، فقرر أن يدخل المعركة بشكل مباشر ودون ترتيب مع أي طرف سوري ،
حيث كمن بقواته خلال تقدم القوات الإسرائيلية على محور (جيعا – كفر ناسج) ، وباغتهم اللواء المدرع 12 وكبدهم خسائر كبيرة ، إضافة إلى أسرِ عددٍ من اطقم الدبابات والجنود ، وما يزيد الإعجاب بهذا النصر هو أنه تحقق دون أي تغطية جوية من الجيش السوري ، وقد بين التقرير السري المرقم (7) المعد من قبل مكتب الشؤون العسكرية المصرية عن سير المعارك والمقدم للرئيس أنور السادات عن الموقف في الجبهة السورية بالنص التالي :
(اشترك اللواء العراقي في تثبيت العدو وتوجيه ضربة مضادة ومنعه من تطوير هجومه شرقا ومنع قوات العدو من الاتصال بكتيبة مظلات العدو التي نزلت في منطقة العدسية واستعاد السيطرة التامة على الأوضاع).
وفي يوم 1973/10/11م وصل العقيد العراقي محمد وهيب من فرقة المدرعات الثالثة العراقية إلى دمشق ووجد أن منطقة الكسوة بين دمشق ودرعا فارغة بعد أن انسحب منها اللواء المدرع 70 من الجيش السوري ، فقرر العقيد محمد وهيب التمركز في مواقع اللواء المدرع السوري المنسحب دون أوامر أو تعليمات ، ثم بحث العقيد محمد وهيب عن القيادة السورية طويلاً ، وبعد البحث وجد القائد العام للجيش السوري الفريق حافظ الأسد مختبئاً في ملجأ تم تجهيزه في جبل قاسيون فقال حافظ الأسد لمحمد وهيب :
– “إن القوات السورية انهارت في المعركة ، وأن دمشق خرجت من شارب السوريين ، وأصبحت الآن بشارب العراقيين” .
وفي يوم 1973/10/13م حاول الجيش الإسرائيلي التقدم داخل الأراضي السورية ، لكنه فشل بسبب وصول الفرقة المدرعة الثالثة العراقية التي تصدت لهم وأفشلت ماكان قد تم التخطيط له لسقوط دمشق .
في 1973/10/15م أيقنت القيادة الإسرائيلية أن التقدم نحو دمشق يعني فناء الجيش الإسرائيلي بسبب البسالة القوات العراقية . وبعد توقف التقدم الإسرائيلي وعودة القوات السورية تم التخطيط لتحرير كامل الجولان بمعركة تل عنتر ثم الدخول إلى فلسطين بهجوم يبدأ في 1973/10/18م ، إلا أن قادة الجيش العراقي اشتكوا من عدم توفير الخرائط اللازمة لهم ، وهذا ما ذكره الفريق العراقي محمد أمين لرئيس الأركان السوري الذي كان يومها يوسف شكور ، وبعد ترتيب الهجوم تفاجأ العراقيون بطلب القيادة السورية تأجيل الهجوم إلى 1973/10/19م فوافق العراقيون .
وفي اليوم المحدد بدأ الهجوم المشترك ، فنجحوا بتحرير كامل جبل الشيخ ، ولكن في يوم 1973/10/20م أمر حافظ الأسد جيشه بإيقاف القتال وانتظار حصول هدنة ، إلا أن الجيش العراقي استمر بالقتال وحده خلال الأيام التالية ، ونجح الجيش العراقي بتحرير كامل الجولان والوصول حتى بحيرة طبريا في تاريخ 1973/10/23م ، وزادت معنويات العراقيين بوصول فيلق عراقي كامل ، واستعدوا لتنفيذ هجوم شامل داخل فلسطين ، ولكن حافظ الأسد أعلن إيقاف في 1973/10/24م لأنه كان يتفاوض على تطبيق هدنة دون علم العراقيين . ولذلك رفض العراقيون الهدنة وقرروا إستكمال القتال في 1973/10/24م ، ولكن حافظ الأسد قام بإجراءات لإجبار العراقيين على الانسحاب، فأغلق الحدود السورية العراقية لمنع أي دعم قادم للجيش العراقي ، كما أنه أغلق سد الطبقة لينخفض منسوب نهر الفرات عن تزويد العراق بالمياه ، وهدد الجيش العراقي بأن يهاجمه وبهذا سيكون الجيش العراقي وحيداً ومحاصراً بين الجيش السوري وبين الجيش الأسرائيلي وبلا أي دعم ، فاضطر العراقيون للانسحاب ، بمكسب واحد وهو إنقاذ دمشق بعد أن استشهد منهم حوالي 900 شهيداً عراقياً .
وقَّع حافظ الأسد مع إسرائيل اتفاقية فض الاشتباك عام 1974م ، وأصبح ما حرره عمر الأبرش ثم الجيش العراقي مقسماً إلى قسمين ، بقي القسم الأكبر منه بشكل مباشر تحت سيطرة الإسرائيلي ، والقسم الأصغر هو عبارة عن منطقة عازلة ، يُمنع أن يدخلها الجيش السوري إلا بأعداد رمزية وبإذن اسرائيلي ، وكذلك جبل الشيخ الذي بقي أغلبه مع إسرائيل ، بينما كان القسم السوري منه لا يتجاوز عدد الجنود السوريين فيه 20 جندياً .
وهذا مايفسر سبب التقدم الإسرائيلي في المنطقة العازلة عام 2024م بمجرد وقف حربها مع لبنان في الوقت الذي كان لايزال فيه بشار الأسد في دمشق يمارس عمله كرئيس للجمهورية ، وزادت وتيرة التقدم بعد هروب بشار الأسد في 2024/12/08م ، لهذا تعتبر هذه المناطق ساقطة وتحت السيطرة الإسرائيلية فعلياً من سنة 1974م بمجرد أن وافق حافظ الأسد على أن تكون خالية من الجيش السوري وبعد منح إسرائيل المواقع المرتفعة في جبل الشيخ وفي الجولان وذلك نتيجة غدر حافظ الأسد بالجيش العراقي الذي كان يسيطر على كامل الجولان وتآمر عليه لكي ينسحب .
_________________________________
المراجع :
======
1- أكتوبر 73 السلاح والسياسة : محمد حسنين هيكل .
2- الحرب طريق السلام : حمدي الكنيسي .
3- الجيش العراقي وحرب تشرين 1973 : العقيد الركن سليم شاكر الإمامي
4- حرب الساعات الست واحتمالات الحرب الخامسة : عبد الستار الطويلة .
5- مذكرات حرب أكتوبر : الفريق سعد الشاذلي .
6- العبور والثغرة : إدغار أوبلانس
7- كسرة خبز : سامي الجندي
8- خلاصة العمليات الجوية والبرية للجيش العراقي في حرب تشرين 73 : عبد الوهاب الجبوري
9- اسرائيل وسورية : انتوني كوردسمان
10- حرب رمضان : معن العداسي