في مثل هذا اليوم 28 ديسمبر 1912م..
ظهور الترام لأول مرة في شوارع سان فرانسيسكو.
في مثل هذا اليوم 28 ديسمبر1883م.. الترام أو الترامواي (وتُنطق «تُرْماي» بتفخيم التاء والميم) أو الطرامواي (في المغرب، ويُختصر الطرام) وتعربه بعض المعاجم الجَمَّازَة (الجمع: جَمَّازَات) قطارات خفيفة تعمل على مسارات القطارات الكهربائية لكن تعمل غالبا داخل المدينة ويكون مسارها سطحي. وهي وسيلة نقل عبر سكك الحديدية تمتد على طول مسارات الطرق بجوار السيارات، وفي بعض الأحيان يمكن أن توجد في مسارات بعيدة على السيارات. وتعمل الترام عادة على الطاقة الكهربائية، وتُعتبر من أكثر وسائل النقل شيوعاً في بعض البلدان، وقد يعمل الترام أيضاً بين المدن والقرى القريبة من بعضها، وقد تستخدم في بعض الأحيان كوسيلة لنقل البضائع. وعادة ما تكون مركبات الترام أخف وزناً و أقصر طولاً من القطارات السريعة، ومع ذلك فإن درجة الإختلاف بين وسائل النقل المختلفة عبر السكك الحديدية تكاد تكون غير واضحة. ولكن يمكن القول بأن معظم مركبات الترام في وقتنا الحالي تعمل على الطاقة الكهربائية، وتعمل القليل منها على وقود الديزل، خاصة في البلدات الريفية. وقد استخدمت مركبات الترام في الماضي ولكن عن طريق استخدام الخيول والبغال لجرها. وشهد أول ظهور لهذه الوسيلة في معرض شيكاغو الدولي عام 1883، وتقوم عملية تنظيم السير فيه على أساس إنجاز مراكز توقف (محطات) ثابتة على طول السكة الحديدية الكهربائية’> خطوط السكة الحديدية الكهربائية. بدأت قصة الترام في مصر في 12 أغسطس 1896 وهو تاريخ تشغيل قاطراته لأول مرة في القاهرة. وكان لتشغيله بمثابة نقلة حضارية كبيرة للمجتمع القاهري علي نحو خاص. ففي تلك الفترة كانت السيارات تعد علي أصابع اليد الواحدة. وكانت وسائل الانتقال المتاحة محدودة وتتمثل في الحمير والعربات التي تجرها الخيول. وكما يقول محمد سيد كيلاني في كتابه “ترام القاهرة” كان سكان العاصمة يعانون من استبداد وبذاءة “الحمارين” و”العربجية” حتي صار لفظ عربجي يعني في العامية المصرية “صاحب الأخلاق القبيحة”. كان ظهور الترام حدثاً كبيراً في تاريخ القاهرة خاصة وأنه ظهر في وقت كانت فيه في حالة تردي عمراني. فبخلاف مناطق الطبقات الراقية ووسط المدينة، كانت القاهرة مليئة بالعشش والمناطق العشوائية كما أن المدينة كانت محرومة من شبكات الصرف الصحفي. وزاد الطين بلة مع وجود ثلاث ترع تشق المدينة وهي الخليج المصري (موضع شارع بورسعيد الحالي) والترعة البولاقية والترعة الإسماعيلية التي كانت تبدأ من منطقة قريبة من ميدان التحرير ووصولا للأميرية ومرورا بميدان باب الحديد. في الواقع ساعدت تلك الترع علي سرعة انتشار الأوبئة نظرا لأن الناس كانوا يستخدمون شواطئها كمراحيض في بعض الأحيان وللوضوء والغسيل في أحيان أخري. أضف إلي ذلك أن نظافة الشوارع نفسها كانت في حالة يرثي لها. ترام القاهرة: في وقت ظهور الترام أيضاً كان الانتقال من مكان لأخر داخل العاصمة أمر غاية في الصعوبة. ففي أواخر القرن التاسع عشر كانت الشوارع مظلمة وكان معظمها غير ممهد. وربما لهذا كانت الروابط الأسرية والاجتماعية بين أبناء الحي الواحد أقوي مما هي عليه الآن. ومع ظهور الترام انتقلت القاهرة من مرحلة التخلف إلي التطور. فقد صار من السهل التنقل بين أحياء المدينة المختلفة وفي زمن قياسي كما أنه ساعد إلي حد بعيد علي انتشار العمران وحقق للبعض ثروات بشكل غير مبار حيث ارتفعت أسعار الأراضي الواقعة بالقرب من خط سيره. التفكير في مد خطوط للترام في القاهرة بدأ في أواخر عام 1892. وخلال أقل من عام أعلنت الحكومة عن رغبتها في أن تقوم شركة بمد خطوط الترام في العاصمة. وفي نوفمبر من العام التالي، وافقت الحكومة علي منح امتياز إنشاء “سكة ترومواي تسير بالكهربائية” إلي شركة بلجيكية. ونص الامتياز علي أن يتم إنشاء 8 خطوط مركزها من ميدان العتبة الخضراء إلي القلعة وبولاق والناصرية والعباسية ومصر القديمة والروضة علي أن يبدأ الخط السابع من الشاطئ المقابل للنيل متجها إلي الجيزة بينما يبدأ الخط الأخير من ميدان قصر النيل وصولاً لقنطرة الليمون. وفي العاشرة صباحاً من أول أغسطس 1896، قامت الشركة بتشغيل تجريبي لأول قطار كهربي في القاهرة. وكان حسين فخري باشا ناظر (وزير) الأشغال أول من يستقل تلك العربة بصحبة عدد من كبار المسئولين. وسارت العربة من بولاق مروراً بالعتبة حتي وصلت إلي القلعة من خلال شارع محمد علي. وطوال تلك المسافة اصطف عشرات الألوف من المصريين لمشاهدة الأعجوبة الجديدة التي ركض الأطفال ورائها وهم يطلقون عليها لقب “العفريت”. والواضح هنا أن القاهريين استقبلوا الترام بنفس الشكل الذي استقبلوا به السيارة. فكان الاعتقاد السائد هو أن الجن هو الذي يدفع بالترومواي. وبهذه المناسبة نشرت جريدة المقطم في عددها الصادر صبيحة افتتاح الترام: «شهدت العاصمة أمس مشهدا قلما يشهد مثله أهل المشرق، ولم يخصر على قلب بشر منذ أعوام قلائل، وهو أن تجري مركبات كبيرة تقل مئات الناس لا بقوة الخيل ولا بقوة البخار بل بقوة الطبيعة التي تسبب البروق، هذا هو الترامواي الكهربائي.. تسرع المركبة حتى تسابق الريح متى خلت لها الطريق، وتارة تسير رويدا رويدا، أو تقف بغتة عند اعتراض الأولاد السابلة طريقها. وقد وقف سائقها ووضع على ميزان تسييرها وايقافها، ويصل بينها وبين السلك فوقها عمود من الحديد لأتمام الدورة الكهربائية.. وقد تقرر ان يحظر ركوبه على كل محدث ضوضاء أو غوغاء أو سكران أو مصاب بعاهة تشمئز منها النفوس، ولا يجوز تسلق العواميد المعدة للحركة الكهربائية، أو تعليق شيء عليها أو اقامة اشارات كاذبة..» ترام القاهرة: وبعد أقل من أسبوعين وتحديداً في الثاني عشر من أغسطس 1896، تم الاحتفال بتشغيل الترام رسمياً في القاهرة. وكان الاحتفال مهيبا حيث زين ميدان العتبة نقطة الانطلاق وكذلك زينت عربات الترام التي أقلت الوزراء وقناصل الدول وأمراء الأسرة المالكة وكبار رجال الدولة في رحلة إلي القلعة ثم عادت عربات الترام من إلي مقر الشركة في بولاق. ويبدو أن سكان القاهرة ألفوا خلال تلك الفترة مشهد الترام فلم يعودوا يخشونه أو يلقبونه بالعفريت. بل استقبلوه بالترحاب والتهليل. ورغم أن سعر تذاكر الركوب بالترام كانت كبيرة نوعاً ما حيث بلغت 6 مليمات للدرجة الأولي و4 مليمات للدرجة الثانية، غير أن الإقبال كان كبيراً خلال الأشهر الأولي حتي أن الشركة البلجيكية قامت في عام 1897 بردم الخليج المصري ومدت خطا تاسعا للترام من ميدان السيدة زينب وحتي غمرة. وفي نفس العام أيضا حصلت الشركة علي امتياز لمد خط من الجيزة وحتي الهرم. وخلال عام 1902 تمكنت الشركة من الحصول علي امتياز بخط يمتد من ميدان باب الحديد وحتي ساحل روض الفرج مرورا بكوبري وشارع شبرا وأفتتح هذا الخط في شهر مايو من العام التالي. ومع إنشاء كوبري الملك الصالح وكوبري عباس علي النيل، تم افتتاح خط للترام ينطلق من ميدان العتبة وحتي الجيزة مباشرة وكان في السابق يستمر حتي الروضة ثم يستقل الركاب مركبا بخاريا للضفة الأخري من النيل ثم الترام مرة أخري إلي ميدان الجيزة. ومع إنشاء كوبري أبو العلا، تم تشغيل خط أخر عام 1912 يصل للجيزة عن طريق الزمالك. وفي العام التالي، تم مد خط القلعة إلي منطقة الإمام الشافعي. كما تم مد خط أبو العلا إلي المبيضة. وبدا واضحا أن الترام صار وسيلة الانتقال الأولي في القاهرة رغم أن تلك الفترة شهدت بداية انتشار السيارات. وما دمنا نتحدث عن الترام والأثر العميق الذي أحدثه في المجتمع القاهري، يتعين علينا أن نذكر حدثين هامين في تاريخ ترام القاهرة. ونقصد بهما الإضراب العام الذي قام به عمال شركة الترام البلجيكية للضغط علي قيادات الشركة لتحسين أوضاعهم المعيشية. وقع الإضراب الأول في عام 1911 ولم يستمر لفترة طويلة ولهذا كانت تداعياته علي حياة سكان القاهرة محدودة. بينما حدث الإضراب الثاني في عام 1919 وكان الترام حينها وسيلة الانتقال الرئيسية في القاهرة، ولهذا تسبب في شلل شبه كامل بالقاهرة ومتاعب جمة للموظفين وأصحاب الأعمال. وزاد من حدة تلك الأزمة استمرار الإضراب لمدة 56 يوما عاني خلالها القاهريون الأمرين. ففي تلك الفترة كان الأتوبيس أو “الأومنيبوس” كما كان يعرف حينها من وسائل الانتقال المستحدثة، بينما كانت وسائل الانتقال التقليدية المتمثلة في عربات الكارو وعربات سوارس التي تجرها الخيول قد بدأت في الانقراض. ولهذا وجد أصحابها في الإضراب فرصة ذهبية لتكوين ثروات بالمعني الحقيقي للكلمة، حيث تحكم أصحابها في أجور الانتقال من مكان لأخر وكانت تلك الأجور باهظة حتي أن مراسل جريدة لندن تايمز قال حينها أن أصحاب عربات سوارس كانوا يدفعون جزءا من أرباحهم لقيادات الإضراب في شركة الترام علي أمل مد فترته لأطول وقت ممكن. عربات الترام: كانت أشهر عربات الترام في مصر علي الإطلاق هي الترام البلجيكي الذي استمر تواجده في مصر منذ نهاية الفرن التاسع عشر وحتي سبعينيات القرن الماضي. وبدأ ظهور الترام البلجيكي كعربات مفتوحة ثم سرعان ما تطورت بعد عقود إلي عربات مقفلة. وفي السبعينيات أدخلت بعض التعديلات في ورش هيئة النقل العام علي “السنجة” التي كثيراً ما كانت تقع عند سير الترام الأمر الذي كان يتطلب نزول الكمساري أو السائق لإعادتها إلي مكانها الصحيح واستئناف السير، حيث استبدلت بما يشبه الشبكة التي تصل بمصدر الكهرباء أعلي الترام دون أن تقع باستمرار. وتبين بعض الصور أن تعديلات أخري أدخلت علي شكل الترام بإضافة حاجز صدمات لحماية الترام وكان شكلها سخيفاً في واقع الأمر. وتواصل استخدام تلك العربات إلي أن تهالكت وصارت قطعاً من الخردة حتي أنه لم يبق حتي يومنا هذا سوي عربة واحدة تم تجديدها كقطعة من تراث مصر الحضاري تقبع اليوم في أحد جراجات الترام التابعة لهيئة النقل العام. من عربات الترام الأخري الشهيرة في مصر الترام الأمريكي الشهير PCC والذي قامت هيئة النقل العام بالقاهرة بشرائه كعربات مستعملة بعد أن خرجت من الخدمة في بعض المدن الأمريكية وهي العربات الفردية ذات الشكل الاسطواني التي عرفها المصريون في سبعينيات القرن الماضي وظهرت كذلك علي خطوط ترام الرمل. وبشكل عام لم تدم تلك العربات طويلاً. وربما الأسوأ بين عربات الترام التي ظهرت في تاريخ مصر هي عربات الترام التشيكي تاترا K5AR والتي حصلت هيئة النقل العام بالقاهرة علي 200 وحدة منها بين عامي 1970 و1973. وفي الواقع لم تكن تلك العربات سيئة للغاية بل كانت عبارة عن وسيلة انتقال حرصت الشركة التشيكية علي أن تصمم نظامها الكهربي بحيث يمكنه تحمل الظروف الجوية الحارة في القاهرة، كما كانت كل عربة من عربتي الترام مزودة بثلاث أبواب لتسهيل الصعود والنزول ولكن لم تصمد تلك العربات طويلاً بسبب نقص قطع الغيار وضعف مستوي الصيانة أضف إلي ذلك التجميل الزائد الذي لم تكن الشركة المنتجة تتخيله علي الإطلاق. وفي الواقع استمرت تلك العربات في العمل حتي أوائل الثمانينيات وبحلول منتصف ذلك العقد لم تبق في الخدمة سوي أعداد ضئيلة من عربات هذا النوع. والغريب أنه طيلة تلك الفترة، كانت عربات الترام البلجيكي لا تزال تعمل بحالة جيدة. في أوائل الثمانيات من القرن العشرين، بدأت مصر في تصنيع عربات الترام. ففي عام 1980، بدأ بالفعل تسليم بعض وحدات الترام المصنعة محليا إلي هيئة النقل العام لتشغيلها علي الخطوط المحلية. وبدأت تلك الوحدات بالفعل في العمل علي خط السيدة زينب- المطرية. وفي العام التالي، تم تسليم 100 وحدة مصنعة محلياً للهيئة. وكانت تلك الوحدات تنتج تحت إشراف خبراء من اليابان وبواسطة مهندسين مصريين. في أوائل التسعينيات، أحيل ترام الفجالة إلي التقاعد. وكان السبب في التعجيل بإلغاء خطوط الترام في منطقتي الفجالة والظاهر يرجع إلي انتخابات مجلس الشعب خلال تلك الفترة. وفي واقع الأمر، انقسمت الأراء ما بين مؤيد ومعارض لتلك الخطوة فالبعض رأي أن إلغاء الترام حقق للشارع بعض الهدوء بسبب الضوضاء التي كان الترام يحدثها كما سهام في اتساع الشوارع بالظاهر والفجالة، بينما رأي البعض الأخر أنه بإلغاء الترام خسروا وسيلة مواصلات جيدة وعملية خاصة وأن الحكومة لم توفر بدائل لخطوط الترام الملغاة. وفي الوقت الذي كانت خطوط الترام تنكمش فيه في بعض المناطق، قامت الحكومة بمد خطوط ترام جديدة في مناطق أخري. ومن تلك الخطوط ذلك الخط الذي يربط بين حلوان والتبين لخدمة منطقة مصانع الحديد والصلب. وقد بدأ العمل في هذا الخط عام 1979. وفي نفس العام، تم الانتهاء من النفق الأرضي أسفل خط مصر-إسكندرية للسكك الحديدية عند شبرا. وتكلف هذا الخط مليوني جنيه لسير خط الترام الجديد الذي يربط بين منطقتي شمال وشرق القاهرة. وكان الخط يبدأ من شبرا المظلات ويصل إلي السواح والمطرية وشارع بورسعيد. ولم يقتصر التوسع في استخدام الترام خلال تلك الفترة علي هذا النحو، حيث تمك تنفيذ مشروع أخر لتسيير عربات الترام السريع علي خطوط مترو مصر الجديدة لربط الضاحية بخطوط الترام في العاصمة. وأمكن تحقيق ذلك لأن وحدات الترام السريعة كانت قريبة جدا من حيث المواصفات الفنية من خطوط المرور السريع. وتم بالفعل الاتفاق بين هيئة النقل العام بالقاهرة وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير علي تنفيذ تلك الفكرة بأن يتبادل كل من الترام والمترو السير علي خطوطهما لإمكان حل مشاكل النقل والزحام في القاهرة. تطلب تنفيذ تلك الفكرة إنشاء بعض الوصلات التي تربط بين شبكتي الترام والمترو حتي يمكن لكل منهما الدخول علي مسار الأخر.وبدأ المشروع بالفعل من خلال خط يربط بين شبرا المظلات والمطرية. وكان هذا الخط يبدأ من شبرا المظلات إلي شارع السواح والمطرية ثم يدخل بعد ذلك إلي مسار خط المترو في شارع ابن الحكم بعد ميدان المطرية متجها إلي مصر الجديدة. وقد ساعد هذا الخط علي تسهيل انتقال القادمين من الطريق الزراعي إلي القاهرة عند منطقة شبرا الخيمة. وفي وقت لاحق، تم ربط خط مترو الدراسة بترام العباسية كما تم التوسع في خطوط الترام بمدينة نصر التي كان من الصعب خلال تلك الفترة الاعتماد علي الأتوبيس كوسيلة مواصلات رئيسية فيها لطول شوارعها وتشعبها. واليوم انكمش الترام فاختفي من شبرا حتي أن جراج الترام في شبرا تحول إلي حديقة عامة واختفي الترام تقريباً من كافة شوارع القاهرة واقتصر تواجده علي ضواحي القاهرة، لتنتهي بذلك سطوة الترام التي استمرت قرابة قرن كامل كان فيه وسيلة لنقل القاهرة وسكانها من حياة القرون الوسطي للعصر الحديث.!!