لكم أسعدني الدّكتور حضرة الشّاعر والأديب العراقي علي الطائي بهذه القراءة الرّائعة روعة روحه لقصيدتي “هاتي عودي”
فله محبتي وامتناني ولكم أرجو قراءة طيبة
—
القس جوزيف إيليا
٢٩ / ١٢ / ٢٠٢٤
—
قراءة انطباعية لقصيدة “هاتي عودي”
للشاعر القس جوزيف إيليا
بقلم: د. علي الطائي
24-12-2024
—
قصيدة “هاتي عودي” تنتمي إلى عالم الشعر الذي يمزج بين الحنين العميق والوجد الإنساني المتدفق. إنها لوحة فنية يتقاطع فيها الوطن بالوجدان، والماضي بالحاضر، والألم بالأمل. تأخذنا أبيات القس جوزيف إيليا إلى فضاء شعري مشحون بالعاطفة والصور البلاغية الرائعة، حيث يصبح العود رمزًا مزدوجًا للذكريات القديمة والبعث الجديد.
العودة إلى الذات من خلال الموسيقى:
يبدأ الشاعر بنداء إلى ابنته، وهي رمز البراءة والأمل في الحياة، طالبًا منها أن تُعيد إليه عوده المهجور، ذلك العود الذي يمثل حياة كاملة من الإبداع والشجن. إن طلبه البسيط “هاتي لي عُودي واستمعي” ليس مجرد دعوة لعزف موسيقي؛ بل هو استدعاء لمواجهة الأحزان والانتصار عليها بالفن. من خلال هذا الطلب، يعبر الشاعر عن إدراكه لقوة الإبداع في تخفيف وطأة الألم وتحويله إلى طاقة إيجابية.
يرتبط العود ارتباطًا وثيقًا بالوطن في القصيدة، حيث يكشف الشاعر عن سبب هجْره له: “منذ أن تم طعن وطني”. هنا نرى كيف يتماهى الوطن مع العود، فكلاهما يحمل ذاكرة الشاعر وحياته الماضية. جراح الوطن أصبحت جراح الشاعر، وصار العود صامتًا مثله. ولكن في لحظة النداء إلى الموسيقى، يكشف لنا الشاعر رغبته في تحدي هذا الصمت وتحويل نزيفه الداخلي إلى نغمات حياة.
الصورة الشعرية ورقة المشاعر:
—
تزخر القصيدة بصور بلاغية مدهشة تحمل في طياتها عواطف متعددة. يقول الشاعر:
“يا أحلى ما في أزمنتي / في بحرِكِ أُطلقُ أشرعتي”
يصف ابنته بأنها أجمل ما في حياته، فتتحول إلى بحر يحمله إلى عوالم الأمان والحب. هذه الصورة تمزج بين المشاعر الأبوية العميقة وأحلام الشاعر المتجددة.
تظهر براعة الشاعر في خلق توازن بين الألم والأمل من خلال ثنائية متكررة في القصيدة. فبينما يقول:
“كفاني نزفًا لأصوغَ جراحاتي عزفًا”
نجد أن النزف الذي يشير إلى معاناة الماضي يتحول بفضل العود إلى عزف يحمل طابع الخلق والجمال. كذلك، تتحول شتاءاته الباردة إلى صيف دافئ، في صورة مفعمة بالأمل والتجدد.
تمثل الابنة محورًا عاطفيًا ومجازيًا في القصيدة، فهي الحاضنة للأمل، والسامعة للنغم، والشاهدة على ولادة الحياة من رحم الألم. يقول الشاعر:
“أنتِ لحرف حياتي دفتر / ولقهوة أيامي سُكر”
بهذه الكلمات، يقدم الابنة كجزء من وجوده وكينونته، فهي تمثل الدافع للاستمرار، وهي رمز لاستمرار الحياة في وجه المحن.
في ختام القصيدة، تتضح رغبة الشاعر في التصالح مع ذاته ومع ماضيه من خلال العزف والنغم. تتحول الموسيقى إلى جسر يصل بين ألمه وفرحه، بين ماضيه وحاضره، وبين الوطن المهجور وابنته التي تمثل المستقبل.
الخاتمة
قصيدة “هاتي عودي” هي عمل فني راقٍ يحمل في طياته أبعادًا نفسية وإنسانية عميقة. من خلال رمزية العود وابنته، يعبر الشاعر عن صراع داخلي بين الحنين والألم، لكنه ينتهي بانتصار الأمل والحب. بأسلوبه العذب وصوره الشعرية الآسرة، ينجح القس جوزيف إيليا في خلق نص يعانق القارئ ويأخذه في رحلة وجدانية فريدة تجمع بين الشجن والجمال.
وهاكم القصيدة بتمامِها:
—
هاتي عودي
إلى ابنتي وقد دعتني قبل عدّة أعوامٍ للعزف على عودي الّذي هجرتُه منذ أن تمّ طعن وطني وارتحالي عنه.
—
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
كي أطردَ أشباحَ الوجعِ
إنّ الدّنيا تغدو نغمًا
لو صفّقتِ بكفّيكِ معي
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
يا أحلى ما في أزمنتي
في بحرِكِ أُطلقُ أشرعتي
وأمامكِ أرمي أوسمتي
متّضِعًا حتّى ترتفعي
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
هاتي العُودَ كفاني نزْفا
لأصوغَ جراحاتيَ عزْفا
وشتائي أجعلُهُ صيفا
وأقولُ لنجْماتي التمعي
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
أنتِ لحرفِ حياتي دفترْ
ولقهوةِ أيّامي سُكَّرْ
وأنا بعناقيدِكِ أسكرْ
وأعانقُ جبهةَ مرتفَعي
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
ألقاكِ على وقْعِ النّغمِ
لأفِرَّ بعيدًا عن ألمي
وتلوحَ بساتينٌ بدمي
وأرى شلّالاتِ المُتَعِ
هاتي ليْ عُوديَ واستمعي
—
د.علي الطائي