إلهام عيسى / نص : إبحار
ا================
ابحار في عباب الحرف لنص من ابداع الإعلامية الكاتبة الهام عيسى/سوريا
بقلمي ✍️ سعيدة بركاتي/تونس
#القراءة
على ضفاف عينيك /ألقيت بمرساتي/أبحَرتْ سفائني تلوح بالشراع..
رحلة البحث الأولى ( انتهت)، ابحار مادي و الإبحار سباحة أو على ظهر السفن و المراكب ، أبحرت سفائني إشارة إلى مجموعة من السفن و كأنها غزوة عبر البحر ، و ما التلويح بالشراع إلا إعلان و انطلاق و بداية المهمة ، و هي اشارة لعل ينتبه الحبيب إلى هذا التلويح ، رغم ان الأشرعة تُرفع و تُفتح ليتقدم المركب بدفع سرعة الريح ، الشاعرة كانت في رحلة بحث عندما ألقت بالمرساة و مستعدة لخوض رحلة بحث جديدة في عيني حبيبها .
* الإبحار : سير السفينة تشق عباب الماء شقا .
في تحديدها للمكان ” على ضفاف عينك ” و للزمان ” الصباح ،”حين كانت تترشف قهوة الصباح “.
تفتح الهام عيسى أشرعتها لتشق عباب الحرف و تأخذنا في رحلة ابحار بين الشوق و الغياب و اللقاء .
بحور العشق و الحنين لا تعرف مرساة و لا ضفاف إلا بلقاء يجعل من نارهما رمادا لن يشتعل قبسها مرة أخرى . فهل ستلتقي شاعرتنا و من تحب حين تعود السفن بعد ابحارها ؟
في المشهد الأول صباحا تتأمل الشاعرة في عيني حبيبها وهي جلسة مريحة تترشف فيها قهوة الصباح .(استحضار العين).
الابحار في العين هو ابحار في السرائر و ما يخفيها الهو ،فلغة العين بليغة و تختصر الكلام ، هي نافذة نستطيع من خلالها النظر إلى داخل الشخص الذي نتحدث معه فبالتركيز قليلا نستطيع معرفة المشاعر التي يشعر بها الآخر في الوقت الحالي و كأنها جلسة من جلسات علم النفس ، فأجمل ما قيل عن العيون : الوجه هو مرآة العقل ، و العينان دون أن تتكلما تعترفان بأسرار القلب .
تقول الشاعرة :
وجلست ارتشف /قهوة الصباح/أطلّ على فناجين قلاعي
مشهد تأمل و تبصر و أخذ من الصباح زمانا ، حيث يكون الأفق صافيا و الرؤية واضحة ( تنشد أملا جديد) ، فتبدأ الشاعرة بعد ابحار سفنها و كأنها أرسلتها في غزوة ، “تطل على ” فناجين قلاعها ، تحرس مملكتها، لكن حدودها هذه الفناجين و ما احتوته من قهوة التي لا يحلو مذاقها إلا
و جليس ، فهي تترشف ” قهوة الصباح” حركة شرب القهوة على مهل حتى تتلذذ مذاقها ، لكن جاء الفنجان بصغة الجمع ، فهل كانت تتقاسم مثل هذه الجلسة و الحبيب ؟ و الإطلالة على الفناجين هل هي إطلالة على الذكريات ؟ أم تطلع للمستقبل ( ابصار في الفناجين) ، فالفناجين صارت قلاعا ، مما يفسر المدة الزمنية و طولها ، فالقلاع تشيد بطول الزمن . أفعال المقطع جاءت في صغة الماضي : ألقيت/ أبحرت/ جلست/ و هو عرض ذهني لذكرياتها .
كانت حروف اسمك و كنت عشقي الأزلي ، استنتاج أول : بعد رحلة مضنية تلقي بالمرساة ثم تستأنف الابحار بإرسال السفن : الشاعرة في رحلة بحث متواصلة ولو على ضفاف “عينيك” ، فلم تبحر سفينة واحدة ، و كأنها كما ذكرت في غزوة انطلاقا من ضفاف عينيه حتى ألقت المرساة و هذا دليل على شدة التعب الذي عانته في رحلتها الأولى قبل أن تبحر في عينيه .
اسمه كان يُرتل ، و القهوة كانت تترشف ، (رشفة و ترتيل) والترتيل في اللغة مرادفة لترنيمة وهو التأني و التمهل و إظهار الحركات ، تناص قرآني : ورتل القرآن ترتيلا المزمل 4
وكانت حروف اسمك ترتّلُ/ابجدية الخلود تتموج حانية/وتعزف سمفونية الوداعِ/وكان عشقي الأزلي يدق على أبواب قلبك/يوزّع نوتاته دون انقطاعِ
يليه مقطع يؤكد على الفراق و الغياب : ” و كان”
عشقها خالد أزلي ، و هذا اعتراف مبطن أنها عاشقة ،
الانصهار الكلي لذات الشاعرة في ذات الحبيب حروف اسمه تُرتل أبجدية الخلود “في انحناءات متموجة علاقة بعنوان النص” ابحار” ، كذلك العشق خالد “أزلي ” .
الانصهار الذي ذكرناه أعلاه يتعمق أكثر كلما تقدمنا في النص ” لمثلك الروح” وهي روحها و هذه آخر نقطة في وجد الإنسان ، انصهارها في ذات الحبيب
هذه الروح هي روح المحبة “الشاعرة”.
* بيَّن ابن الجوزي صفات الروح فذكر أنها جوهر مخلوق، لا يتجزأ ولا يموت، وهو المحرك لجميع البدن بمثابة الخادم للسيد ، التي تعطرت بأنفاس الحبيب” حتى شرعت نوافذ الأمل : فالزمن صباحا ، و الشاعرة في تجدد” ولادتها ” مع الشبابيك التي ” شرعت” و الفرق بين شرع وفتح واضح جدا:
شرعت النوافذ : فيها من الإستقبال ، رمزية الإحتضان فنوافذ الروح هي التي شُرعت ، و الشعور بأنفاس المحب لا يكون إلا عن قرب ” و أقربه الحضن” .
لمثلك الروح/بجميل انفاسك تتعطر/تشرع لك شبابيك الأملْ
النص في جزءه الأول وقفة تأمل مع الذكريات كان ختامها شبابيك الأمل تُشرع (على مصراعيها).
يتغير المشهد و حالة الشاعرة : في الجزء الثاني من النص ،
و يبدأ ابحار من نوع آخر ” الغزو برا” .تقول الشاعرة :
افراسي تركض لاهثة /بمروجك الخضراء /تسرج احلامي خببا وقوافي/في بحور عشقك /نبضات قلبي تتسارع/ لاجئة للمنافي/في تيهها تتوق اليك /لابتسامتك المرسومة على وجهك /
تتغير السفن إلى أفراس ، و البحر إلى مروج خضراء ، و القلاع إلى سروج … و المكان دون ضفاف فنبضات القلب ” تتسارع لاجئة للمنافي ، فيطرح السؤال ، متى كانت المنافي ملجأ ؟
مشهد المنافي يعمق معاناة البحث عن الحبيب .
في وقفة قصيرة مع السطر : ” تسرج احلامي خببا وقوافي ” و علاقته بالأفراس التي تركض لاهثة ، الشاعرة ربطت بين الأفراس و سرعتها و بحر الشعر الخبب و خفته ، و هذا هو الإبحار في عباب الحرف ، فلبحر الخبب ايقاع راقص في حركته خفة و سرعة يدل عليه اسمه الذي أطلق عليه تشبيها بجري الخيل ، و الشاعرة في حالة ركض أفراسها و في حالة بحث مستمر ( بلاغة اللغة و تأنقها ) ، ثم تردف قولا :
امخر عباب البحر / أعتلي أمواجك العالية /حتى تلوح لي منارة من بعيد.
لتعود إلى الإبحار و تعتلي أمواج الحبيب العالية و فعل أمخر الذي يقترن و السفينة حين تشق ماء البحر ، جعلت من الحبيب بحرا أمواجه عالية و الشاعرة سفينة تصارع هذه الأمواج” الخطر يحدق بها من جميع الإتجاهات ” حتى ينفرج المقطع الثاني و تلوح المنارة من بعيد ، و نور المنارة فعلا كأنه يلوح في حركته الدائرية و الذي يدل على أن اليابسة قريبة (اقتراب خلاصها من المنفى و الوحدة و العزلة ).
هناك ترشدني /إلى شاطئ الإدمان/فأنت طوق النجاة المديد.
فهل سترمي الشاعرة بياطرها و تستريح سفنها و أفراسها و تهدأ حركة النص التي تسارعت في المقطع الثاني منه ؟
يبدأ الجزء الأخير بنداء تعدد و ترأس كم مقطع تناجي فيه الشاعرة حبيبها بعدة ألقاب مشحونة بعاطفة قوية كان فيه حرف النداء ” يا ” مكثفا ، و يستعمل هذا الحرف للإستغاثة ، للندبة .
* فما هو الغرض البلاغي للنداء ؟
التمني/ التعجب/ الزجر/ التنبيه/ الإغراء /الدعاء / اضهار الضعف ، إلا أن التمني و التعجب أكثرهما ظهورا .
* ما هي وظيفة النداء في النص : عملية التنبيه بأداة المناداة ” يا ” أو أحد أخواتها و يمكن تعريفها أيضا بالاستدعاء ،و هو تركيب نحوي يتكون من أداة النداء و المنادى و الهدف يستدعي اقبال الأذهان على ما سيلقي من كلام للتنويه بشأن الكلام الوارد بعد النداء ، ذكرنا اعلاه نداء الشاعرة تعددت ألقابه و هو استغاثة و جلب انتباه فيه شيء من المدح
و التدليل .
تقول المبدعة إلهام :
— يا نقاء السريره / ما يكتمه الإنسان و يسره ، فحبيبها مكمن أسرارها و بوحها السري .
— يا من توقظني وشوشاتك / الوشوشة الكلام الخفي المختلط ، مصدر الهمس و ” التغنيج” خاصة في زمن الصبح ، فعل أيقظ له عدة معاني و أهمها اليقظة بعد النوم و اليقظة بعد الشرود .
— انت انيس وحدتي العصيه / العصي عن الفهم البشري
و الإدراك الحسي ، الحبيب كاسر الوحدة و المؤنس الوحيد للشاعرة .
— يا أنت يا رجائي /الأمل و عكسه التشاؤم و اليأس ،
و حددت النداء إليه حين خصصته بضمير المخاطب ” يا أنت” .
— يا مرتجاي الى عوالمي المنسيه/ و هو المكان الذي يغمره الأمل و الأمان .
— يا من تلتف حولي أغصانك / الإحتواء و الإهتمام ،
و الغصن لا يلتف إلا على الشجرة .
** يا روحي المتعبه / يبقى هذا النداء الأخير خاص بروح الشاعرة و إقراره بالحالة التي وصلت إليها ” شدة التعب” .
بعد حزم ما سبق ذكره نرى أن الشاعرة فعلا تعيش وحدة و غربة روحية و مادية ، تحاول البحث عن أشياء ضاعت منها حين ” كان غياب الحبيب فجأة” ، و تسأل : متى تعرش فوق افقي/بستان امل؟ لأغلق نوافذي عن رحيلك المفاجئ، فهي لم تكن مستعدة لهذا الغياب لا نفسيا و لا ماديا .
تتساءل بينها و هي تشق عباب الحرف :
هل تكفيني حروفك والأبجدية /كي أحلّق بهما إلى روحك العليه/شدة الشوق /أشتاق لقياك/ان أحط في فراغ غيابك..
هذه الروح العليه صعب الوصول إليها فلم تحدد الشاعرة مكانها ، فهي بين سماء و أرض/أقلب أشياءك فيّ بين الشواطئ: مصرة هي على الوقوف على الضفاف لعل موجة تقذف بسفينة ترسو على شاطئ ” قلبها” يكون على ظهرها الحبيب .
ثم تتساءل :متى تعرش فوق افقي/بستان امل؟
لأغلق نوافذي عن رحيلك المفاجئ : بالعودة للنص أعلاه كانت النوافذ مشرعة أبوابها للأمل لتغلق عند رحيل الحبيب /يا من تلتف حولي أغصانك ، مشهد مأخوذ من الطبيعة : فعل تعرش ، الأفق، البستان و التفاف الأغصان :
تناغم أحاسيس الشاعرة مع الطبيعة ، و تسجيد للواقع الذي تعيشه مع تناص قرآني و قصة سيدنا يوسف حين قال سيدنا يعقوب : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون : يوسف 94،
و تقول الشاعرة :اني اشتم رائحتك من بعيد .
أقلب أشياءك فيّ بين الشواطئ : المرحلة الأخيرة التي وصلتها الشاعرة من شدة شوقها إلى الحبيب : تشتاق للقياه/و محطاتها فارغة في غيابه. (الفراغ الروحي).
في قفلتها للنص و ما قامت به من حركة الدوران في حضور المحبوب ، يحيلنا إلى هذه الحركة ” رقصة الدراويش” التي يصلون من خلالها إلى نشوة دينية ، و نشوة الشاعرة وصلت حد الإختناق بحبل مرساة الحبيب و ليست حبال مرساة سفنها التي أطلقتها للبحث عنه أول النص ، فانتشاؤها بعد هذا الإختناق كان انفراج النص بوصول الحبيب .
فحين يصل عباب الحرف حد الإختناق فهذا أعلى درجات المعاناة ثم يتنفس فهذا الأمل و قد تحقق بعد كل هذه النداءات و الإبحار و الركض وراء المعشوق …
و التقت و من تحب و هذه اجابة على أول سؤال في قراءة النص .
يتضح مما تقدم ان نص ابحار للشاعرة و الإعلامية إلهام عيسى تدرج في ايقاعه من البطيء حين جلست تترشف قهوتها و ترتل اسم حبيبها ،ثم ركض هذا الإيقاع و انطلقت أفراسها بعد سرجها ركضا ، ليسرع أكثر فأكثر في حركة دورانها كمتصوف يبحث عن نقطة ارتكاز حد الاختناق لينقلب حبل المرساة إلى مشا نق و لم تتنفس الشاعرة إلا : نقطة وصوله الدائمة .
لغة شعرية و أنيقة نعم بمعنى التأنق كانت لغة النص اكتست طابعا شعريا شاعريا انطلقت الكاتبة في ابحارها من العينين إلى ترتيل حروف الاسم مع ترشفها للقهوة : عشق أزلي يدق أبواب القلب فتتعطر الأنفاس …
فاتسم النص بعمق وجداني بين معاني الحنين و الإشتياق ،انفرج حين اللقاء ، مما أيقظ في القارىء هذا الإحساس …
بقلمي ✍️ سعيدة بركاتي/تونس
#النص
إبحار بقلم ✍️ إلهام عيسى
على ضفاف عينيك
ألقيت بمرساتي.
أبحَرتْ سفائني تلوح بالشراع..
وجلست ارتشف
قهوة الصباح
أطلّ على فناجين قلاعي
وكانت حروف اسمك ترتّلُ
ابجدية الخلود تتموج حانية
وتعزف سمفونية الوداعِ
وكان عشقي الأزلي
يدق على أبواب قلبك
يوزّع نوتاته دون انقطاعِ
لمثلك الروح..
بجميل انفاسك تتعطر..
تشرع لك شبابيك الأملْ
افراسي تركض لاهثة
بمروجك الخضراء
تسرج احلامي خببا وقوافي
في بحور عشقك
نبضات قلبي
تتسارع لاجئة للمنافي
في تيهها تتوق اليك
لابتسامتك المرسومة
على وجهك أمضي
امخر عباب البحر
أعتلي أمواجك العالية
حتى تلوح لي منارة من بعيد
هناك ترشدني
الى شاطىء الإدمان
فانت طوق النجاة المديد
يا نقاء السريره
هل تكفيني حروفك والأبجدية
كي أحلّق بهما إلى روحك العليه
يا من توقظني وشوشاتك
همساتك، ضحكاتك
انت انيس وحدتي العصيه
يا أنت يا رجائي
في لحظة هاربة مني
يا مرتجاي الى عوالمي المنسيه
متى تعرش فوق افقي
بستان امل؟
لأغلق نوافذي عن رحيلك المفاجئ
يا من تلتف حولي أغصانك
اني اشتم رائحتك من بعيد
أقلب أشياءك فيّ بين الشواطئ
يا روحي المتعبه
أشتاق لقياك
ان أحط في فراغ غيابك..
أدور… أدور في حضورك
اختنق… اختنق…
تطوّقني حبال مرساتك..
واتنفس نقطة وصولك الدائمه..
#إلهام_عيسى