في مثل هذا اليوم 1 مارس 1956م..
تعريب الجيش الأردني وطرد غلوب باشا من الأردن وإلغاء المعاهدة الأردنية / البريطانية.
تعريب قيادة الجيش العربي هو قرار الملك الأردني الحسين بن طلال في أول آذار عام 1956 بالتنسيق مع حركة الضباط الأحرار الأردنيين بإعفاء قائد الجيش العربي وهو الضابط الأنجليزي “غلوب باشا” من منصبه إضافة إلى إعفاء كافة الضباط الأنجليز من مهاهم التي منحت لهم في اتفاقية عام 1946.
كانت بريطانيا دولة منتدبة على الأردن منذ عام 1921. وبعد الاستقلال عام 1946، وقعت اتفاقية مع الأردن تقضي بسيطرة الأنجليز على المناصب العليا في الجيش. في خمسينات القرن الماضي، زاد التوتر بين العاهل الأردني الحسين بن طلال وغلوب باشا بالإضافة إلى زيادة الكراهية للوجود الأجنبي في البلاد. وفي فجر يوم الأول من آذار، اتخذ الملك حسين قراره بتعريب قيادة الجيش العربي من الوجود الأجنبي وأصدر أمره إلى أعضاء تنظيم الضباط الأحرار لتنفيذ مغادرة غلوب باشا البلاد فوراً. ومذاك، تسلم الضباط الأردنيون كافة مواقع الجيش العربي الأردني.
في صباح 1 مارس / آذار 1956 ، وقع الملك الحسين البالغ من العمر 21 عامًا على مرسوم ملكي بفصل جميع كبار الضباط البريطانيين وسلمه شخصيًا إلى رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي. وقد ذهل الرفاعي، بعد أن أدرك الآثار المترتبة على مثل هذه الخطوة. ثم اتصل الرفاعي بغلوب إلى مكتبه وأبلغه بالقرار. أخبر الرفاعي جلوب أنه اضطر لمغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، وأن القرار شمل أيضًا رئيس أركان جلوب العقيد دبليو إم هاتون، ومدير المخابرات العامة الكولونيل السير باتريك كوجيل وثمانية ضباط بريطانيين كبار آخرين.
بعد معرفة السلطات البريطانية بالقرارات المتخذة، طالبت الحكومة البريطانية بغضب باستقالة جميع الضباط البريطانيين الآخرين في المناصب العليا. غادر غلوب باشا وعائلته في صباح اليوم التالي؛ ورافقهم اثنان من المسؤولين إلى المطار حيث تسلم غلوب صورة الحسين مع ملاحظة مكتوبة بخط اليد: “مع تقديرنا للخدمات الجيدة والمجهودات التي لا تعرف الكلل وتمنياتنا لسعادة جلوب باشا” تلاها التاريخ وتوقيع الملك. تم تغيير اسم الفيلق العربي إلى “الجيش العربي الأردني”، وتم فصل الشرطة عن الجيش كمديرية للأمن العام تحت إشراف وزارة الداخلية، وتم اتخاذ قرار بعدة ترقيات داخل الجيش. اصبح اللواء راضي عناب أول قائد للجيش العربي تنحية غلوب باشا كرئيس للأركان. تمت ترقية علي أبو نوار إلى رتبة لواء وفي مايو 1956 حل محل عناب المتقاعد كرئيس للأركان.
خطاب الملك الحسين
وفي الساعة السابعة والنصف من الأول من مارس نقلت الإذاعة الأردنية خطاب الملك الحسين المقتضب حول قرار التعريب جاء فيه:
“أيها الضباط والجنود البواسل: أحييكم أينما كنتم، وحيثما وجدتم، ضباطاً وحرساً وجنوداً وبعد:
فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا، أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل منكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة.
وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روح التضحية والفداء، ومترسماً نهج الأُلى، في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم” .
وبعد تنحية الجنرال كلوب عرضت السعودية ومصر وسوريا على الملك الحسين أن تقوم بدفع معونة مالية للأردن في حالة قطع المعونة البريطانية أو التخلي عنها، وقد قام جلالته بزيارة سوريا حيث عقدت مباحثات مع رئيس الجمهورية السورية وتمخضت المحادثات عن صدور بيان مشترك حول إقرار اتفاقية عسكرية بين البلدين.
اسباب القرار
من دوافع اتخاذ القرار لتعريب الجيش بشكل رئيس في اختلاف جلالة الملك الحسين كقائد أعلى للجيش العربي مع الجنرال كلوب في مسألتين هما: الأولى: دور الضباط العرب في الجيش العربي الأردني. والمسألة الثانية: الاستراتيجية الدفاعية للقوات المسلحة. فقد كان جلالة الملك الحسين يرغب في ترفيع الضباط الأردنيين إلى المناصب العليا في الجيش، وأن يتولوا قيادته طبقاً لخطة منطقية واقعية، حيث كانت المعاهدة الأردنية البريطانية تنص على حق الأردن في أن يستوفي مساعدة مالية تبلغ 12 مليون جنيه سنوياً، على ان تقدم بريطانيا الضباط اللازمين لتنظيم الجيش الأردني، ولكن الضباط الإنجليز من الناحية العملية والفعلية كانوا هم الذين يقودون الجيش، وهنا كان جلالة الملك الحسين قد مارس صلاحياته ومسؤولياته في تعزيز ثقة الضباط الأردنيين بأنفسهم وفي ترسيخ روح الكرامة والكبرياء القومي لتعزيز قناعتهم بمستقبل الأردن، وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، وكان الجنرال كلوب يقف عائقاً أمام تحقيق ذلك.
وقد شكل الجيش العربي ركناً أساساً من أركان الأردن، وبناء عليه أصبح (كلوب باشا) واحداً من الرجال الأقوى والأوسع سلطة في البلاد، وهذا بطبيعة الحال يفسر سيطرة بريطانيا على الشؤون العسكرية، وكان الضباط الأردنيون الشباب أصحاب الطموح يقصون أو يعهد إليهم بوظائف ثانوية، وكان جلالته يطالب بتدريب وتأهيل هؤلاء الضباط، ولم يستجب لطلبه إلا بعد مفاوضات اتسمت بالصبر والأناة وقد عرضت بريطانيا على جلالة الملك الحسين خطة لتعريب قيادة الجيش يتم بمقتضاها منح الضباط الأردنيين في المستقبل مزيداً من الامتيازات، والمستقبل هنا من وجهة نظرهم هو أن الجيش العربي سوف لن يستطيع الاعتماد على نفسه قبل ثلاثة عقود على أقل تقدير، وليس كل الجيش إنما سلاح الهندسة الملكي في الجيش العربي ويمكن أن يتولى قيادته ضابط أردني عربي في عام 1985، وهذا العرض حدث في عام 1956 وكأنهم يقولون سوف نتحدث عن هذا بعد ثلاثين عاماً.
ارتفعت شعبية الملك الحسين في الأردن، فيما ملأ المتظاهرون الفرحون البلاد وهم يهتفون “يعيش الملك”! و “يعيش التعاون والوحدة العربية!” صدمت القرارات غلوب وتشارلز ديوك – السفير البريطاني في الأردن – والحكومة البريطانية، على الرغم من أن التقارير الواردة من السفارة البريطانية حذرت من تزايد السخط داخل الأردن من دور جلوب.
فوجئ الملك الحسين برد الفعل البريطاني الغاضب، حيث لم يقصد التخلي عن بريطانيا كحليف، وعلى الرغم من دهشته من الشعور بالارتياح، نصح جلوب نفسه رئيس الوزراء البريطاني السير أنتوني إيدن بعدم التصعيد مع المملكة الأردنية الهاشمية. وافقت بريطانيا في النهاية على عدم اتخاذ إجراء ضد الأردن بعد إرسال أليك كيركبرايد في مهمة هناك للاستفسار عن نوايا هذا القرار؛ أعاد ذكر ما كان متأكدًا منه بالفعل، وهو أن الحسين أراد الحفاظ على التحالف مع بريطانيا. استمرت المساعدات البريطانية، بناءً على المعاهدة الأنجليزية الأردنية 1948.واصبح الأول من اذار حفل سنوي وطني يقام في الأردن بمناسبة هذا الحدث التاريخي.!!