-دقائــق بعد منتصف الليل…
-دقائق قبل منتصف الليل
وجد نفسه يرتدي سترته وينزل الدرج على عجل ويرتمي في حضن الشارع العريض يحث الخطى
وفي غمرة انشغال فكره تفطن انه في الاتجاه الخطأ
توقف استنشق هواء رطبا ملوّثا ،صحح بوصله خطاه وواصل السير
دون تفكير وبحركة آلية
توقف فجأة أمام باب عمارة
دفع الباب طاوعه في صمت ليرى الحارس
مبتسما وقبل ان يسأله قال الطابق الخامس الشقة عدد خمسةولا تطرق الباب
ولا تداعب الجرس، الباب مفتوح ادفعه
على بركة الله
وأردف المصعد آخر الرواق على اليسار
وتمتم مستهزئابصوت تقصّد ان يسمعه الضيف(وأصحاب الميمنة ما اصحاب الميمنة)
استقلّ المصعد بينما
تراجع الحارس الى كرسيه وبعين صقر أحاط المكان بكل تفاصيله
متسائلا :مادفع هذا الرجل الوسيم الذي تبدو عليه علامات الورع والاحترام
لزيارة الطابق الخامس في مثل هذا الوقت؟وهذه الساعةالمتأخرة من الليل
وهل سينزل متأثرا حزينا أم مستبشرا؟
ثم أنّب نفسه
وما دخلي أنا بهذا الشأن؟
لَــمَ أتعب نفسي بفلسفة المواقف والبحث عن أجوبة لأسئلة لا تعنيني
ليأتيه نــداءالضمير الذي صحا فجأة يهوّن عليه
إنه الفضول ……
في الطابق الخامس
وقف الزائر أمام باب الشقة وعدّل هندامه
وتفقّــد أنامله رتّــب أفكاره ثم دفع الباب برفق، وولج الشقة دون عناء عندها انغلق الباب وراءه دون عناء او ضجيج…
تــوغل قليلا ليجد نفسه في قاعة جلوس
نصف مضاءة مرتبة بذوق رفيع وتناسق بديع وفن ،فشعر براحة ونسي حتى لماذا هو متواجد في هذا المكان المجهول…
لا يعلم كم مضى من الوقت وهو جالس مغمض العينين وموسيقى هادئة
تدغدغ أفكاره
تنفس عطر المكان وسمع صوتا من وراء الستارة التي انتبه لوجودها عندما رفع رأسه في اتجاه مصدر الصوت
وهو يلقي التحية ويدعوه ليكون في أريحة
صوت أنثوي ناعم نبراته عميقة وحزينة
كأنين ناي حزين على ضفاف روح تائهة معذبة
تنشد السلام والسكينة
سيدي لن أسألك لماذا طرقت بابي لأنني أعلم ان طلباتك هي ذاتها طلبات كل من يصعد عندي هنا لأول مرة
حاول النطق وخانه الكلام
واصلت
أنت لاتبحث عن لذة عابرة ،وما كلّـفت حالك الصعود عندي حبا في الجنس ،
لا ابدا بل إرضاء لغرور أصابك وظنا منك ان الانتقام من امراة رفضتك يكون بإثبات
ان غيرها من بنات جنسها ترغب فيك وتدعوك إليها بكل ما تملك من مفاتن واغراءات جسدية
امتلأ صمتا واستغرابا
فواصلت:أنا يا سيدي امرأة عفيفة لا أبيع …وغصّت بالكلام واعتصمت الحروف في حلقها ابتلعت ريقها وأضافت
واسأل كل من صعد عندي
هل نال مني أو حتّى رأي بناني
وتأكد ان لا أحد يعرفني في كامل المدينة
ان خرجت سافرة
انا امراة تقية هربت من جلّاد أراد ان يتاجر بجسدي ويلقي بي في غياهب العهر
جئت هذه المدينة متخفية وسكنت هذا المكان ولا أحد سألني من أكون حتى صاحب العمارة
قد تستغرب كيف أعيش ومن عائلي
أنا لي أملاك وعقارات من فضل ربي
ولي أخت تديرها على اساس انني مسافرة
وفي مطلع كل شهر تأتيني متنكرة في زي رجل تزورني وتقدم لي ايراد محلاتي
أدفع الايجاروالفاتورات واقتني حاجياتي اليوميه
والذين يصعدون عندي هم أرباب عائلات معوزة يأخذون النصيب ويذهبون لحال سبيلهم
ولعل الله ساقك إليّ لتكتشف أن ليس كل ما يقال هو الصواب وأن الاشاعة سلاح قاتل واسأل من تحدث عن عرضي هل صعد عندي
حتما سيجيب -لا— لان كل من صعد عندي عرف حقيقتي ولا أتصوره سيعض اليد التي امتدت إليه بالإحسان وهذا فضل ربي علي وعليهم
وحسن الظن بالآخر هو الأساس في المعاملات
وكما ترى الحياة تستمر وانا راضية بسعيي في إرضاء الله ولا أزكي نفسي
سيدي الفاضل ادع لي بالهداية ومحبة الناس
وإن كنت محتاجا مدّ يدك وافتح الدرج واسحب ظرفا ستجد فيه النصيب الذي
ساقه الله إليك
انتفض مذعورا كالملسوع وفكر بصوت عالٍ مضطرب النبرات
لا ….لا…. أعوذ بالله أنا …….
وقبل ان ينطق باغته بقولها
أنـــتِ انسان يا سيدي ولا تزد كلمة
مع ألف سلامة
كان هذا دقائق بعد منتصف الليل ومع مولد يوم جديد….
خجل من نفسه نهض كالهارب من ذنب ارتكبه ونزل ادراج خمسة طوابق على عجل وهو يهذي تحت تأثيرحمّى الندم..
في الشارع توقف تنفس لأول مرة هواء نقيا وأمطرت عيناه بردا وسلاما…..
فائزه بنمسعود
Ottawa/27/6/2022
من مجموعتي القصصية(وشم على ذاكرة النسيان)