قراءة نقدية مزدوجة: “القصيدة والأسطورة ”
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
الشاعر حمد حاجي (تونس)
القصيدة : “عودة الراعي”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة :”ظهور الذئب”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة “القصيدة والأسطورة “:
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– صنع الاسطورة.
– التناص اللغوي.
ب المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1 – المبدع حمد حاجي وأسطورة الراعي وأم الأطفال
1أ – تجليات الأسطورة بالقصيدة:
أ- اختيار الشخصية:
لقد اختار المبدع حمد حاجي شخصية الراعي ليصنع منها أسطورة قصيدته لان أسطورة الراعي متداولة في الأساطير الموروثة فنجد:
– أسطورة الراعي وبنت السلطان
– أسطورة الراعي والنساجة
– أسطورة الراعي والعجوز
– أسطورة الراعي والذئاب…
وها هو مبدعنا يضيف أسطورة أخرى فيصنع لنا ” أسطورة الراعي وأم الأطفال” .
ب – تجريد الشاعر شخصية الراعي من نفسه كشخصية ثانية في المطلق يتوجه اليها بالخطاب لأنها هيجت شوقه وحركت أشجانه وأيقظته من سبات وأحيته.
فيقول مزاوجا:
– بين ضمير المتكلم المفرد
تعود لي الروح حين أراها
ويأخذني سحرها
– ضمير الغائب ليجعل من الراعي أسطورة القصيدة فيقول:
كلما عاد راعي الخراف من الظعن
أيا راجعا للزريبة هيجت بالبال شوقي
وحركت أشجان قلبي بين الخمائل والفنن..
وأيقظتني من سبات
وأحييتني بعدما شاقني البعد
واحترق القلب بالضيق والحزن.
ج – التكرار والذكريات الماضية وخلودها
ان تكرار التجربة يجعل الشاعر يصنع منها أسطورة فيقول:
فما كنت ألقاه قد زال حين تذكره..
انما الذكريات
صحائف عائدة عودة الروح للبدن
د- الجانب الخرافي في القصيدة:
ان ما وقع بين الراعي وأم الأطفال قريب للخرافة وقد يستحضر القارئ ما قيل في هذا الصدد:
“الأسطورة تطرح نفسها على أنها جديرة بالثقة وأنها تسجيل لواقعة أو وقائع حدثت وان شذت عن المألوف أوأنه أمر واقع ولكنه خارج عن المنطق والعقل
القابلين للمناقشة و البرهان ..وقد درج الناس عامة على أن الأسطورة تحكي أحداثا خارقة يستحيل اثباتها وجعلوها على هذا النحو مرادفة للخرافة والحكاية”(1).
وفي هذا الاطار كيف يمكن للمبدع الراعي أن يستمتع بهذه الحبيبة “أم الأطفال” متعة جسدية على مرأى ومسمع من أولادها الذين ترك لهم المبدع الانشغال بصوف خرافه ان لم يكن من محْض الخرافة ؟ فيقول:
تركت لأطفالها برهة..
يلعبون بصوف الخراف
وناوشت كلبي ليأنس بالدار والسكن
وأمسك من خصرها كمشة النور مرتعشا
فتقول اختش يا رجلا..
هزه الشوق هز النسائم للغصن
وأرقب راحة كفي تداعب وجنتها
وبطرف ظفائرها فاض نهر من الشوق والبوح
يمشي على وهن
ه – الزمكان الأسطوري :اختار الشاعر:
+ زمنا في المطلق فيقول:
“كلما عاد راعي الخراف من الظعن”.
“والليالي تطول على عاشق البنت والوطن”
انه ذكر زمنا في المطلق سوّى فيه بين زمن عشق البنت وزمن عشق الوطن وزمن العشق لكليهما غير محدود هو زمن أسطوري.
وحتى العنوان “عودة الراعي” هوزمن غير محدود لعل الشاعر يخلد به أسطورة الراعي هذه الاسطورة التي تتعاقب عبر الزمن.
+ مكانا رمزيا يرمز به الى الريف فيقول:
“أيا راجعا للزريبة”
“والمدامع فوق الترائب كالمزن”
“وسقت نعاجي لمرقدها”
وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ ليفيدنا بمعنى الزمكان الاسطوري قائلا:
الزمكان الاسطوري” يعني الزمكان المطلق الذي لا ينتهي فالأسطورة حدث بلا زمان ولا مكان ومكانها اذا حدد ليس الا من قبيل الرمز ولم يكن الانسان القديم ينظر اليها على انها حدث تاريخي يشير الى واقعة حدثت في الزمان والمكان الارضيين بل على انها حدث رمزي(2).
وبالتالي فان تجربة المبدع الراعي تتجاوز الزمان والمكان لأنه صنع منها أسطورة. انها أسطورة “الراعي وأم الأطفال”.
1 – ب- النص الموازي للقصيدة : لوحة الرسام الهولندي/ البلجيكي:
لقد زاوج الشاعر بين الشعري والتشكيلي في قصيدته واللوحة التشكيلية التي رسمها لنا بالقصيدة اختار لنا لدعمها لوحة تشكيلية على مقاس لوحة القصيدة وكانت للرسام الهولندي/ البلجيكي اك فرانسوا كارابان.
و”يعتبر جاك فرانسوا كارابان من أبرز الفنانين في مجال الفن السريالي ويتميز
بأسلوبه الفريد والمبتكر في تصوير الأحلام والمشاعر العميقة ,تتناول أعماله مواضيع متنوعة”(3).
وفي هذا الاطار يمكن ان نستحضر ما قيل في علاقة الأسطورة بالسريالية:
“وقد تمكنت الأسطورة من التعبير عن كثير من المواقف فعنيت باستلهامها الكلاسيكية والرومنسية والرمزية والسريالية والواقعية السحرية”(4).
وبالتالي فان اختيار الشاعر للوحة الفنان السريالي ليس اعتباطيا بل كان نصا موازيا للقصيدة لدعم أسطورة” الراعي وأم الأطفال” التي صنعها مبدعنا حمد حاجي.
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير في صنع الأسطورة؟؟؟
2- المشاكس عمر دغرير وصنع أسطورة الرجل الدونجواني بقصيدته:
ان المشاكس في تكرار الحديث عن المبدع في كل مشاكساته عن علاقاته المشبوهة بالنساء قد صنع من المبدع أسطورة في تواتر ربط العلاقات العاطفية مع النساء أو ما يصطلح عليه بزير النساء او الرجل الدونجواني.
2- أ مفهوم الرجل الدونجوان:
“دون جوان لقب نطلقه على كثير الحديث عن النساء وعلاقاته بهن نسبة الى
” دون جوان” الذي عرفنا أنه زير النساء الأشهر في العالم وقد أغوى أكثر من 1000 امراة دون أي تعقيدات .ولكن من هو دون جوان يا ترى؟
ودون جوان شخصية أسطورية روائية خلقت في القرن السابع عشرللميلاد من وحي الكاتب والشاعر الاسباني “تيرسودي مولينا” لتنتشر في أروبا تدريجيا وصولا الى العالم أجمع”(5).
* أشهر زير نساء في التاريخ “كازانوفا” الذي عشق 220 امرأة من مختلف الجنسيات وبلغت مواهبه في العشق مستوى أسطوريا.
* الزير سالم: أسطورة زير النساء في الدراما العربية.
*وكثير هم من أطلق عليهم لقب زير النساء كامرؤ القيس وعمر بن ابي ربيعة.
وفي هذا الاطار استطاع المشاكس أن يصنع من المبدع الرجل الدونجواني أو زير النساء.
2- ب – تجليات أسطورة الرجل الدونجواني بقصيدة المشاكس:
+ صفة الذئب: لقد أطلق المشاكس على المبدع صفة الذئب في خبثه وفي تلاعبه ومكره بالنساء فيقول:
وفجأة ظهر الذئب أمام المدرسة
وفي الأحياء
وبان الرعب في الأعين..
+ الجانب الخرافي في القصيدة:
لقد أضفى المشاكس على المبدع الدونجوا ني هالة من الوحشية أفشت الخوف والرعب بين الكل. انها سمة من الخرافية والغرائبية التي أصبح موسوما بها فيقول:
وفي المدينة انتشر الخوف من الوحش
وامتلأت القلوب بالاكدار والشجن..
وبات الكل يخشى من الكل
والجميع يروجون الحكايا في السر والعلن..
فلان هاجمه الذئب في الظلماء
وقبل الفجر عثروا على فلتانة مشوهة البدن..
ولم يعرفوا ان الذئب من جنسهم
ومعه يتشاركون في العيش والسكن
+ التكرار والذكريات الماضية وخلودها:
ان تكرار التهافت على النساء والذكريات جعل المشاكس يصنع منه أسطورة الرجل الدونجواني فيقول:
وكانت سعاد دون غيرها تعلم بانك الوحش
وكلما تراك يصيبها مس من الجنن..
ويحزنها ألبوم الذكريات
فكم أذيتها وأحرقت فؤادها في غابر الزمن؟..
وكم أغرقتها في معسول الكلام لفترة
ثم طعنتها في الظهر ولففت جراحها بالكفن..
وفي هذا الاطار يطرح المشاكس ثنائية الحب والشهوة:
– هل ما يربط الرجل زير النساء بالنساء حب أم شهوة؟
– هل ان مطاردة الرجل الدونجواني كره في زوجته؟
هنا قد يتدخل القارئ ليستحضر ما قيل في زير النساء في هذا الباب:
“ان زير النساء” لا يحمل مشاعر حب تجاه النساء اللائي يقوم بمطاردتهن وان سلوكه لا يعني غياب الحب في حياته الزوجية أو جحود مشكلة أو عيب ما في زوجته” (6).
+ الزمكان الأسطوري :
اعتمد المشاكس اطارا زمكانيا مطلقا فالحادثة وقعت في زمان ومكان غير محددين وحتى وان حُدّدا هما من باب الرمز:
– الزمان المطلق : لفترة / في غابر الزمن فيقول:
وكم أغرقتها لمعسول الكلام لفترة.
فكم أذيتها وأحرقت فؤادها في غابر الزمن.
وقبل الفجر عثروا على فلتانة مشوهة البدن
وحتى العنوان ظهور الذئب يشي بزمان مطلق وغير محدد لعله يشي باستمرارية ظهور الذئب المبدع الدونجواني الذي قد يخلّد اسمه.
– المكان المطلق :يذكر المشاكس المكان لا كمكان محدود بل كرمز في المطلق:
وفجأة ظهر الذئب امام المدرسة
وفي الأحياء.
وفي المدينة انتشر الخوف من الوحش
فلان هاجمه الذئب في الظلماء
+ الشهرة: لقد أصبح المبدع الدونجواني حديث الناس فيقول:
وأمسيت تلهف خلف النساء
تواعدهن وتسلب ودهن حتى صرت حديث الألسن.
+ تعرض المبدع الدونجواني الى المشاكل والمحن لأنه أصبح معروفا لدى العامة فيقول:
ولكن من تعود على أكل الخراف في الظعن..
حتى وان سلم من بندقية الراعي
فسيظل من محنة الى أخرى ولن ينجو من المحن.
وخلاصة القول فان كلاّ من المبدع والمشاكس قد اتكأ في قصيدته على صنع الأسطورة فلئن أمتعنا المبدع بصنع أسطورة الراعي وأم الأطفال فان المشاكس قد أمتعنا بصنع أسطورة المبدع الدونجواني زير النساء .
سلم القلمان الأسطوريان في التجديد ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ 13/ 03/ 2025
المراجع:
https://arab-ency.com.sy(1)
الاسطورة وعلم الاساطير- الموسوعة العربية
https://www.nizwa.om(2)
الزمكان الاسطوري في رواية(مدينة المياه المعلقة)ل محمد مثنى- مجلة نزوى
Facebook.Art Encyclopeda-jacques carabin(1833/1934)(3)
جاك كرابان.
https://www.ibnulyemenarabic.com(4)
توظيف الاسطورة في الادب العربي.
https://www.annahar.com(5)
من هو دون جوان زير النساء الذي يضرب به المثل؟- | النهار
https://mawadda.org(6)
هل شفاء الزوج”زير النساء”ممكن؟- منصة مودة.
(المبدع حمد حاجي) ” عودةُ الراعي ”
تعود لي الروح حين أراها
ويأخذني سحرها
كلما عاد راعي الخراف من الظعَنِ..
***************************************
أيا راجعا للزريبة
هيّجتَ بلبال شوقي
وحرّكت أشجان قلبٍـــيَ بين الخمائل والفنَنِ..
*****************************************
وأيقظتني من سبات
وأحيَـــيْـتَني بعدما شاقني البعد
واٍحترق القلب بالضيق والحزنِ
***************************************
فما كنتُ ألقاه قد زال حين تذكره..
إنما الذكريات
صحائفُ عائدة عودة الروح للبدن..
***************************************
تركت لأطفالها برهةً…
يلعبون بصوف الخراف
وناوشتُ كلبي ليأنس بالدار والسكنِ
***************************************
وأمعنتُ في حاجبيها أكتم حبي..
إلى أن لمحتُ الحياء
يُريق دماء الصبابة في المنظر الحسن..
*******************************************
وقلتُ لها حين كبّت على الوجه فولارة ..
يا معذبتي جئتُ..
قد حنّ قلبي للقياك والجِسمُ فِيكَ فَنِي
******************************************
وأمسك من خصرها كمشة النور مرتعشا..
فتقول اختش يا رجلا..
هزَّهُ الشوق هز النسائم للغُصَنٍ
***************************************
وأرقب راحة كفِّي تداعب وجنتها
وبطرف ضفائرها فاض نهرٌ من الشوق والبوح
يمشي على وهَنِ
****************************************
وَلَمَّا وَقَفْتُ أودّعها والمَدَامِعُ فَوْقَ التَّرَائِبِ كَالْمُزُنِ
وسالت دموعي على رمل شاطئها..
طار عقلي وفي إثره ترجرج قلبي كانّه أجنحةُ السفنِ
*********************************************
وسقتُ نعاجي لمرقدها وتمدّدتُ قرب الخراف
ألملم أحزان شبّابتي..
والليالي تطول على عاشق البنت والوطَنِ
(أ.حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”ظهور الذئب”
وفجأة ظهر الذئب أمام المدرسة
وفي الأحياء,
وبان الرعب في الأعين …
“”””””””””””””””””””””””””””””
و في المدينة انتشر الخوف من الوحش
وامتلأت القلوب بالأكدار والشجن …
“””””””””””””””””””””””””””””””
وبات الكل يخشى من الكل ,
والجميع يروجون الحكايا في السر وفي العلن …
“””””””””””””””””””””””””””
فلان هاجمه الذئب في الظلماء ,
وقبل الفجر عثروا على فلتانة مشوهة البدن …
“””””””””””””””””””””””””””
ولم يعرفوا بعد أن الذئب من جنسهم
ومعه يتشاركون في العيش والسكن …
“”””””””””””””””””””””””””””””
وكانت سعاد دون غيرها تعلم بأنك الوحش
وكلما تراك يصيبها مس من الجنن …
“”””””””””””””””””””””””””””
ويحزنها ألبوم الذكريات .
فكم آذيتها وأحرقت فؤادها في غابر الزمن ؟…
“”””””””””””””””””””””””””””””
وكم أغرقتها في معسول الكلام لفترة
ثم طعنتها في الظهر ولففت جراحها بالكفن …
“”””””””””””””””””””””””””””
وأمسيت تلهث خلف النساء
تواعدهن وتسلب ودهن حتى صرت حديث الألسن …
“””””””””””””””””””””””””””””””
سعاد بكت وما جفت دموعها أبدا ,
وهي التي أحبتك بصدق ومناها تخرجك من العفن …
“””””””””””””””””””””””””””””””””
ولكن من تعود على أكل الخراف في الظعن …
حتى وإن سلم من بندقية الراعي
فسيظل من محنة إلى أخرى ولن ينجو من المحن …






