قراءة نقدية : “القصيدة بين الحب والفن”
القصيدة: “الجد يعزف لحفيدته كي ترقص”
الشاعر حمد حاجي (تونس)
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية:” القصيدة بين الحب والفنّ”:
استهل المبدع قصيدته بفعل (أذكر) وهو في ذلك يحيلنا على ذكرى تجعل قصيدته تندرج ضمن أدب الذكريات.
لقد ورد الفعل “أذكر” في صيغة المضارع الموفوع الدال على الدوام والاستمرارية .وبالتالي لماذا يداوم على التذكر؟
ماذا تعني لمبدعنا الذكرى ؟
هنا قد يفيدنا القارئ ليستحضر ما قيل في الذكريات قائلا:
“فالذكريات ستبقى كالحكايات تمر من كل الأزمنة, ملامحها تتناقل كالنصوص وتسرد في الروايات وسنكون يوما ما أبطالها لننقل للقارئ تفاصيل حياتنا من طفولتنا الى اللحظات الجميلة الممزوجة بالألم..”(1)
وفي هذا السياق ماذا سيسرد علينا المبدع من تفاصيل حياته؟
انه سيحكي لنا حبّه الصغير مع حبيبته وهما طفلان فيقول:
وأذكر جئت لجدك باكية..
كيف بستك من شفتيك..؟
وكيف تركت خدودك حمرا من القبل..؟
من خلال هذه المقابلة المعنوية يكشف الحبيب الطفل مدى تعلقه بهذه الطفلة التي تجرأ على تقبيلها من شفتيها ثم ليشبع نهمه بتقبيلها من الخدود التي تركها حمراء من شدة الضغط عليها في التقبيل وفي المقابل لم تشعر بما شعر به المغرم الصغير حتى انها اشتكته لجدها.
وهنا قد يتدخل القارئ بفضوله متسائلا :
– هل يمكن أن يحصل الحب في سن الطفولة؟
– هل يمكن الحديث عن الحب من طرف واحد في زمن الطفولة؟
– كيف يتعامل الأهل مع أطفالهم الصغار الذين يعيشون مشاعر الحب؟
وقد يستحضر القارئ ما قيل في ذلك:
” الحب لا يعرف عمرا يبدأ نبضه مع الولادة وينمو ويكبر مع نمو الشخص والعلاقات العاطفية بين الأطفال تحمل براءة الحب بأسمى معانيه بعيدا عن أية مصلحة أو خيانة ومن شأنه أن يكون المثال للحب الصادق بين الكبار”(2)
ومبدعنا يتناص هنا مع الشابي الذي أحب وهو طفل حين قال:
كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير//
قضيتها ومعي الحبيبة لا رقيب ولا نظير //
لئن كان الحب الصغير لدى الشابي متبادلا بينه وبين الحبيبة الصغيرة فان مبدعنا جعل حبه من طرف واحد حين راحت الى جدها باكية.
وبالتالي كيف يتصرف الأهل مع مشاعر الطفل أو الطفلة حين ينفتح على هكذا مشاعر مع الطرف الآخر.
تقول الباحثة حياة وناس “سواء كان الحب بين الاطفال مجرد حب طفولي أم لا فلا بد من التعاطي معه بكل جدية”
وفي هذا الاطار يستدعي المبدع بقصيدته من الأهل حكيم العائلة لينصفه فيقول:
وينظر جدك في اضطرابي..
يقول: تمهل حبيبي…
فهذي الصبابة تؤخذ باللطاف والحيل..
ويضحك من سخفنا الجد..
هيا تعالي..
أعلمكما اللهو والرقص.. إن الغرام فنون من الأزل..
الجد بحكمته يقرن بين الحب والفن وهنا قد يتدخل القارئ ليفك شفرة العلاقة بين الفن والحب ليفيدنا قائلا:
“الفن والحب هما عبارتان ترتبطان بعلاقة وثيقة في عالمنا. يمكن اعتبار الفن وسيلة للتعبير عن الحب واظهاره بطرق مبتكرة وجميلة فالفنانون منذ العصور القديمة وحتى الآن يستخدمون الفن كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم العميقة للحب.
يتنوع الفن بشكل كبير ويشمل فنونا مختلفة مثل الرسم الموسيقى, الشعر, الأدب والسينما وغيرها”(3).
ولعل هكذا علاقة بين الحب والفن قد جعلت المبدع يزاوج في قصيدته بين الشعري وبين الموسيقى والرقص ويُرْفقها باللوحة التشكيلية للرسام الالماني كارل ايميل موكه ليجعل الفنون الثلاثة تدعم حبه.
والجد باعتباره فنانا سيحرّك مشاعر الحب لدى حفيدته فيعانق عزفه رقصها
فيقول المبدع المغرم:
ويأخذ جدك أوكرديونه حانيا..
رنة تلو أخرى
ووحدي أصفق ضربا على المندل..
تدورين كالضوء
والشعر بالكتفين ظفائر لامعة..
وفؤادي يرتل أوراده غير منتقل
وينخرط الحبيب الصغير مع عقلية الجد في الربط بين الفن والحب ليعبر عن شوقه ليشارك حبيبته الرقص على العزف وهو بذلك يجمع بين الحب والفن .فيقول:
أيا طفلة القلب..انتظريني أراقصك
ان الصبابة والرقص فن وريق ينال على مهل..
أمد يدي في يديك
وكفي على الخصر
الله.. الله..يا لزمان الصبابة بالدار والمنزل
ان المبدع يختم المقطع الأول معبرا عن شوقه لمراقصتها بطريقته التي يتوق اليها وتعبر عن صبابته التي باركها الجد الفنان.
وباعتبار ان كل اثارة تتبعها استجابة في علم السلوك فان العزف قد ولد حبّا لددى الحبيبة واذا بالمبدع بعد أن كان يتكلم بصيغة المتكلم المفرد استخدم صيغة المتكلم الجمع (نحن) فيقول:
على النقر واللحن نختال..
ما أحسن الرقص بين يديك
وما اقبح الزهد في الحب والجهل بالرجل..
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ان المبدع يخرج بحكمة الجد التي كان يجهلها وتتمثل في أن الفن والحب مترابطان ..انه تعلم من الجد انه باستخدام الفن نعبّر عن مشاعر عميقة للحب
وهل أكثر من أن هذا الحب مازال يقاوم الزمن والمبدع يدفن العشق بداخله دون ان يمحوه الزمان ..انه بوح جميل يجعل الحبيب الصغير سعيدا بماضيه الذي قد يساعده على تسيير حاضره وبناء مستقبله. وبالتالي فان المبدع قد بدأ قصيدته بالذكريات لينتهي بالاعتراف بهذه الذكرى الجميلة التي أسرت روحه وقلبه وظلت مدفونة بداخله …يقول المبدع:
تمرّ السنون..
وما زلت أخفي العشق..
بين الحشاشة والنبض والموضع الابهج الأجمل…
وفي هذا السياق ماذا قال الفلاسفة عن الماضي الجميل الذي يبقى مدفونا بداخلنا؟
” تقول فلسفة العقل ان الماضي هو قوة الزمن الباقية وجاذبية الوقت المعمرة لان الأحداث الزمنية كلها ترد اليه بمرور الوقت.حياتنا التي نعيش ما هي الا مجموعة من ذكريات الماضي :الطفولة, المدرسة, الاصدقاء, العمل, الماضي هو سيد الموقف ومن لا يجيد قراءة ماضيه لن يعرف كيف يسير حاضره أو يبني مستقبله.. الماضي هو مفتاح اللعبة..”(4).
وأكثر من ذلك فان قصة حبّه الأول ىستقاوم وتطفوعلى مشاعره كما قيل.
“سيبقى دائما في الذاكرة , ستظل قصة الحب الأول الحكاية الأولى الذي سيرويها لاحفاده ,طبعا دون ذكر الأسماء الحقيقية الذي هو أحد أطرافها”(5).
والدليل ها ان مبدعنا يروي لنا مستمتعا قصة حبه الاولى وهوطفل.
وخلاصة القول فان المبدع قد استطاع أن يصنع من حبه في طفولته أسطورة لا يمحوها الزمان بالجمع بين الحب والفن.
سلم قلم المبدع الأسطوري.
المراجع:
https://www.algazeera.net(1)
ذكرياتنا الجميلة لا تموت بل تنبض بأرواحنا ا- الجزيرة .نت
https://www.mc-doualiya.com(2)
الحب بين الاطفال,براءة الحب من براءة الطفولة ا-حياة وناس
https://nogommasr.com(3)
الفن والحب- مجلة نجوم مصر الأدبية
https://www.aljazeera.net(4)
حتى لانلعن الماضي اا الجزيرة نت
https://ar.quora.com(5)
هل الرجل ينسى حبه الاول اذا دخلت في حياته امراة ثانية؟
=== القصيدة ===
حين يعزف الجد لحفيدته كي ترقص(المبدع حمد حاجي)
وأذكرُ جئتِ لجدّك باكيةً..
كيف بُسْتُكِ من شفتيك ..؟
وكيف تركتُ خدودك حمرا من القُبَلِ..؟
وينظر جدّك في اضطرابي..
يقول: تمهل حبيبي…
فهذي الصبابةُ تؤخذ باللطافة والحِيَلِ..
ويضحك من سخفنا الجد..
هيا تعاليْ..
أُعَلّمْكُمَا اللهو والرقص … إن الغرام فنون من الأزَلِ..
وأنت على عتبة الدار كالمهر
بالنصف واقفة…
يا لحسن قوامك في رفة الغصن والميَلِ..
ويأخذُ جدّك أوكردُيونَـــهُ حانيا..
رنّة تلوَ أخرى..
ووحدي أصفّقُ ضربا على المَنْدَلِ..
تدورين كالضوء
والشعر بالكتفين ضفائرَ لامعةً..
وفؤادي يرتّلُ أورادَهُ غير منتقلِ..
أيا طفلة القلب…
انتظريني أراقِصْكِ،
إنّ الصبابةَ والرقص فنٌّ وريق يُنال على مهَلِ..
أمدّ يدِي في يديك
وكفي على الخصر..
الله .. الله.. يا لزمان الصبابة بالدار والمَنْزِلِ.. !
(2)
على النقر واللحن نختالُ…
ما أحسن الرقصَ بين يديك
وما أقبح الزهد في الحبّ والجهلَ بالرّجُلِ..
تمرّ السنون …
ومازلت أخفي لك العشق..
بين الحشاشة والنبض والموضع الأبهج الأجملِ…
ا====== أ. حمد حاجي
لوحة “الجد يعزف لحفيدته كي ترقص” سنة1889،
للفنان الألماني كارل إميل موكه (1847-1923)،






