مقاربة قرائية اخيرة في منجز الكاتب الصديق محمد جدي
حتى لا تتداعى السّماء”
في قراءة اخيرة فتحت لها ذهني وقدراتي على مافيهما .
عدّلت السّابق وألغيت بعضا من اللّاحق وكتبت ….وشطبت …ثمّ أنهيت وما أدعي أنّي اهتديت
وتتجّه بي ملاحظاتي فيما يحفّ هذا المنجز من مقومات وخصائص تؤكدّ أن للنّصوص المبثوثة فيه قد رافقتها قدرة وشعلة الكتابة عند المؤلف…فقد سخّر مهاراته بما يتيح لقارئها توافر مؤشرات الكتابة الجيّدة التي تمنحها نكهة النّصّ…
وابداع كاتبها فيها تشكل في بنى لغوية ومستويات جمّة تكشف عن أجهزة بلاغية تتوسّل الشّعر في النّثر ..
شعريّة اللّغة وتوظيف التّكثيف وانسياب الدّفق اللّغوي لحظة مكاشفة كتابة النّص في مراحل انكسار النّفس وضيقها .
وتتماسّ أزمنة الطفولة بالكهولة في مرواحة بين العام والخاصّ لتبرز معاناة الذّات الكاتبة في مختلف أزمنتها… ويظهر النّفس الصّوفي لمبدعنا لتتجلى ذاته لمعا خاطفا…ينهل من معين الوطن والداده “امه” وبيئته ..ومعتقداته..
‘ولتجرّب أن تتلو على مسامع الزيف سورة القارعة “…وهو في العشق مسافرالى كعبة طيفها..يطوف شغفا حول كعبة قلبهاسبعا تباعا..يتوسّل …يبتهل ..صوب قبلة الرّوح
يتجعّد وجعه حيناويغور فرحه في مدارات النّص والتّذكّر..
اقاصيص أمكنة وازمنة..وغلبة الوصف..
_تعدّد المواضيع المتناولة واتّسا عها لحمل الهمّ الواقعي والمتخيّل وحاجتنا للجماليّة في محيطاتنا الخاصّة والعامّة ..
_محنة الكاتب على حدّ قول ميشال فوكو
يتحوّل هو الى متخيّل حدّ لبوس رواية لعدم جاهزيتها في الواقع..
_مميّزات أسلوبية لها صلاتها الحميمية مع الخاطرة تلتبس بالقصّ وطرائقه…سرد..حوار…وصف…
تجاذب بين أدب الخاطرة والنّص السّردي في المقال القصصي ..وهي تحضر متمازجة في هذه المجموعة النثرية لتعطي لكل نص نكهته ولتمنح النّص سمة المشهدية من حيث زمان النّص ومكانه
ونص في أدب المذكرات
وآخرحواريّ بين هو وهي وقيام ثنائيات أميل الى التّعقّل منها الى توهجّ العاطفة..
_رؤى في النّقد تتجلّى فيها خلفيته النقدية التي تقنع القارئ
فهو يدحض اكرهات في الكتابة الطويلة وفي الغموض البلاغي ويرسّخ من منظوره التّكثيف والإيجاز والومضة الشعريّة المضغوطة وجنون الكتابة
يقول في احدى نصوصه
جين القاك تطرز عيوننا قصائد عشق ..تصفق الرّموش جذلى تشدو الجفون بعذب الكلام يخضرّ ربيع الحبّ زرعا ويخصب ضرعا وتفتر شفاه الغيوم عن بسمات هطل …تروي جفاف الرّوح وتجلو عن النّفس الغمام”
وما يشّد الإنتباه أكثر حضور الأدبية وتوسلّها بأساليب لا ترضى بالمألوف من الكتابة ..كون شعري يتعالق فيه نثر بشعر
أمّا العتبات النّصية المحيطة بالمنجزفما يجدر التّوقف عنده
التّصدير …
وقفت عند التصدير
وقد جاء مقدودا بقدقدة لذيذ ة
قد نلتقي
من بعد هجر وارتحال في دروب لهاائمين تجمعنا زفرة وجع انهكه زحام الوحدة وثقل السنين في لقاء يضبط احداثياته دفق حنين
وقد لا نلتقي
حين ينفدمخزون الصبر وتذوي شعلة الللهفة ويتيبس عود المحبة فتنخرم حزمة الشوق ويتقطع الوتين
فعند لقاء وعند اللالقاء يراودنا احساس بالوجع والمرارة
تنافر ومقابلة اضداد تقوم على مرارة لتكشف عن ضيق أفق
فهذا التصدير مفيد للقارئ في ربطه بالعنوان
.العنوان
حتى لا تتداعى السماء
عنوان يحقق الإرباك وهومستفزّ ومخلخل ….يفتح تأويلات ولا يغلقها..يسرّب لنا مجالا التّأمل الشّخصي في ماذانفعل حتى لا تتداعى سماء فوق رؤوسنا …
والسّماء التي يراها الغاشي والماشي قد يقصد منها تطلّعاتنا العليا والسّماء دنيا في رحابها الفرج والاشراق وقد قال عنها الشاعر السوداني الهادي ادم
الدنيا سماء انت فيها القمر..
ورغم العدد الذي ناهزته العناوين الفرعية 222 عنوانا فقد جاءت آخذة بأعناق بعضها بعض…لا تشكّل قطيعة بينها
كما جاءت لعبة الضمائر مكثّفة في حضور المتكلّم واستدعاء المخاطب بما ييسر الفعل والانفعال وخلق مجالات تواصل مع المتلقي
“ايتها الأنت بدأت أحس بعمق االاشتياق اليك..
تعاليْ نراوغ الزّمن وننصب كمائن للقاء والوصل”
وقد يستهدفك كقارئ في خطاب الضميرلمزيد توريطك في متعة القراءة وانتاج المعنى من خلال مقاربته للنص
“انت ايها المتابط قلبك..انت ايها الرّاغب في الوصول إليها..سأنتظر هطل غيمتك..بلاغيوم في سماء القلب
وقد يتحولّ ضمير الغائب الى التّجسد في ضمير المتكلّم من نص الى آخر..
تمنى أن يطوّق ذاتها..
كم اتمنى ان أعانقك بكل ما أوتيت من وجد..
وتتهالك أزمنة الماضي لتطال حاضرا فتنفلت الأزمنة عن بعضها وهو في كل هذا يحكم شدّ خيوط سردوتتابع صور لعهود هاربة…
وقد اتقن في لغته العناية بانفعالاته وعواطفه وحكايا قلبه المرهف بما وسم نصوصه بالعمق والبداهة ..
بداهة تعكس قوة صاحبها وتجعله متميزا متين الاستقراءات لمشاهد الحياة ..
محده جدي ومنجزه “حتّى لاتتداعى السّماء” يردان شاهدا على توسيع مدى الكتابة …كتابة وجيزة شيقة موضوعاته متعددة نقراها خالصة لذاتها…حفية بالقراءة والإنصات فيها لذات مبدع يبلغ غليانه الوجداني التّرف…ترف الوجع…ترف الفرح.ترف الحرمان…. ومن يعرف الصديق حمه في الحياة والواقع يعي مافي منجزه هذا من تناسق بين الظّاهر والباطن …فهو يتحمل عبء ذاته وذواتنا جميعا ..يرفض ان ياتيه الباطل والرديئ والمبتذل من بين يديه ولا من خلفه..يتعمّق في جوهر الامور
واخيرا مايمكن ان اقوله
الكتابات المتفرّدة المحتوى والمضمون هي الأعسر والأصعب وابداعها يقاس بما يحدث بدواخلنا وهي التي تُعلي أرواحنا في منعطفاتها الواعية واللا واعية تّحضر حالات وجدانية وصراعات انفعالية وتظهر طاقاتنا كبشر في دقائقها وتفاصيلها ..
وهو ما حفزني كمتلقية على الإقبال على قراءة منجزه بشغف وولع.. وقد أنجزت فيه مايقارب الخمس قراءات ومازلت لم أحسمها لأاسباب لعلّ أهمّها
مايجري في أعطافه من مضامين
فهوتعبير عن الذّات…صوت المجتمع….حاجات جماليّة ..نقد …تخيّل وحقائق ألأنا بضجرها..واجتراراتها وتداعياتها
فنيّات النّثر وأساليبه في علاقته بأجناس أخرى كالخاطرة والمقال القصصيّ وغيره
وتبقى القراءة من المتع التي ندركها بأيسر السّبل …..