قراءة نقدية: “ثنائية القصيدة بين غيرة الحبيبة وردة فعلها”
القصيدة:ما تاويل رؤياي؟
المبدع حمد حاجي (تونس)
الناقدة جليلة المازني (تونس)
قراءة نقدية: “ثنائية القصيدة بين غيرة الحبيبة وردّة فعلها”
التصدير:
يقول بودلير:” الشكل هو سرّ العمل الفني”
والفرق بين الشكل القديم للقصيدة والشكل الحديث هو :
– شكل الشعر العربي القديم شكل بنائي ثابت.
– شكل الشعر العربي الحديث شكل بنائي متحرك.
وفي هذا الاطار تندرج قصيدة مبدعنا حمد حاجي ضمن الشكل البنائي المتحرك:
لقد عمد المبدع الى القصيدة ذات القصيدتين وهو يستمتع باللعب بالشكل بوضع القواعد وكسرها:
فالقصيدة “ما تأويل رؤياي؟” تضمنت قصيدتين:
– قصيدة “الحلم المعلق “واللوحة المصاحبة الاولى.
– قصيدة “عاشق التونسية “واللوحة المصاحبة الثانية.
لماذا استخدم المبدع هذا الشكل الفني القائم على ثنائية القصيدة؟
– أسرار وخبايا الرقم (2) * .
“الرقم 2 يحمل دلالات عميقة ومعان متعددة عبر الثقافات المختلفة.
يعدّ هذا الرقم رمزا للثنائية والتوازن حيث يمثل تنوع العلاقات والتفاعل بين الاضداد”:
* الرقم 2 في الرياضيات:
يتم التعرف على الرقم 2 كأول عدد زوجي..الأعداد الزوجية هي تلك التي يمكن تقسيمها بالتساوي الى مجموعتين.
* الرقم 2 في الثقافة والتاريخ:
يحتل الرقم 2 مكانة بارزة في العديد من الثقافات والتاريخ حيث يعد رمزا للتوازن والشراكة. في العديد من الحضارات القديمة كان الرقم 2 دليلا على الثنائية التي تعكس توازن القوى المختلفة مثل الليل والنهار أوالذكر والأنثى.
* الرقم 2 في علم النفس:
– تُظهر دراسات ان الانتماء الى ثنائية يمكن أن يعزز من أداء الأفراد وشعورهم بالراحة.
– تُظهر دراسات أخرى أن الرقم2 يرتبط بانتشار الصراعات أيضا..يمكن أن تؤدي الثنائيات غير المتوازنة الى تنافس أو توتر.
*الرقم 2 في الفلسفة:
يمثل الرقم 2 في الفلسفة رمزا للتوازن والتناقض حيث ينظر اليه كعالم مزدوج يتكون من ثنائيات مثل الضوء والظلام ,الحياة والموت, والخير والشر..
* الرقم 2 في العلوم الطبيعية:
– في الحقل الفيزيائي يشير الرقم 2 الى العناصر المكونة للعديد من الظواهر.
– في الكيمياء تلعب التركيبة الثنائية دورا حيويا في طبيعة التفاعلات الكيميائية.
* في النص القرآني:
كل الثنائيات المذكورة أعلاه لها كيانها في النص القرآني(الليل والنهار/ الضوء والظلام/ الحياة والموت / الذكر والأنثى…)
* الرقم 2 في الأدب والفن:
– واحدة من الألقاب الرائدة في الأدب التي تتناول العلاقات الثنائية هي رواية “الاخت والأخ” للكاتبة “ألفريد دو موسه” تعتمد الرواية على العلاقة المركبة بين الاخ والاخت .كما يعكس الرقم 2 التوتر والانجذاب الذي يمكن ان يوجد في العلاقات الانسانية.
– أما في عالم الفن يظهر الرقم 2 من خلال العديد من الأعمال الفنية التي تمتاز بتقديم الثنائيات .على سبيل المثال يعتبر العمل الفني”الزواج” للفنان المعروف” فنسنت فان جوخ” تعبيرا مكثفا عن العلاقات الانسانية حيث يتضمن صورتين لزوجين يمثلان الاستقرار والتواصل بينهما.
وفي هذا الاطار ما دلالة استخدام المبدع حمد حاجي للقصيدة ذات القصيدتين او لثنائية القصيدة ؟؟؟ لعلنا من خلال هذا السؤال ندرك المغزى من تنضّد الأستاذ حمد حاجي.
لو تأمّلنا بأهمّ سمات هذه الظاهرة الثنائية للقصيدة نلاحظ أنها تهدف بالأساس الى:
1- تصوير الواقع..أي ملمح يميل الى الجانب التصويري؟.
2- التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم القصيدتين).
3- حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ..مع خيط رفيع رابط بينهما.
لعلّ هذا ما جعل الشاعر حمد حاجّي يلتجئ الى ثنائية القصيدة ليحقّق الملامح الثلاثة السالفة ويحقق مبدا التفاعل بين القصيدتين.
أسند الكاتب عنوانا شاملا للثنائية “ما تاويل رؤياي؟”:
– من صاحب الرؤيا في كل من القصيدتين؟
– ما تأويل الرؤيا في القصيدتين؟
القراءة النقدية للقصيدتين:” ثنائية القصيدة بين غيرة الحبيبة وردة فعلها”
1- تصوير الواقع :
أ – القصيدة الاولى (الحلم المعلق)
يصور المبدع واقعا قائما على غيرة الحبيبة على حبيبها بتوظيف أدب الحلم فيخاطب فيه حبيبته ليسرد عليها حلمه وهو لا يخفي عنا نيته المبيّتة في مزيد اثارة غيرتها واغاظتها فيقول:
رأيتك وقت المنام على ركبة
تجثمين بوجه الظلام
وجدتك بالركن موحشة اللون والرائحه..
ان الرؤيا تجسد الحالة المزرية للحبيبة التي شبهها بالمهر المنهكة بالوجيعة فيقول:
اني لمحتك كالمهرمنهكة بالوجيعة ثاوية طائحه.
هذا التشبيه بالمهر مشحون بثنائية المدح والذم:
– مدح في تشبيهها بالمهر في شبابها وجمالها ونشاطها وهو في ذلك لا يخفي عنّا حبه لها.
– ذمّ لأن هذه المهر منهكة فلا جمال ولا نشاط وهو هنا لا يخفي عنا اثارة غيرتها
ان هذه الحالة المزرية التي رأى عليها حبيبته في المنام جعلته في منامه يتدخل لتهدئة ما ألمّ بها من خوف واضطراب فيقول:
وحتى أهدئ ما بك من خيفة واضطراب
مسحت بكفي و ظاهر خفي
ورتلت ما قد تيسر من سورة الفاتحه.
وبين ثنائية الخوف والتهدئة وبين جمالها وفقده لحالتها المزرية طلب منها تفسير رؤياه فيقول:
يا سيدتي
قفي عبري لي ..ما تأويل رؤياي؟..
ولعل هكذا سؤالا قد يجعل حلمه معلقا(الحلم المعلق) الى ان تؤوله الحبيبة
فهل ستعبر له رؤياه؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ب- القصيدة الثانية “عاشق التونسية”
ان المبدع عمد الى تصوير واقع قائم على ردة فعل الحبيبة الغيورة:
تفسر الحبيبة له رؤياه بانه سيستبدلها بأخرى وبنبرة متهكمة تنفي عن نفسها هكذا فجيعة فتقول:
تقول:وتعبير رؤياك..
أخرى ستعقد عنها القران
وتحسبني للفجيعة بائرة ..غادية …رائحة..
ويبدو أّنها بذكائها ستردّ له الصاع صاعين مصورّة واقعها وردة فعلها من خلال الحلم أيضا.
فتقول له متهكمة:
وتضحك: يا سيدي لست وحدك تحلم..
اني رأيتك تخنق نفسك
وجنبك في كل ناحية نائحة
وكل العشيقات
سوف يعلقن روحك في خشبه
وتراهن مثل غرابيب سود على جثة شائحه
وبين الغيرة والانتقام تسرد عليه حلمها الذي ستنهيه بموته وقراءة الفاتحة على قبره فتقول:
سأحضر عرسك ضاحكة..
سوف أنفث سحري..
ووحدي شامتة فيك..أتلو على قبرك الفاتحه.
ان الحبيبة تستخدم ضدية في المعنى فهي استخدمت عبارة “عرسك” وهي تقصد جنازته.
وبالتالي فلئن رأى الحبيب حبيبته كالمهر المنهكة وقرأ عليها سورة الفاتحة لتهدئتها وبالتالي احيائها فالحبيبة رأته جثة هامده ميتا تقرأ على قبره سورة الفاتحه دعاء له بالرحمة .
وبين الانهاك والموت وبين التهدئة والدعاء بالرحمة تنتصر الحبيبة على حبيبها في الحلم وتستعيد كرامتها وتتحدّى غيرتها لعلها تجعله يراجع حسابه في اغاظتها وإثارة غيرتها والتعريض بعلاقتها به وهي في ذلك تريد ان تلقنه درسا في “العاشقة التونسية”.
2- التميز بالدائرية(عودة الابطال بالظهور في المرحلتين)
يعود كل من الحبيب والحبيبة في القصيدتين من خلال:
*الحلم : كل من الحبيب والحبيبة يسرد حلمه على الآخر.
*تعبير الرؤيا فالحبيب طلب منها تعبير الرؤيا فاستهلت الحبيبة ردّة فعلها بتأويل رؤيا حبيبها. اما الحبيبة فتركت الرؤيا مفتوحة.
*التناص مع النص القرآني في:
– تعبير الرؤيا بقصة النبي يوسف والتي تواتر فيها تعبير الرؤيا ثلاث مرات.
– استخدام رويّ بالقصيدتين “الهاء الساكنة” يتناص مع آخر كل آية من آيات سورة الغاشية.
– التناص المعجمي(تضحك/ ضاحكة – سيدتي/سيدي – حلمت/ تحلم/ رتلت/ اتلو- الفاتحه/الفاتحه).
ان كل هذه التناصات تجعل بين القصيدتين خيطا رفيعا رابطا.
ترى ما جدوى هذا الخيط الرفيع الرابط بين القصيدتين؟؟؟
3- حصول نفع القراءة من أي قصيدة تبدأ..مع خيط رفيع رابط بينهما.
ان العنوان الشامل لثنائية القصيدة (ما تأويل رؤياي؟) يجسد هذا الخيط الرفيع الرابط بين ثنائية القصيدة.
ان هذا الخيط الرابط يمكن القارئ من حصول نفع القراءة من أي قصيدة من القصيدتين :
– قد يستطيع القارئ قراءة القصيدتين كما وردت بترتيب المبدع فتكون إثارة الحبيب لغيرة الحبيبة بالقصيدة الأولى سببا في ردّة فعل الحبيبة بالقصيدة الثانية.
– قد يستطيع القارئ قراءة القصيدتين من الأسفل الى الأعلى أي بدْءًا بالقصيدة الثانية صعودا الى القصيدة الأولى فتكون ردّة فعل الحبيبة نتيجة لسبب إثارة غيرتها بالقصيدة الأولى.
انها ثنائية السبب والنتيجة او ثنائية النتيجة والسبب.
ان هذا الشكل المتحرك للقصيدة الثنائية يعكس المنحى التجديدي لدى المبدع الثائر على الشكل الثابت للقصيدة القديمة.
وفي هذا الاطار من شكل ثنائية القصيدة قد استطاع المبدع ان يجسد للقارئ:
+ الصرا ع في الثنائيات بين الحبيب والحبيبة وبين الذكر والانثى وبين الغيرة وردة الفعل وبين النتيجة والسبب. فلئن كان الحبيب يثير غيرتها ليغيظها فالحبيبة تتحدى هذه الغيرة لتقلب الطاولة على نيته المبيتة بردة فعل مدهشة ومذهلة.
+ التوازن بين الثنائيات في الشعروالفن :
ان الشاعر وازن بين القصيدتين واللوحتين :
فلئن كانت اللوحة الأولى للرسام الفرنسي ويليام أدولف بوجيرو تتزاوج مع القصيدة الأولى حيث يسعى الحبيب الى تهدئة الحبيبة المنهكة بسبب غيرتها.
فان اللوحة الثانية للرسام التشيكي “دافيد تشيري” تعانق القصيدة الثانية حيث تعلق العشيقات مثل غرابيب سود روح الحبيب في خشبة .
وبالتالي فان المبدع باستخدام شكل ثنائية القصيدة قد لعب بامتياز على تقنية الثنائيات صراعا وتوازنا شعرا وفنّا.
سلم قلم المبدع ثورة وتمردا على الشكل الثابت للقصيدة انتصارا للشكل المتحرك لها.
بتاريخ30/ 03/ 2025
المرجع:
https://drosama.com *
(18/11/2024) -أسرار وخبايا الرقم 2 Dr.Osama Alrashidi
قصيد: مَا تأويل رؤياي؟
ا===============(1)============
الحلم المعلق
ا========
أنا نائمٌ.. في غَمُومِ الرقاد، ضجيعٌ..
وربك لا يعتريه نعاس ولا سِنَةٌ…
وحلمتُ بك البارحهْ..
.
.
رأيتُكِ وقت المنام على ركبة
تجثمين بوجه الظلام
وجدتُكِ بالركن موحشةَ اللّوْنِ والرائِحَهْ..
.
.
وحتى أهدئ ما بكِ من خيفةٍ واضطراب
مسحتُ بكفي وظاهر خفي
ورتلتُ ما قد تيسر من سورة الفاتحه..
.
.
ياْ سيدتي ..
قفي عبري لي .. مَ تأويل رؤياي؟…
أني لمحتُكِ كالمهر منهكة بالوجيعة ثاويةً طائحه..
.
.
.
ا===============(2)============
عاشق التونسية
ا========
تقولُ: وتعبيرُ رؤياك ..
أخرى ستعقد عنها القِرَان
وتَحْسبُنِي للفجيعة بائرةً.. غاديةً.. رائحه..
.
.
وتضحك: يا سيدي لست وحدك تحلم ..
إني رأيتك تخنق نفسك
وجنبك في كل ناحية نائحه..
.
.
وكل العشيقات
سوف يُعَلّقْنَ روحكَ في خشْبَةً
وتراهُنَّ مثل غرابيب سودٍ على جثةٍ شائحه..
.
.
سأحضرُ عرسَكَ ضاحكة..
سوف أنفث سحري..
ووحديَ شامتة فيك… أتلو على قبرك الفاتحه..
.