قراءتي في قصيدة (ما تأويل رؤياي؟) للشاعر التونسي
Hamed Hadji
وتحليل علاقتها باللوحتين المصاحبتين لها
——
أ—-تــصــديــر
الشعر عند الشاعر ليس حادثا عرضيا في حياته إنما هو طريقة لوجوده الرومانسي كما أنه انتصار للذات…
———-
ب—-في رحـــاب الـقـصـيـدة
القصيدة ظاهريا متفرعة لقصيدتين رغم انها تحمل عنوانا يوحد شمولية المعنى ،و عن هذا التفرع نتج التكامل المعنوي والانسجام الحسي والتوازن وبتقديري اي عمل جمالي ابداعي ليكون مؤثرا فنيا لا بد من أن يحقق التكامل والتوازن والانسجام بين جزئياته ،والشاعر هنا وبكل وعي عمل على إبراز ذلك
حيث يرى الشعر هو الفن الذي يمتلك إمتاعا جماليا، ودفقا روحيا ونسقا لفظيا متناغما
1. —في (حـلـم مـعـلَّـق)
يبدأ النص بحالة من الرؤيا والحلم، حيث يكون المتكلم نائما، لكنه واعٍ بحلمه ومُدرك لتفاصيله والاستهلال بعزّزهذا التناقض، إذ يشير إلى أن (ربك لا يعتريه نعاس ولا سنة)، في تلميح ديني يضفي طابعًا قدريًا على الرؤيا (لا تأخذه سنة ولا نوم)
والرؤيا نفسها تحمل مشهدا كابوسيا: الحبيبة (أو المخاطَبة) تظهر في الظلام، موحشة اللون والرائحة، مما يضفي إحساسا بالخوف والغموض يذكر بسنيما الرعب والساحرة الشريرة التي تلقي التعويذات الطلسمية
والشاعر يحاول رقيتها وابطال هذا السحر بتهدئتها عبر لمسات جسدية (مسح بكفه وظاهر خفي)، وعبر قراءة آيات قرآنية، وكأن الحلم أخذ بعدا روحانيا ضمنيا…ونغوص معه في هذا الحلم الكابوس الذي يصل إلى ذروته بالسؤال التنبئي التالي (ما تأويل رؤياي؟) حيث ينتقل من رؤية المشهد والانغماس في تعاقب الاحداث إلى البحث عن تفسيره، مما يخلق إحساسا بالعجز أمام تصريفات القدر
2.— في (عاشق التونسية)
تأتي الإجابة من المخاطَبة نفسها، بشكل غير متوقع تماما بدلا من تهدئته، تخبره بأن رؤياه لها تفسير واحد ت
بمـعني أنه سيرتبط بامرأة أخرى، وأنها ستكون المتضررة…
ونحسّ أن الرد يحمل نبرة ساخرة وقاسية، وبكل استخفاف بمشاعره تصفه بأنه ليس الوحيد الذي يحلم، بل إنه رأى نفسه يخنق ذاته،
وهذه(الفعل) يضع العلاقة بينهما ضمن سياق العذاب المتبادل أي علاقة سلبية وسامة …وهكذا تتحول المخاطَبة من كائن يعاني في الحلم الأول إلى شخص منتقم في هذا المقطع حيث تعلن أنها ستحضر زفافه ضاحكة، وستنتقم منه عبر سحرها، بل وتتلو على قبره الفاتحة، وكأنها تتنبأ بهلاكه نتيجة ما حدث بينهما في إشارة إلى السحر الأسود (أو السحر المظلم أو الشعوذة وهو شكل من أشكال الشعوذة التي تعتمد على القوى الحاقدة أو الخبيثة المفترضة)
والتحول هنا يوحي بأن العلاقة بين العاشق والمعشوقة علاقة قهرية قائمة على الألم والخيانة والانتقام، وليست مجرد علاقة حب عادية تقليدية…
—ج— عــلاقــة اللـوحـتـيـن بالقصيدة
1–عاشق الإيطالية– ويليام أدولف بوجيرو
هذه اللوحة تصوّر عاشقا إيطاليا يحتضن محبوبته، ويتميز أسلوب بوجيرو بالرومانسية الكلاسيكية، حيث يُظهر تفاصيل الجسد والمشاعر بطريقة واقعية ومثالية
أمّــا العلاقة بين هذه اللوحة والقصيدة تأتي من تناقضها مع النص ففي حين أن اللوحة تبرز العشق في أوج لحظته الحالمة والمثالية وتخلّد أجمل ما في الحب نجد أن النص يقدّم الوجه الآخر للحب فهو لا يعدو ان يكون علاقة معذّبة تنتهي بالخيانة والانتقام… وتستمرّ عذاباتها بل تؤبّد حتى بعد كسر الخاطر وتحطيم القلب
فالعاشق في اللوحة يبدو مجتهدا جادّا متفانيا، بينما العاشق في القصيدة يعيش تحت تهديدات مصير المأساوي،وهذا يخلق مفارقة بين الصورة المثالية للحب والرؤية القاتمة التي رسمتها القصيدة…
2–الرجل المعلَّق– منحوتة دافيد تشيرني
هذه المنحوتة تصور شخصية سيغموند فرويد متدليا بيد واحدة من سقف مبنى، وكأنه على وشك السقوط. المنحوتة تمثل صراع فرويد مع ذاته، خصوصا فيما يتعلق بالتحليل النفسي والصراعات الداخلية بين الرغبات والوعي.
• العلاقة بين هذه المنحوتة والقصيدة تبدو أكثر وضوحا من اللوحة الأولى؛ فالقصيدة تقوم على فكرة (الحلم المعلّق)، حيث يكون الشاعر معلقا بين الواقع والرؤيا، وبين الحب والخذلان، تماما مثل الرجل المعلق في المنحوتة حيث يعيش حالة بين التمسك بالحياة وحب البقاء ووضع حد للحياة بالانتحار
في الجزء الثاني من القصيدة، نرى أن العاشق مهدد بالانتقام، مما يضعه في موقف هش شبيه بحالة الرجل المعلق فهو على حافة مصير مأساوي قد لا يستطيع الفرار منه وهو ضعيف
أعزل لا حيلة له لتغيير الأشياء للأفضل
أخــلـــص
القصيدة تستحضر تناقضات الحب والفقدان، حيث تبدأ بحلم غامض يتحول إلى نبوءة مخيفة اللوحتان تضيفان طبقات بصرية للمعنى؛ الأولى تقدّم صورة تقليدية مثالية للحب، بينما الثانية تعكس هشاشة الإنسان وصراعاته الداخلية، وهو ما يتماشى مع تحولات القصيدة من العشق إلى المصير القاسي
أخـــلـــص
لا ادّعي أنني انجزت تحليلا نقديا ولكن قدمت قراءة تأملية
عاشقة فيها لمحات ذوقية قد تسهل ولوج المعبد الشعري للشاعر وتذوق الإمتاع
والإدهاش والوجد…وهذا شخصيا أحسسته في انفاس
هذه القصيدة
———
الـقـصـيــدة
قصيد: مَا تأويل رؤياي؟
====(1)======
الحلم المعلق
ا========
أنا نائمٌ.. في غَمُومِ الرقاد، ضجيعٌ..
وربك لا يعتريه نعاس ولا سِنَةٌ…
وحلمتُ بك البارحهْ..
رأيتُكِ وقت المنام على ركبة
تجثمين بوجه الظلام
وجدتُكِ بالركن موحشةَ اللّوْنِ والرائِحَهْ..
وحتى أهدئ ما بكِ من خيفةٍ واضطراب
مسحتُ بكفي وظاهر خفي
ورتلتُ ما قد تيسر من سورة الفاتحه..
ياْ سيدتي ..
قفي عبري لي .. مَ تأويل رؤياي؟…
أني لمحتُكِ كالمهر منهكة بالوجيعة ثاويةً طائحه..
====(2)=====
عاشق التونسية
ا========
تقولُ: وتعبيرُ رؤياك ..
أخرى ستعقد عنها القِرَان
وتَحْسبُنِي للفجيعة بائرةً.. غاديةً.. رائحه..
وتضحك: يا سيدي لست وحدك تحلم ..
إني رأيتك تخنق نفسك
وجنبك في كل ناحية نائحه..
وكل العشيقات
سوف يُعَلّقْنَ روحكَ في خشْبَةً
وتراهُنَّ مثل غرابيب سودٍ على جثةٍ شائحه..
سأحضرُ عرسَكَ ضاحكة..
سوف أنفث سحري..
ووحديَ شامتة فيك… أتلو على قبرك الفاتحه..
.
.
.
ا===== أ. حمد حاجي ======
ا======
المنحوتة الاولى :
عاشق الايطالية .
للرسام الفرنسي ويليام أدولف بوجيرو ( 1825-1900)
.
اللوحة الثانية:
الرجل المعلق
هي عبارة عن منحوتة لسيغموند فرويد
للرسام الفنان التشيكي “دافيد تشيرني” نصب موجود بمدينة براغ بجمهورية التشيك.
الشاعر حمد حاجي
فائزه بنمسعود
Québec/1/4/2025