للمهتمين بأدب القصة القصيرة جدا وقراءتها، هذا أنموذج قراءة لقصتي ( تأميم) بقلم الأديب القاص المؤلف والناقد التونسي الكبير / فتحي بوصيدة.
أحد أرباب هذا الفن ومحكميه الدوليين في المسابقات العربية، فشكرا لك أستاذنا القدير بحجمك وحجم الحب…
النص :
تأميم
سأل أعرابي طفلا عربيا، أقرأ منه لكتاب الله :
_ ورثت سجادة رومية عن جدي الحادي والعشرين، أعلاها صورة رجل دين، أوسطها عملات نقدية، أسفلها زعيم سياسي،
هل تجوز صلاتي عليها ؟
_ نعم، إن طويتها تحت قدميك.
فما برح إلا وقد بسطها على منبره، يدعو منتحبا حفظ ولاة أمور أمورهم، وفك أسر المعتقلين.
نجيب صالح طه ( أمير البؤساء)_ اليمن.
______________
القراءة :
### **قراءة تحليلية للقصة القصيرة جداً “تأميم”**
العنوان (“تأميم”)
هو نقل ملكية شيء ما من القطاع الخاص إلى العام، أو جعله ملكًا للدولة/الشعب. هنا، قد يكون العنوان إشارة إلى “مصادرة” الرموز الدينية والسياسية والاقتصادية من سلطتها المفترضة، أو تحويلها إلى أداة جماعية بدلاً من كونها مقدسة أو غير قابلة للنقد.
و قد يكون تلميحًا إلى “تأميم” الخطاب الديني والسياسي، أي جعله خاضعًا لإرادة الناس بدلاً من كونه سلطة فوقية.
أما رمزية السجادة الرومية
ايحاء إلى صورة رجل الدين (أعلاها) السلطة الدينية الموروثة، والتي غالبًا ما تُوضع في مكانة عالية.
( أوسطها )لعملات النقدية الرامزة إلى الاقتصاد والمال، القوة المادية التي تقع في قلب الصراعات.
صورة الزعيم السياسي (أسفلها)السلطة الزمنية، التي تُوضع في الأسفل لكنها حاضرة بقوة.
-السجادة نفسها قد ترمز إلى التراث أو الهوية أو النظام الاجتماعي الذي يجمع بين هذه الرموز في نسيج واحد.
– سؤال الأعرابي والجواب الحاسم
– السؤال عن “جواز الصلاة” على السجادة يطرح إشكالية الشرعنة الدينية للسلطة (الدينية، الاقتصادية، السياسية). هل يمكن أن تتعايش العبادة مع هذه الرموز؟
– إجابة الطفل الذكية: “نعم، إن طويتها تحت قدميك” تحمل حلًّا ثوريًّا: لا بأس باستخدام هذه الرموز، لكن بشرط إخضاعها (طيها تحت القدمين)، أي عدم تقديسها أو السماح لها بالسيطرة.
-المفارقة في النهاية
– بدلاً من أن يطوي الأعرابي السجادة تحت قدميه (أي يُخضع الرموز لسلطته)، بسطها على المنبر، مما يعني أنه أعاد إنتاج نفس النظام القديم، حوّل السجادة إلى منصة خطاب (منبر)، أي استخدمها كأداة للسلطة مجددًا.
– انتحابه “لفك أسر الأسر المعتقلين” قد يكون صادقًا، لكنه ظلّ أسير السجادة نفسها، أي أن خطابه تحول إلى جزء من النظام الذي ينتقده.
– عبارة “طوَتْه هو” في النهاية توحي بأن السجادة (الرموز الموروثة) امتصته بدلاً من أن يسيطر عليها، مما يعكس فشل محاولات التغيير حين تبقى البنى القديمة مسيطرة.
من جانب القراءة السياسية/الاجتماعية
– القصة تنتقد الدور المزدوج للمثقف أو الخطيب الذي يدعو للتغيير لكنه يقع في فخ استعادة نفس الأدوات التي يرفضها.
– قد تكون السجادة رمزًا للدولة أو النظام العربي الذي يجمع بين الدين والمال والسياسة، ويبقى الناس أسرى له حتى عندما يحاولون تغييره.
– الطفل الذي قد يرمز إلى البساطة أو الجيل الجديد يقدم الحل الجذري لكن الكبار يعيدون إنتاج الأزمات نفسها.
أم إيحاءات النص الأدبية
فالقصة تعتمد على الإيجاز المكثف حيث كل كلمة تحمل دلالات متعددة.
واستخدام المفارقة والسخرية في نهاية القصة يعمق تأثيرها النقدي.
– الجملة الأخيرة طوَتْه هو” تُغلَق القصة بخاتمة قوية، تاركة القارئ مع تساؤل: هل يمكن كسر هذه الدائرة؟
-الخلاصة
“تأميم” قصة قصيرة جدًا، تحمل رؤية نقدية عميقة لعلاقة السلطة (الدينية، الاقتصادية، السياسية) بالمجتمع، وكيف أن محاولات التحرر منها قد تسقط في فخ إعادة إنتاجها. النص يطرح سؤالًا عن إمكانية التغيير الحقيقي دون الوقوع في شباك الرموز القديمة.
دمت بهذا العمق أخي الغالي المبدع أستاذ نجيب.
أ/ فتحي بوصيد_ تونس.