قراءة نقدية على القراءة النقدية:
“الرواية بين الرمزية و المقاربة الميتا روائية”
الناقد يونس شعبان الفنادي (ليبيا)
الفصل الثاني من “بستان الخضراء”المتعلق برواية “الملائكة لا تطير” للمبدعة التونسية فاطمة بن محمود.
ناقدة النقد جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
لقد تناول الناقد الليبي يونس شعبان الفنادي في نقده المتعلق ب “من بستان الخضراء” رواية “الملائكة لا تطير” للروائية المبدعة التونسية فاطمة بن محمود.
انها قراءة وازنة لنص موزون:
1 – التثمين للقراءة النقدية :
* ادراج الناقد قراءته النقدية ضمن عنوان شامل “من بستان الخضراء” وهو عنوان يشي بازدهار الأدب بتونس.
* تلميع صورة الأنوثة الابداعية ص(33).
* تفكيك المعنى الدلالي للعنوان “الملائكة لا تطير” باعتبار أن العنوان هو معنى مصغر لمحتوى الرواية ص(34/35).
* التناص الداخلي بين رواية “الملائكة لا تطير” والمجموعة القصصية “الغابة في البيت” للروائية فاطمة بن محمود المسكونة بنفس القضية ص(35).
* الرواية تنحو نحو العالمية باستهداف العقول الانسانية في المطلق ص(35).
* تسليط الضوء على الفكرة الرئيسية المتمثلة في الاغراق في الفكر الديني المتطرّف الذي جعل من البطل سيْفا جلادا وابنته نور ضحية ص(36).
* التركيز على كل مقوّمات السرد (الاطار الزمكاني/الشخصيات /الأحداث) وأركان السرد (الوصف والحوار) ص(35/ 36).
وهذا يتناغم مع زاوية النظر التي اختارها الناقد كعنوان لقراءته ” جرأة الاختيار ومتعة السرد في مواجهة التطرف”.
* التدليل في القراءة النقدية بمقاطع نصية من الرواية أو ما يصطلح عليه في نظرية التلقي بالذخيرة النصية وهذا ممتاز.
* اعتبار الرواية تأريخ لوقائع الحياة السياسية والاجتماعية باليوم والشهر والسنة
وهذا مؤشر على واقعية أحداث الرواية ص(37).
* ذكر العديد من مصادر وتقنيات السرد ص(37/38/39/40/41/42/43) .
*التناص الخارجي للرواية مع روايات عربية أخرى يرتقي بها نحو الشمولية ص(43).
* تناص رسائل نور الى نيتشه مع رسائل العديد من الأدباء ص(43).
* المزاوجة بين أدب الرواية وأدب الرسائل ص(44).
* اقتراح نهاية مفتوحة لفتح باب التأويل أكثر ص(47).
* الحيادية في النقد .
وفي هذا الاطار فان قراءة الناقد يونس شعبان الفنادي لرواية “الملائكة لا تطير”
للروائية التونسية فاطمة بن محمود هي قراءة عميقة عالمة بأدواتها.
شكرا للناقد على اثراء “بستان الخضراء” بهذا النص القرائي الموازي للرواية.
بيْد أن الاضافة دائما محمودة طالما كانت غايتها انصاف الكاتبة والاثراء ومتعة التأويل:
2 – القراءة على القراءة (النقد على النقد):
“الرواية بين الرمزية والمقاربة الميتا روائية”
باعتبار أن الناقد قد اختار تكييف قراءته النقدية الى كل مقومات السرد حبّذا لو تمّ مزيد التركيز على الشخصية:
أ – في رمزية ودلالة الشخصية بالرواية:
“تحتل الشخصية مكانة مهمة في بنية الشكل الروائي فهي من الجانب الموضوعي أداة ووسيلة الروائي للتعبير عن رؤيته وهي من الوجهة الفنية بمثابة الطاقة الدافعة التي تتحلق حولها كل عناصر السرد على اعتبار أنها تشكل المختبر للقيم الانسانية التي يتمّ نقلها من الحياة ومجادلتها أدبيا داخل النص لدرجة أن بعض المهتمين بالشأن الروائي يميلون الى القول بأن” الرواية شخصية “بمعنى اعتبارها القيمة المهيمنة في الرواية التي تتكفل بتدبير الأحداث وتنظيم الأفعال وإعطاء القصة بعدها الحكائي بل هي المسؤولة عن نمو الخطاب داخل الرواية باختزاناته وتقاطعاته الزمانية والمكانية”(1).
باعتبار أن الناقد قد اختار زاوية النظر كل مقومات السرد (الاطار الزمكاني/ الأحداث/ الشخصيات).
حبذا لو تم التركيز على مشروعية اختيار الكاتبة اسم “سيف” واسم “نور” إنْصافا لها واثراء للقراءة النقدية بمزيد التأويل فالكاتبة لم تختر الإسم اعتباطا:
+ “الرواية وتعدّد الرمزية “في اسم “سيف”
لا شك أن التعددية الرمزية حاضرة في ذهن الكاتبة فاطمة بن محمود عند اختيار اسم “سيف” للشخصية الرئيسية.
بيد أن الناقد يونس شعبان الفنادي لم يُسلط الضوء على دلالة اسم سيف ورمزيته ولم يوضح هذه الرمزية وفق تعدّدها لتوظيفها في التحليل والتأويل.
حبذا لوتنا ول الناقد الرمزية من عدة جوانب وتوظيفها في مرحلتيْ التحليل والتأويل:
أ- الرمزية الوطنية لاسم سيف:
يرمز “السيف ” في شعار الجمهورية التونسية الى العدل و الأمن :
– هل كان سيف بطل الرواية عادلا مع ابنته التي أخضعها الى ختان البنات ؟
– هل كان عادلا مع زوجته المنقبة التي يخونها في المتخيل.؟
ب- الرمزية الدينية :لقد لقب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول دفاعا عن الاسلام الحق وسيف في الرواية يتاجر بالدين.
ج- الرمزية النفسية :
من وجهة نظر علم النفس لاسم “سيف” صفتان ايجابية وسلبية:
+ ايجابية اسم سيف:
– اسم سيف في حدّ ذاته ميزة وايجابية حتى أن اسم سيف أصبح مضافا يقتضي مضافا اليه يحمل عدة معاني: سيف الدين /سيف الحق/ سيف الاسلام /سيف الله/ سيف الدولة…
وبالتالي هل كان اسم سيف بالرواية حاملا لمعنى من المعاني المذكورة ؟
ان الكاتبة قد جرّدت اسم سيف بالرواية من كل المعاني الايجابية لإغراقه في التطرف الديني وتسليط الضوء على تسلطه وغطرسته.
+ سلبيات اسم سيف:
– التردد في اتخاذ القرارات:
سيف الرواية يعيش ترددا بين زوجته المنقبة و الاشتهاء الذي يسيطر عليه لحبيبته الاولى ص (47).
– سرعة الغضب فسيف الرواية يطغى عليه الفكر الذكوري ص ( 41/42/43) ص(46).
– التفكير كثيرا في أخطائه ويعاقب نفسه (تناقض شخصية سيف مع نفسه ومع أخيه في الدين صابر) ص (39) ص(37): واذا بسيف الرواية يخرج من السجن من النقيض الى النقيض.
د- الرمزية الأخلاقية:
اسم سيف يجد راحته النفسية في الحياة الزوجية وسيف الرواية لايستمتع مع زوجته بل يخونها وهو معها بالفراش(في المتخيل).
ه- الرمزية السياسية:
ان سيف الرواية في خدمة الاسلام السياسي المتطرّف :
– ولنا في شخصية” سيف” الدولة الحمداني مثال سيّئ في الدهاء السياسي الذي جعله يُبقي على ابن عمّه أبي فراس الحمداني في السجن أسيرا خوفا من أن يسلبه السلطة.
– ولنا في ملك اليمن “سيف” بن ذي يزن مثال جيد في العدل والحكمة حين وقع اليمن تحت سيطرة الفرس وقولته الشهيرة” استبدلنا أسيادا بأسياد “.
فهل كانت لسيف الرواية الحكمة وهل كان له العدل وهو ينتصر للاسلام السياسي بما فيه من ارهاب؟.
+ الرواية وتعدد الرمزية في اسم شخصية نور:
* الرمزية الدينية: لقد اقترن اسم نور بسورة النور “والله نور السماوات والارض” (الآية (35) من سورة النور) لاضفاء القداسة على اسمها.
فهل كانت الطفلة نور العائلة وهي الضحية؟؟
* ايجابية اسم نور : لقد اقترن اسم نور بعدة معاني ايجابية : نور الله/ نور الحق/ نور الدين نور المعرفة..
ان كل هذه المعاني الايجابية قد تجمعت في شخصية نور ويمكن اختزالها في معنييْن:
– المعنى الديني: إيمانها القوي بالله ص(38).
– المعنى المعرفي :تجلى هذا المعنى من خلال تساؤلات نور التي تخاطب فيها الله ص(38). ومن خلال رسائلها الى الفيلسوف نيتشة ص(43/ 44/ 45/ 46).
ولعل الكاتبة هنا تندد بواقع مرير جعل من ملامح شخصية نور الايجابية تنقلب عليها لتكون الضحية.
ولعل الكاتبة لم يكن تشاؤما منها أو انهزامية في جعل النهاية تنتهي بانتحار “نور” بل لعلها تريد أن تسلط الضوء على مدى نضال نور الى حد التضحية بنفسها للاعتبار بنضالها المستمر من أجل هدْم واقع مرير والتأسيس لواقع آخر.
ان في تضحيتها رفض للموجود وتوْق للمنشود.
وبالتالي فنور ناضلت على مستويين:
– المستوى المعرفي في رسائلها مع نيتشه.
– مستوى التضحية في النضال بالنفْس ولعل الله يغفر لها “قتل النفس التي حرّم الله الا بالحق” ويعتبرها شهيدة القهر والعقلية المتطرفة في الدين.
وفي اطار رسائل نور لنيتشة يمكن مقاربة رواية “الملائكة لا تطير” مقاربة “ميتاروائية”.
يقول الناقد يونس شعبان الفنادي فيما يتعلق بالرسائل ص(47):
” ان صياغة هذه الرسائل الخمس بكل الدقة اللغوية..تثبت أن الكاتبة أنفقت الكثير من الوقت و الجهد لاظهارها بهذا المستوى العميق فكريا والمثري لمضمون ورسالة النص السردي موضوعيا. وفعلا فقد جعلت الرواية تحتضن جنسا آخر في ثناياها”.
صحيح ما قاله الناقد من أن الرسائل قد أضفت مستوى عميقا فكريا وأثرت مضمون ورسالة النص السردي وزاوجت بين جنس الرواية وأدب الرسائل.
بيد أن ما ذكره الناقد لايتعدي المظهر في حين أن الكاتبة لم تكن لتضمّن روايتها تلك الرسائل للأسباب التي ذكرها الناقد فحسب بل فان الكاتبة ضمّنت تلك الرسائل لروايتها وهي تنْحَتُ الجوهر في روايتها أكثر من المظهر.
ان هذه الرسائل الخمس هي نصوص موازية للرسالة على حد قول الناقد محمد بنيس..
انه السرد داخل السرد أو ما يصطلح عليه بحديث الرواية عن نفسها و بهاجسها.
انه مصطلح “الميتا رواية”
والكاتبة فاطمة بن محمود مسكونة بهاجس كتاباتها وهي تقول في موضع آخر:
” الكتابة تصفية حساب..أكتب لأصفّي حسابي مع الوعي السائد والدكتاتورية
بمختلف أشكالها والجهل المقدس والكتبة وقطعانهم .
أكتب ضدّ الموت وضد اللون الواحد والمعلم الواحد والسماء الواحدة.
أكتب حتى يتسع العالم فيصبح عوالم…في الاختلاف حيوات وجمال”
وبالتالي فالذات الروائية للكاتبة تحمل هاجس الكتابة وهو ما يصطلح عليه بالميتاسرد أو الميتاقص أو الميتا رواية.
ب – مقاربة الرواية مقاربة ميتا روائية:
مفهوم الميتارواية:
” الميتاروائي يعدّ نسقا سرديا جديدا يعتمد على الثنائيات والتناقضات وهو يدمر الاعتماد الذي شكل لدى المتلقي لقبول الوقائع والأحداث والتماهي بالشخصيات
يقوم الروائي عبر توظيف السرد الميتاقصي باستخدام الآليات والمؤشرات التي يخلق خلالها النظام الروائي والمنطقية في السرد كاحتكاك العالم المتخيل بالواقع
وتمازج الرواية بالنقد والاعتراف بصناعية الرواية عبر دخول الروائي المباشر في السرد”(2).
ان الكاتبة الروائية فاطمة بن محمود قد استخدمت الرسائل الخمس لممارسة النقد
بالرواية ..انه دخول مباشر للروائية في السرد فألقت بتلك الرسائل بطريقة ذكية بين يديْ “نور” التي مهّدت لها منذ البداية لتكون نور المعرفة.
هذه الرسائل الخمس هي نصوص موازية كما يسميها الباحث محمد بنيّس وهي تعبّر عن هاجس الرواية وهي تتحدث عن نفسها.
ان الكاتبة فاطمة بن محمود قد جعلت البطلة نور من خلال هذه الرسائل تقلب الطاولة على عدة مفاهيم من خلال توظيف تقنية الثنائيات..
انها تهدم لتؤسس.
انها تقوّض لتبني.
انها ترفض لتدعم..
+ الرسالة الأولى:ان نور تهدم المفاهيم الخاطئة للممارسات الدينية لصالح المفاهيم السليمة ص(44).انها تهدم مفهوم التطرف الديني وتؤسس لمفهوم الوسطية في الاسلام المعتدل(انها تصلي..)
+ الرسالة الثانية: ص (45) – ثنائية الأخلاق النسبية والأخلاق الثابتة الكونية.
– ثنائية العقل الانساني والدين.
+ الرسالة الثالثة : ص(45/46) :- ثنائية المرأة والانسان
– ثنائية المراة والحقيقة
– ثنائية الوعي الذكوري والوعي الانوثي
+الرسالة الرابعة:ص (46): – ثنائية الحب والكره للوالدين.
– ثنائية الضحية والجلاد.
+ الرسالة الخامسة:ص(46) : – ثنائية الفلسفة والحياة
ثنائية الايمان والعقل.
من خلال هذه الثنائيات فان الكاتبة من وجهة نظر ميتاروائية وباسم نور تهْدم مفهوما لتؤسس لمفهوم آخر وهي في ذلك تنشد الجديد الذي يجسّد هاجس الرواية.
وخلاصة القول فان تعدد الرمزية لاسم “سيف واسم نور” و مقاربة الرواية مقاربة ميتاروائية فيهما انصاف للكاتبة وفي نفس الوقت يضفيان على دراسة الناقد مزيدا من الافاضة في التحليل و الاثراء في التأويل.
شكرا للناقد المتميز يونس شعبان الفنادي و للكاتبة المبدعة فاطمة بن محمود على منحي فرصة الاستمتاع بالقراءة على القراءة.
بتاريخ 05/ 04/ 2025
المراجع:
https://www.alquds.co.uk>..(1)
الشخصية ومحلها في الرواية- القدس العربي.
https://journals.iau.ir(2)
الميتاروائي ومؤشراته في رواية “لعبة النسيان”لمحمد برادة(دراسة سرديةنقدية).