⸻
منظف المداخن
(لوحة للفنان الروسي فيرس سيرغييفيتش زورافليف، 1875)
النص:
.
.
وحتام أَفْجَؤُها..
وأفاتِحُها الحُبّ..
أجنحُ للبوح والهمسات وتذبيلةَ الجفن والمُقَلِ..
.
.
أمرّرُ صوتي شجيًّا بمسمعها،
حاجة الزهر للنوء…
أو حاجة الصبّ للغَزَلِ..
.
.
ولو أن لي نَفَسًا، لاستعرتُ
مزاميرَ داوودَ…
بعض نَواغِمِ مَطْرَبِهِ الجَزِلِ..
.
.
لقد ضجّ
من حولنا العاذلون…
فما أتعس الحب من غير همس ولا غزل
.
.
أرفرف حولي..
طروبًا..
أليست تحوم مزقزقة عند أوكارها الطيرُ تشدو بلا كَلَلِ..
.
.
ومنتظرًا كالعصافير تأتي..
وأحسبُ قلبي يدقّ بأضلاعها ..
وأظن النسيم على خدّها باقياتٌ من القُبَلِ ..
.
.
ولا شيء أهديه غيرُ الكلام..
المجاز..
وماذا أنا قائلٌ والرسالة لم تصل؟
.
.
أجيءُ إليها تعرّت ضلوعي
وقد عضني الشوق…
ما أقبح الخطو أمشي إلى باقيات من الطللِ
.
.
ولو أنّ مضغةَ قلبي
ترتاح في راحتي وشواطئها
وتنام بكفيّ على الرحب والمَهَلِ
.
.
لأهديتُها نَبْض قلبي وشريانَه ودماءه…
أوْ
لتقاطعتِ الشهقاتُ تقاطع خطين بالرّمَلِ..
.
.
أحبُّ أواعدها
إنني في الصبابة مثل الغزال
ولكنْ بحضرتها كالجدار أتمتم كالجُعَلِ..
.
.
فما أبلد العاذلين
وما أروع الحب عند اللقاء
وما أقبح الجوع والفقر والبؤس بالرّجُلِ..
⸻
قراءة ذاتية في قصيدة “منظف المداخن”
للشاعر د.حمد الحاجي
بقلم: راضية بصيلة
حين وقعت عيناي على عنوان القصيدة، “منظف المداخن”، شعرت بشيء من المفارقة: صورة مهنية متعبة، مغبّرة، لا تملك بريق العناوين الشعرية المألوفة، لكنها تخبّئ تحت طبقات السخام قلبًا يلمع، عاشقًا يتنفس من ثقب صغير بين الرماد.
هذه القصيدة لا تُقال، بل تُستشعر. كأنها همس داخلي، يتهجّى الحب في لحظة صمت، لا يطلب مقابلاً، لا يصرخ، بل يكفيه أن يكون حاضرًا في الظلّ. الشاعر هنا لا يُحب كما يحب الشعراء، بل كما يحب الذين لا يملكون شيئًا سوى أصواتهم المرتجفة وأحلامهم المؤجلة.
تفيض القصيدة برهافة حسّ نادر، بجُملٍ خافتة لكنها مشحونة، كأنها وُلدت من قلب أنهكته المواعيد الخائبة والرسائل التي لم تجد طريقها. اللغة فيها تُشبه المطر الخفيف الذي لا يُغرق الأرض، لكنه يترك أثره في الذاكرة. مجازاتها ليست استعراضية، بل حميمة، تشبه نظرة طويلة في عيون الحبيبة، أو رفة جفن خجولة، أو نسمة تعبُر دون أن تُحدث ضجيجًا.
أعجبني كيف يقف المتكلم في منتصف المسافة بين الرغبة والكتمان، كيف يخجل من صوته رغم امتلائه بالشوق، وكيف يصمت لأن الهدايا معدومة، لكن المشاعر تفيض. الحب في هذا النص لا يحتاج للغة فاخرة، بل لصدقٍ عارٍ، ولهذا جاء عميقًا رغم بساطته.
“منظف المداخن” هو كلّ عاشق يشعر أنه لا يليق بالضوء، لكنه يحمل داخله شمسًا صغيرة لا تنطفئ. هو العاشق الذي لا يَلفت الأنظار، لكنه يكتب أجمل رسائل العشق في قلبه، بلا بريد ولا طوابع.
قصيدة عن الحب المستور، النبيل، الذي لا يُعلن نفسه، لكنه يتركنا بعد قراءته أكثر قربًا من أنفسنا، وأكثر حنينًا لما لم يحدث