قراءة نقدية: “القصيدة بين الواقعية والتحليل النفسي”
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة :”منظف المداخن”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “القصيدة بين الواقعية والتحليل النفسي”
سأبني قراءتي النقدية انطلاقا من ثنائية العنوان والقفلة:
أ – العنوان:
اختار المبدع حمد حاجي عنوانا لقصيدته منظف المداخن الذي اقترن بأسطورة
علاقة منظف المداخن والحظ السعيد فهو رمز للحظ لكل من يصادفه (1).
ومنظف المداخن هو الشخص الذي ينظف المداخن بإزالة السخام منها وهي من أقسى المهن وأكثرها شقاء.
وبالتالي هل ان منظف المداخن الذي جمع بين اسطورة الحظ السعيد وواقع قسوة هذه المهنة له دلالته بقصيدة مبدعنا؟
ب – القفلة :
ختم مبدعنا قصيدته بقفلة قائلا:
فما أبلد العاذلين
وما أروع الحب عند اللقاء
وما أقبح الجوع والفقر والبؤس يا رجل..
لقد استخدم المبدع أسلوبا انزياحيا تركيبيا قائما على ثنائية الاعجاب والذمّ:
– ذمّ للعاذلين وللجوع والفقر والبؤس
– اعجاب بروعة الحب عند اللقاء.
وفي هذا الاطار فان المبدع يشي للقارئ بمعاناة هذا الحبيب بسبب قسوة مهنته وبسبب العاذلين و فقره وجوعه وبؤسه.
ان المبدع يُوهمنا أنه يسوق لنا حالة اجتماعية واقعية من المعاناة لهذا الحبيب الكادح في عمله والمتخبط في فقره وجوعه وبؤسه.
بيْد أن المبدع لا يخفي عنّا أن هذا الحبيب الكادح يعيش حالة نفسية قائمة على ثنائية الاسقاط والتبرير:
– “الاسقاط هو حيلة دفاعية من الحيل النفسية اللاشعورية وعملية هجوم يحمي
الفرد بها نفسه بالصاق عيوبه ونقائصه بالآخرين كما انها عملية لوم للآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يضعونه أمامه من عقبات وما يوقعونه فيه من زلات او أخطاء وهو آلية نفسية شائعة يعزو الشخص بواسطتها للآخرين أحاسيس وعواطف ومشاعر قد كبتها بداخله”(2).
– التبرير: “يعتبر علم النفس عملية التبرير بأنها عملية لا شعورية يقوم بها الفرد بخلق أعذار او أسباب يبدو للوهلة الأولى منطقية ومقنعة ولكنها ليست الاسباب الحقيقية والدوافع الفعلية وراء السلوك”(3).
ج- تجليات الإسقاط والتبرير بالقصيدة:
1 – الاسقاط:
ان الحبيب الكادح يشعر في لاوَعْيه أنه مظلوم من قسوة مهنته ومن العاذلين ومن الفقر..انها ثلاثة عوامل أثرت على نفسيته فألقى اللوم عليها على ما فشل فيه بسبب العقبات التي وُضعت أمامه:
+ عقبة قسوة المهنة الشاقة:
ان قسوة مهنة تنظيف المداخن جعلت مشاعره متعبة ومنهوكة متأففا من الوقت الذي لم يسمح له بالبوح بالحب لحبيبته ويكتفي بالهمسات والاشارة بالعين فيقول:
وحتام أفجؤها
وأفاتحها الحب..
أجنح للبوح والهمسات وتذبيلة الجفن والمقل..
وحتي صوته بمسمعها كان ناعما حزينا ومؤثرا ومحركا للعواطف فيقول:
أمرر صوتي شجيا بمسمعها
حاجة الزهر للنو..
او حاجة الصب للغزل..
وأكثر من ذلك فإن تعبه قد جعله يتمني لو كان له نفس ليطربها بمزامير داوود ترنيما وترنما لكن قواه المنهوكة جعلته يتمنى والتمني طلب المستحيل فيقول:
ولو أن لي نفسا لاستعرت
مزامير داوود..
بعض نواغم مطربة الجزل..
+ عقبة العاذلين : إنه يلقي اللوم على العاذلين
انها رهبة من العاذلين الذين يضج بهم المكان.
والعاذلون هم كثيرو اللوم والعتاب.
فعلام يعاتبونه؟
هل يلومونه على البوح بمشاعر الحب وهو منظف المداخن؟
هل يلومونه على حقه في الحب؟ فيقول:
لقد ضجّ
من حولنا العاذلون..
فما أتعس الحب من غير همس ولا غزل
ان تعبه من مهنته الشاقة جعله بين رغبة ورهبة:
– رغبة في البوح بحبه لها.
– رهبة من العاذلين الذين يخنقون أنفاسه
والمبدع قد جسد صراعه بين الرغبة والرهبة بتلك اللوحة المصاحبة بعنوان “منظف المداخن” والتي رسمها الفنان الروسي فيرس سير غييفتش زورافليف سنة 1875 والتي تعبّر بامتياز على ازدواجية المشاعر بين الرغبة والرهبة من البوح بمشاعر الحب وهو منهوك القوى بذاك الانحناء بظهره ولعل المرأة أيضا عبرت عن ذلك باستغرابها من حركته المترددة.
+ عقبة الفقر والبؤس والجوع:
لقد شخص الحبيب الفقر ليلومه لأن الفقر قد حال دون تقديم هدية لحبيبته عربون حب لها فيقول:
ولا شيء أهديه غير الكلام..
المجاز..
وماذا انا قائل والرسالة لم تصل
وفي هذا الاطار من الإسقاط النفسي والقاء اللوم على الآخر من قسوة العمل التي أرهقته ومن ضجيج العاذلين الذي خنقه ومن الفقر الذي جعله عاجزا على تقديم هدية لحبيبته نراه يسعى لخلق أعذار لتبرير تجاوز العقبات.
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- التبرير:
– تبرير عقبة قسوة المهنة:
يقول:”أجنح للبوح والهمسات وتذبيلة الجفن والمقل” فهو يكتفي بالهمسات والاشارة
– تبرير عقبة العاذلين :
انه يستبدل القرب منها بتخيل المتعة بينه وبين نفسه فيقول:
أرفرف حولي ..طروبا..
أليست تحوم مزقزقة عند أوكارها الطير بلا كلل..
ومنتظرا كالعصافير تأتي..
وأحسب قلبي يدق بأضلاعها.
وأظن النسيم على خدها باقيات من القبل..
– تبرير عقبة العاذلين:
انه يلتمس لنفسه عذرا من تجاوز عقبة العاذلين بأن جعل السبب كامن في نفسه
يقول:أحب أواعدها
إنني في الصبابة مثل الغزال
ولكن بحضرتها كالجدار أتمتم كالجعل..
– تبرير عقبة الفقر:
انه يلتمس عذرا لفقره الذي جعله غير قادر على تقديم هدية ليترفع ويهديها نبض قلبه لو أمكن له فيستبدل الهدية المادية بهدية وجدانية فيقول:
ولو أن مضغة قلبي
ترتاح في راحتي وشواطئها
وتنام بكفّي على الرحب والمهل
لأهديتها نبض قلبي وشريانه ودماءه..او
لتقاطعت الشهقات تقاطع خطين بالرمل.
وأكثر من ذلك فهو يبرر مشاعره المنهكة وخنق العاذلين له وعجزه لتقديم هدية لها بسبب فقره ..إنه يبرر تجاوز كل هذه العقبات بروعة حبه عند اللقاء فيقول:
“وما أروع الحب عند اللقاء”
وخلاصة القول فان المبدع حمد حاجي قد رسم لنا لوحة فنية واقعية لكادح عاشق محللا نفسيته لتجاوز كل العقبات من أجل الحب باستخدام آليتَيْ الاسقاط والتبرير في التحليل النفسي.
وبهكذا جمع بين الواقعية والتحليل النفسي قد صنع من منظف المداخن أسطورة
وجعل قصيدته تنحو نحو العالمية لترتقي الى كتابات الأديب الروسي العملاق فيودور دوستويفسكي المحسوب على التيار الأدبي الواقعي والمسكون بالتحليل النفسي أيضا.
سلم قلم المبدع حمد حاجي واقعية وتحليلا نفسيا.
بتاريخ 06/ 04/ 2052
المراجع:
https://apexchimneysweeps.co.uk(1)
هل يجلب تنظيف المداخن الحظ؟| شركة أبيكس لتنظيف المداخن في لندن
https://ar.wikipedia.org(2)
اسقاط نفسي – ويكيبيديا
https://iohsoub.com(3)
I/oالتبرير كأحد ميكانيزمات الدفاع وكيف فسر علم النفس ذلك- حسوب