قراءة نقدية مزدوجة: “الومضة الشعرية والقبلة”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي (تونس)
الومضة الشعرية :” اذا اقتربت..”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
الومضة الشعرية :” قبلة أخرى”
الناقدة جليلة المازني (تونس).
القراءة النقدية :” الومضة الشعرية والقبلة”
أ – المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي
استخدام الجملة الشرطية-
– موضوع القبلة
– المرجعية الدينية
ب المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1 – المبدع حمد حاجي ومخاض ولادة القبلة:
لقد تحدث الشعراء قدامى ومعاصرين كثيرا عن القبلة وتأثيرها في الحبيبين وأطنبوا في متعة تقبيل الشفاه وأفردوا قصائد كاملة لذلك.
بيْد ان مبدعنا حمد حاجي قد شذّ عن المألوف وخرج عن العادي ليختطف لحظة وجدانية ويرسم لنا لوحتين في مخاض ولادة القبلة والاستعداد لولادتها.
– صورة علمية.
– صورة دينية.
أ- الصورة ذات المرجعية العلمية:
لقد استند المبدع الى علم الحشرات ليصور لنا صورة تأثير اقترابه واستعداده لاستقبال قبلة الحبيبة وأثر اقترابه على شفتيه فيقول:
اذا اقتربت.. كأن على شفتي
منازل نمل وتثمل من قبل
تدركها القبل
ان المبدع اختار من علم الحشرات النمل ليشبه به شفتيه وهو يقترب ليستقبل قبلات الحبيبة فشبه شفتيه بمنازل نمل:
– لكثرة الحركة على شفتيه كدبيب النمل.
– لوصف حالة الضغط والتوتر التي هو عليها وهو يستعد لقبلات الحبيبة.
وهنا قد يُفِيدنا القارئ ليستحضر خاصية عند النمل قائلا:
“يعتمد النمل بشكل أساسي على قرون الاستشعار الخاصة به للتفاعل مع البيئة ومع النمل الاخر”(1 ) .
وبالتالي:
– هل أن المبدع الحبيب شبه شفتيه بمنازل النمل ليقنعنا بمدى استشعاره للتفاعل مع القبلات التي اقترب من أجلها ليستقبلها من الحبيبة؟
– هل أنه يريد أن يقنعنا أن اقتراب شفتيه من تلقي القبلة يعبّر عن توتره والضغط الذي يشعر به طامعا في زوال هذا الضغط بمجرد الفوز بالقبلة؟.
– هل أن ما يصفه المبدع الحبيب دليل على ارتفاع هرمون الحب لديه؟
– أم هو يريد ان يقنعنا بكل ذلك؟
لعل القارئ هنا يتدخل ليدعم كل ما يريد المبدع الحبيب إقناعنا به مستحضرا ما يلي:
“تعتبر الشفاه منطقة حساسة للغاية و تعتبر شفاه الذكور أكثر استجابة للمس الخفيف, درجة الحرارة والضغط كما أن التقبيل يؤدي الى إطلاق هرمونات تشارك في الحميمية وخاصة الأوكسيتوسين وهو ما يعرف بهرمون الحب”(2)
ان المبدع الحبيب يحوّل هذا الضغط على شفتيه بشعور بالانتشاء قبل تلقي القبل.فيقول:
“وتثمل من قبل تدركها القبل”
انه انتشاء المتصوّف وهو ينتظر التماهي مع الله أثناء المدح والأذكار.
لعله اختار النمل من الحشرات أيضا لأن في لغتنا الشعبية نصف الضغط على العصب بالتنميل الذي يزول بزوال الضغط والتوتر.
والنمل أيضا له قدسيته بأن خصّه الله بسورة في القرآن وبالتالي لعل مبدعنا الحبيب يستبشر بهذا التنميل الذي قد يعتبره ألمًا عابرا ستليه ولادة متعة ونشوة وانتشاء هو عاشها حتى قبل أن يدرك القبل.
ولعل هذه الصورة ذات المرجعية العلمية ستدعمها الصورة ذات المرجعية الدينية
في ولادة القبلة.
ب – الصورة ذات المرجعية الدينية:
بعد أن شبه شفتيه بمنازل نمل نتيجة التوتر والضغط لتلقي القبلة ها هو يستدعي الصورة الدينية وشخصية مريم العذراء في حالة المخاض فجعل شفتيه ترتعد كما هزّ مريم رعب المخاض فيقول:
وتأخذها رعدة مثلما هزّ مريم
رعب المخاض وضاقت بها
السبل.
ان وجه الشبه بين ارتعاد شفتيه ومخاض مريم العذراء هو ألم الولادة وأمل الولادة
انه ألم وأمل.
ان شفتيْ المبدع الحبيب تنمّلت وارتعدت وعاشت مخاضا وكلّه أمل في الولادة.
فأي ولادة ينتظرها مبدعنا الحبيب؟؟؟
انها ولادة القبلة التي اقترب منها ليستقبلها بشفتيه التي عاشت حالة مخاض.
بيد أن المبدع لم يقف عند الولادة بل أضاف “وضاقت بها السبل”
وقد قال تعالى في سورة مريم الآية (23) “فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا”.
ومريم العذراء تمنت الموت خوفا من العار المتوقع الذي قد يلحقها بسبب الحمل.
هل ان وجه الشبه من ولادة المسيح وخوف مريم العذراء من الاتهامات ان ولادة هذه القبلة قد تجلب العار على مبدعنا ؟؟؟
– لعل مبدعنا ومن وجهة نظر ميتا شعرية يهدم نظرة بالية للقبلة ويؤسس لنظرة متسامحة مع القبلة .
– لعله يقوّض نظرة حرام القبلة ليؤسس لنظرة حلال القبل.
– لعل مبدعنا وهو يضفي على ولادة القبلة قدسية ولادة المسيح يجعل من القبلة مقدّ سة.
– لعل مبدعنا الحبيب حمد حاجي لو يفوز بالقبلة التي كان ينتظر ولادتها قد لا يعتبرها حراما وهو في ذلك يتناص مع الشاعر يزيد بن معاوية الخليفة الأموي حين قال:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة /// مفرّقة بالكف والخدّ والفم
ووسّدتها زندي وقبلت ثغرها// وكانت حلالا لي لوْكنت مُحْرَمُ
وإن حرّم الله الزنا في كتابه/// فما حرّم التقبيل بالخد والفم.
وفي هذا الاطار من مخاض ولادة القبلة ما رأي المشاكس ؟؟؟
2 – المشاكس عمر دغرير وقبلة أخرى:
استهل المشاكس ومضته الشعرية بسؤال أول شرطي افتراضي استفزازي للمبدع الذي كانت قبلته في حالة مخاض لإمكانية جعل القبلة المولودة من نصيب المشاكس فيقول:
وماذا تقول لو شفتني :حين قربت من شفتيها فمي؟
لئن كان المبدع قد منح نفسه فرصة الاحساس ألما وأملا وهو يستعد لاستقبال القبلة فان المشاكس كان عمليّا ولم يمهل شفتيه لتعيش ما عاشته شفتي المبدع بل اختطف المتعة لشفتيه من شفتي المبدع فيقول:
قضمتني كحبة كرز. وماذا تراني سأفعل..
انها منتهى المتعة وشفتاها تقضم شفتيه .انها صورة شعرية حسية قائمة على التشبيه بين قضم شفتيه وقضم حبة الكرز في ليونتها وحلاوتها.
انها صورة رسمها المشاكس للمبدع مشحونة بشعورين:
– شعور المشاكس بالمتعة وهي تتلمّض شفتيه كحبة كرز .
– شعور المبدع بالألم والحسرة لأنه لم يعش بعدُ لحظة القبلة.
انهما شعوران تعمّد المشاكس من خلالهما إغاظة المبدع الذي كان يعيش مخاض ولادة القبلة ليختطفها منه ب”عملية قيصرية” ضاربا عرض الحائط وجع المخاض والوقت الضائع.
ولعل هذه الاغاظة هي دعوة خفية من المشاكس للمبدع لكي يغنم من “الحاضر برد اليقين” على حد قول عمر الخيام.
ويواصل المشاكس في نبرة مُتهكمة من المبدع وعبر سؤال استنكاري قائلا:
“وماذا تراني أفعل؟”
ان المشاكس يستمرّ في إغاظة المبدع بطرح ذاك السؤال لأنه يدرك تماما الجواب عنه فيقول:
فقط بذراعي حضنتها وهززتها كما هزّت الجذع
مريم العذراء فاساقط الحب نبيذا به الصبابة تثمل..
وفي هذا الاطار فان المشاكس يتناص مع المبدع في المرجعية الدينية المتعلقة بقصة مريم العذراء.
بْيد أنه فلئن اكتفى المبدع بوصف فترة المخاض لولادة القبلة في مقارنة بولادة المسيح وانتظاره وهوبين ألم وأمل فان المشاكس قد تحدّى وجع الولادة ومخاضها لتكون متعة القبلة المولودة بين شفتيه.
والمشاكس رسم صورة شعرية حسية بامتياز فشبه نفسه وهو يحضن الحبيبة ويهزها بمريم العذراء وهي تهز جذع النخلة لتتغذى بالرّطب .
والمشاكس يتغذّى بنبيذ القبلة التي تسكره.
وفي هذا السياق فان كلا من المبدع والمشاكس قد استهل ومضته الشعرية بجملة
شرطية .
بيْد ان جملة الشرط لدى المبدع اقتضت جملة جواب الشرط لان أداة الشرط (إذا)
ترد في مواضع الشرط الواجب اليقيني الذي لا بدّ أن يتحقق وهي في محل نصب ظرف زمان.
أما جملة الشرط الاستفهامية لدى المشاكس( ماذا تقول لو شفتني: ) فقد ترك جوابها مفتوحا للقارئ من خلال تلك الفجوة النصية(…) فقد يجد لها القارئ الجواب في تلك الضحكة التي ارتسمت على وجه المبدع من خلال الصورة المصاحبة للومضة الشعرية التي قد يكون المشاكس انتقاها عن قصد ليجعل
المبدع يجيب قائلا :”وما هضم مشاكستك الا الضحك”..
انه الجانب الفكاهي في الومضة الشعرية للمشاكس.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة مخاضا وولادة قبلة وقبلة أخرى.
بتاريخ 09/ 04/ 2025
المراجع:
https://www.aljazeera.net(1)
ابتكارات استوحى العلماء فكرتها من النمل| علوم
https://altibbi.com(2)
مناطق مثيرة للشهوة الجنسية عند النساء والرجال- الطبي.
=== الومضة الشعرية للمبدع حمد حاجي===
ذا اقتربتُ.. كأن على شفتيّ منازلُ نمل وتثمل من قبل تدركها القبلُ
°°°
وتأخذُها رعدةٌ مثلما هزّ مريم رعب المخاض وضاقت بها السُّبُلُ
=== الومضة الشعرية للمشاكس عمر دغرير ===
وماذا تقول لو شفتني:حين قربت من شفتيها
فمي قضمتني كحبة كرز وماذا تراني سأفعل…
فقط بذراعي حضنتها وهززتها كما هزّت الجذع
مريم العذراء فاساّقط الحب نبيذا به الصبابة تثمل…