“أهمية البناء الدرامي في إنجاح السردية الروائية”
رواية “ميثاق النساء” للكاتبة الأستاذة حنين الصايغ
Haneen Al Sayegh
وهي واحدة من روايات القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية
________________________________________
★المكون الأنثوي في صراع الوجود “المذهبي”
عوالق نفسية ومجتمعية وفلسفية تبدأ بمظلومية المرأة وتنتهي بانسلاخها في رحلتها لتحصيل حقوقها في بناء جناحيها الذين ستستخدمهما في تحليقها نحو فضاءات حريتها وحصولها على سعادتها المرتجاة…
*قراءة لرواية “ميثاق النساء”للكاتبة اللبنانية “حنين الصايغ”
____________________________
منذ الأزل مازالت المرأة وعلى اختلاف المجتمعات شرقاً وغرباً تناضل للحصول على حريتها، بعض النسوة وصلن وأنجزن وحققن، والكثير منهن لم يزلن في مراحل النضال.
اختلفت المجتمعات، بعضها تطوّر وأنصف، ومازال البعض الآخر يعيد تشكيل قضبانه باختلاف مسمياتها “من موروثات دينية وأخلاقية واجتماعية وبعضها مرضيّة، وقد تفننت المجتمعات الذكورية بإنتاج وهيكلة تلك الأقفاص وغذّتها بما يتناسب مع آيديولوجياتها…
هذه مقدمة لابد منها للولوج إلى الفكرة العامة للرواية
فبطلتنا هنا مختلفة قليلاً عن غيرها، إذ اعتمدت الكاتبة كشف كل المستور وإماطة اللثام عن الوسط الديني المذهبي”وسط بيئي اجتماعي محيط”،والبطلة هنا ثائرة أحياناً، هادئة ومستكينة أحياناً أخرى، طموحة، ذكية، قادرة وقاسية، لكن الثابت في شخصيتها هو قدرتها على التحليق…
” أمل” وهو اسم الشخصية الرئيسية المحورية، ناضلت منذ طفولتها وعانت من سقطات لكنها وصلت في النهاية وحققت مبتغاها.
المعوقات كثيرة “زواج مبكر/اعتراض على التعليم/مجهود كبير للتحصيل العلمي/تأخر الانجاب/مقايضة وصفقات لنيل الجامعة مقابل الأمومة/ الهزال والتعب النفسي المرضي/الاكتئاب/ الحمل والولادة/متابعة الدراسة/الطلاق/الابتعاد عن الطفلة/ ومن ثم التحليق رغم المعوقات
“مسيرة وسيرة مريرة ابتدأت بالخضوع وانتهت بالانتصار”
★الأهمية الشعورية في تأثيث الحدث:
______________________________
اعتمدت الكاتبة على عدة مفاصل لإظهار البيئة الحاضنة للشخصية الرئيسية، ومنه للشخوص الأخرى الفاعلة في الحدث الروائي
*البيئة الدينية، التمهيد المتعمّد والناجح للبيت الذي أخرج هذه الفتاة “منزل رجل دين ورث منصبه الديني عن والده وتربى تربية دينية قاسية، ام مناضلة صابرة، جدة مظلومة وفاقدة،…
*الهيكل الوصفي كان ناجحاً مؤثراً، استطاع قولبة الشخوص ونثر تلك الهالة التي قيّدتهم جميعاً في الماضي ورسمت قوالب الشخوص بإحكام
*سالم الزوج الباحث عن زوجة مثالية يفخر بها من طائفته، مناسبة كقالب اجتماعي وديني موروث، تصلح أما لأطفاله والذي لم يستطع إنجابهم بشكل طبيعي في البداية، حدوده وقيوده رسمتها له طائفته وشيوخها فلم يَحدْ ولا يريد أن يحيد عن تلك الحدود أو يتخطاها، مستسلم بشكل كامل ودون تفكير لمستقبل عاشه ويعيشه من هم مثله منذ القدم وحتى الآن وربما في المستقبل أيضاً…
على عكس زوج الأخت الأجنبي، ذلك الذي كان حراً لكن قيده مختلف، قيده الحب فقط، لكن محبوبته قيودها الموروثة أضعفتها وأرهقتها وأفشلت مستقبلها فاستسلمت واجتثت جناحيها بنفسها”بطلاقها وعودتها لطائفتها كمتدينة نادمة وخاطئة من وجهة نظرها”
★الأسلبة والمراوغة السردية
____________________
اعتمدت الكاتبة الذكية أسلوباً جاذباً مميزاً منذ البداية، اعتمد على المراوغة منذ الإهداء فقد جاء فيه:
“اعذريني لأنني لم أكن أبداً بكاملي معك. أنا أربيكِ ياصغيرتي وأربيني، سامحيني…”
هذا الاهداء المقتضب يضم بين حروفه سماءً كاملة، اختزلت كل أحاسيس الرواية المليئة بالتشعّبات الحسّية والعاطفيّة والنّفسية والمجتمعيّة لتجعلها وبمواربة ذكية تقترب من السيرة الذاتية، وهذه النمطية السردية تشبه النموذج الرائج وذائع الصيت والذي تتبعه الروائية “آني آرنو” الفائزة بجائزة نوبل عن مجمل رواياتها منذ عامين، والتي تشبه في أسلبتها هذه الطريقة …
بالعودة للرواية لابد من التساؤل بعد قراءة الإهداء والانتهاء منها وقراءة مايقارب “400”صفحة مقسمة إلى أجزاء معنونة
*هل فعلاً هذه الرواية هي سيرة ذاتية ياترى؟
*هل نجحت الكاتبة بأسلوبها هذا “نمطية السرد”في شد المتلقي لإيصال فكرتها ولو عن طريق خداعه بكونها سيرة الروائية ذاتها؟
ولو أرادت أن تغير من الأسلبة وتخفي هذا الإهداء، هل كانت ستلاقي نفس هذا النجاح والتأثير والجذب العاطفي؟
التصاعد الدرامي للشخصية الأنثوية والشحنة العاطفية
_____
الكاريكاتير الأساسي للتصاعد الهرمي للشخصية كان مقنعاً وناجحاً ، فحين قولبت الكاتبة الشخصية وغلّفت الامكنة والوسط الاجتماعي ومهدت بالوضع النفسي والديني “قرية صغيرة ذات طابع ديني /ومنه منزل متدين لأسرة متدينة منذ الأجداد/عائلة ليس فيها ذكور/ والدة مناضلة أم مثالية مضحية، ملتزمة ،متديّنة ومقهورة “نموذج للأمهات هناك”
الظروف المحيطة هيأت لثورة البطلة المحبّة للعلم والتي لم تجد خلاصها إلا به، قدّمت التضحيات للوصول، عانت من الظلم على يد الوالد ومن ثم الزوج، استغلال عاطفي وجسدي ومقايضات ظالمة وألم نفسي تصاعد حتى الذروة “تفكير بالانتحار إذ لاخلاص”ثم تراجع “كلما ارتفعت في سلم النجاحات”
*هل وصلت في النهاية ؟
نعم وصلت على الرغم من “غصة الأمومة /تضحيتها التي خسرت فيها بالمقايضة الأخيرة تواجدها مع ابنتها”
لكنها أثثت بذلك لنهوض ابنتها فهي”لاتريدها نسخة منها في ماضيها حيث أنها عانت الكثير” ولا تريد لها ذلك “حاولت سد الثغرات عن طريق اتفاقات تضمن تواصلها مع ابنتها واعتياد الجميع على هذا الوضع رغم العذابات …
حاولت ونجحت بمداراة عواطفها في “رسم شخصية ومستقبل ابنتها رغم الآلام”
فالنضال لأجل تحصيل الحقوق مايزال مستمراً
فكما ناضلت سابقاً المرأة غرباً لتحصيل الحقوق وتبيانها منذ “سيمون دوبوفوار” وشرقاً “نوال السعداوي و نازك العابد”وغيرهن كثر…
مازال طريق النضال مستمراَ
فلربما ستختلف النهاية وطرق النضال وحرية التعبير ومتانة الموقف وصلابة الهجوم مع التكرار، ومستقبلاً
ربما البطلة اللاحقة ستتمكن من الجهر بقراراتها، وتحمل التبعات ومصارحة الأهل والمحيط “ستحصل على حريتها كاملة “دون خوف ”
الخط الذكوري وبعض النماذج :
_______________________
*المدرّس الصلب في البداية، المثقف والواعي، الضعيف المهزوم أمام مجتمعه في النهاية والذي يأس فقرر إنهاء حياته، لم يختر النضال بل “الموت”
*الوالد القاسي ظاهراً، المتواري خلف عباءات الدين وعماماته، الحنون المكسور داخلاً، الفاقد لأخ فيما مضى والذي يتوق لابن ذكر، الخائف من المحيط الديني والاجتماعي والذي يواري عواطفه خلف موروثاتهم، يلين في النهاية، ينكسر، يبكي، وربما يندم، لكن هو نموذج حي للوالد المحاط بقيود مجتمعية ودينية
*الزوج سالم المقيد والسعيد بقيده، الراضي بمساحاته المسموحة داخل إطار الموروث، والذي يحاول إثبات رجولته والحصول على حقوقه بكسر إرادة شريكته والتي بالعرف والعادات هي دون مستواه “نموذج للزوج التقليدي”
*أما الحبيب الكاتب وشريك الحياة، هو فارس الأحلام والذي تستحقه البطلة الأنثى المناضلة، “حب واستحقاق “الشخصية الإيجابية المقابلة لشخصية الفتاة الثائرة”
*زوج الأخت المحب العاطفي، المضطرب والمستسلم.
براعة استخدام العنوان
—————————–
“ميثاق النساء” والمأخوذ كأحد بنود ” تلك الطائفة”والتي تسمح بما جاء بين فصول هذه الرواية وحبكتها وتمنع ما ناضلت البطلة الساردة لنيله حتى النهاية، هو هذا الميثاق الذي جمع النسوة على اختلاف أعمارهن وأفكارهن وأحلامهن وآمالهن، ابتداء بالجدة المظلومة المطلّقة والتي منعت من ندب وحضور جنازة شريك حياتها بسبب تعنته وتمسكه بالموروث، فضحّت وبكت وماتت في النهاية حزينة على ولدٍ فقدته، وتمنت أن يولد بقميصٍ جسديّ جديد “التقمص” وانتظرته طيلة عمرها، مروراً بعمّة مظلومة تخاف سقوط الجدار، وصولاً لوالدة مناضلة مظلومة مريضة وقانعة، محبّة لبناتها وراضية، ثم أخيراً لأختٍ رغم قوتها وصلابتها في طفولتها وجمالها ورقتها وحصولها على هدفها، إلا أن الموروث قد هزمها وكسرها وخرّب حياتها إذ استسلمت لأفكارها وعادت مهزومة إلى نقطة الصفر، لا بل وراضية ومنتظرة نهايتها…
في الختام، لابد أن نشيد بخيوط العمل وشخوصه، فقد تمكنت الكاتبة من رسم الملامح الكاريكاتورية والنفسية والخارجية، للشخوص، وأتقنت رسم البيئات وإثبات مظلومية المرأة، كما وأنها أنصفت الرجل من خلال النماذج تلك، وما فقرة “الجدار”والتي فصلت البيت إلى نصفين منذ البداية، إلا رسماً هيكلياً تنظيمياً فصل البيئة إلى بيئين، لم ينج أحد من كل ساكني تلك البيئة “ذكراً كان أم أنثى”من قساوة الموروث ومعاقبة البيئة والوسط الاجتماعي والنفسي
نهايةً
أضمّ صوتي لصوت الكاتبة
متى ستكسر القيود؟!
رواية جميلة بحبكة مشوقة وموضوع حساس ومهم وجريء أهنئ الكاتبة على تناوله بحيادية
بالتوفيق للكاتبة في السباق
ريم محمد
سورية