تحاور استثنائي نموذجي
قدمه أستاذان في النقد التأويلي
أ. سمية الإسماعيل
و
أ. هشام صيام
والتعقيب من العبدلله محمد البنا
**************************
القيس هشام
* لقد راودتني نفس الرؤى في تحليل المشاهد، كنت أجد هذا الصراع بين الأنا ( و ليس الهو) و الأنا العليا.. و اخترت الأنا لأن الشخصية تعيش تأرجحًا بين الفضيلة و نقيضها-لا أريد أن أقول الرذيلة- بين الرغبة و الإحجام.. لكنني و لكي أصل إلى ربط العنوان “عندما تتحقق أحلامنا” بالرسالة الأخيرة” أما الأحلام التي تتحقق، تموت”، كان لابد من أصدق أن مشهد المطارحة الغرامية في غرفة الفندق هي حقيقة و ليست من صنع مخيال البطلة..
البطلة تريد لهذا الحلم أن يموت و لا يبقى يؤرقها بشخص عماد.. لذلك قتلته بجعله حقيقةً واقعة، و قتلت معه هذا الـ” عامر” الذي لن يكفّ عن ملاحقتها و لن يكفّ الحلم داخلها عن إعلان النفير كلّما رآه..
النص يمكن أخذه من زوايا متعدّدة، و هذه ميزة أدب الأستاذ ” محمد البنّا”
تحياتي لكما معًا
سمية الإسماعيل
&&&&&&&&& ٢٠ س &&&&&&&&&
Sumaya Al Essmael
* نص الأديب Mohamed Elbanna مفتوح على أكثر من رؤية تأويلية وتلك هي حضورية النصوص القوية فنص برؤية واحدة يمثل إحدى حالات الضعف ولكن النص الذي يملك اكثر من رؤية هو التجسيد الحقيقي للقوة الإبداعية ،
النص تميز بحراك ما بين الغريزة والرغبةـ الهوـ وبين المثالية التي تتبنى المُثل العليا في ـ الأنا العليا ـ وبالفعل المزج ما بين هذا وذاك قد تجنح بنا نحو حالة من الحضورية التوازنية وتلك الفرضية من الممكن أن تصبح حد نتيجة ختامية لإجمالي الرؤية حيث أن الأنا هي خلق نوع من تطويع الأمر ما بين تلك الرغبات الحسية وتوازنات مجتمعية ميثالية ،
هنا ستقف الرسالة الأخيرة في ماهية حجر العثرة لغرضية الأنا ، فكل اعتقادي عن تلك السردية ماهو إلا كونها مجرد استطراد حواري داخلي في معظمه لم يحدث على أمر الواقع بقدر ما هو حديث نفس يسقط على / الهو / التي تمثل تلك الرغبات التي استيقظت عبر مؤثر / سلوك عامر / (المتسلط حد الوقاحة والمراود حد الإغواء) وهما صفتان بهما تضاد قد يجذب المرأة فبالنسبة لها هو تعبير قد يسقط على قوة شخصية مع مرونة محببة وهو عكس ما تعيشه في دفاتر واقعها بطلة الحبر / عكس زوجها / الذي يحمل الحياة المتوافقة في مثالية وهذا ما يصلح لزوج يدعم بيته ويهبه الدفء ،
من هنا كان هذا السرد المشهدي الذي يحمل الشد والجذب فالأمر مجرد حوار داخلي وما اورث تلك الفرضية على كونه حقيقية هو مشهد لقاء الأسانسير الذي حمل في طياته مشهد إيروتيك ما بين الإدراك والتواري لهذا كان وجهها ملاثق للمرآة فهي لا ترى فعال عامر رؤية العين ولكنها تراه بعين المرايا وكأن ترميز المرايا يأخذنا إلى نظرة من خارج المشهد على الأحداث ويكأنها نظرة الحالم لشخوص الحلم ، لتصبح هي الرائي والمرئي مما يؤكد كون الأمر كله مجرد نسج نسجته حضورية الهو بكل ما تحمله من رغبة كاد أن يصبح في معية التنفيذ إلى أن تدخلت الانت العليا ،
لنعود للعنونة ..
/ عندما تتحقق أحلامنا /
وبتحليل للمعنى نجد أن مفتتح العنونة بمفردة
/ عندما / نحن أمام ظرفية زمانية مكونة من مفردة / عند / و / ما / المصدرية والتي تعني في مجمل حضورها المعجمي ” في الوقت الذي ” هنا نتوقف أمام حدث في ماهية الاستقبال لم يحدث في ميقاتية الحاضر ولكنه حدث مؤجل حدوثه هو حد إحتمال ،
يؤكد هذا حضورية فعل خماسي
/ تتحقق / في الزمن المضارع تم حذف اداة الإشارة / هي / والاكتفاء بمفردة / الأحلام / المؤنثة في تعبير عن حالة من الاستقبال أيضا فرضها دخول مفردة الأحلام والتي تعني في حضورها العلمي حالة من التنبوء بالمستقبل والذي يحمل احتمالية الحدوث ـ حقيقية في علم النفس غير قابلة للشك ـ ليتأكد لدينا المعنى التأويلي للعنونة كونها احتمالية لتحقيق الحلم وأيضا عدم التحقيق في الاستقبال ، في إشكالية تقع في معية الاحتمال .
ناقدتنا سعيد بتلك الحوارية النقدية وهذا الحراك الادبي وبعتذر على الإطالة
مودتي
هشام صيام ..
____________١٨ س __________
القيس هشام
لن نختلف بشأن ” الهو ” و ” الأنا” فكلاهما يعمل على انحراف الشخصيّة مع اختلاف في القوة المهيمنة ” الهو ” تمتلك قوة الانغماس في فعل الانحراف أكثر.. لكنني أتفق تمامًا في حادثة المصعد أنها من صنع مخيال الشخصيّة، و هنا أقول أنه في الخيال غابت الأنا العليا بسبب إلحاح ” الهو” التي تمتلك -الحلم- القديم كسلاح في توطين الرغبة.. الأمر طبعًا كان في زاوية التمنّي، و هنا نشعر أنهما كلاهما لديهما تلك الصفة الماسوشية التي تستمتع ببعض عنف الآخر، فهو قد وجد فيها تلك المرأة الحرون و هي وجدت فيه تلك التركيبة القويّة المهيمنة الوقحة و الساحرة معًا التي عاشت تحلم بها .تقول
“استدار وتأملني مليًا؛ عيناه تغوصان في حدقتيّ ولا تطرفان، هنيهة وكان كله داخلي، يعبث في أوردتي وشراييني، يجذبني من شعري الملفوف كذيل فرس يشتهي جموحه، ويلصق وجهي بعنف إلى سطح المرآة التي تشكل الجدار الخلفي للمصعد…
انتفضت من مستنقع أوهامي على صوته الهادئ”
و أنا أرى أن حادثة المصعد المتخيّلة و ما سبقها من حديث داخلي امتد على مدى السرد، كانت الإرهاصات للوصول إلى العلاقة الحقيقية في غرفتها في الفندق.. إنها الطعم الذي ألقاه ” الهو” على ” الأنا” فأشعرها بلذة الأمر، ثم قادها إلى الممارسة الفعلية.
انطر ماذا تقول..
” امتدت جذوره تتغلغل في أرضي العطشى للرواء، وتفترش أوراقه خلاياي، وتعيد تشكيلها، استطاعت لمساته أن تخضعني، وعنفه أن يضعفني، فأسلمت له قيادي…كم أحببت فيه قوته! وكم أحببت فيّ ضعفي!…ساعاتٌ مضت لم أدر كيف مضت! وكل ما أدريه الآن أنه أخيرًا تحقق حلمي، أقلت حلمي ؟… لا لا بل حلمها هي، وها هي شجرة الكافور تلملم جذورها، وتجمع شتات أوراقها، ينحني جذعها ويضع قبلة حانية على خدي الأيسر، ”
إنه فعل حقيقي.. ثم ركَز على
“استطاعت لمساته أن تخضعني، وعنفه أن يضعفني، فأسلمت له قيادي…كم أحببت فيه قوته! وكم أحببت فيّ ضعفي!…ساعاتٌ مضت لم أدر كيف مضت! وكل ما أدريه الآن أنه أخيرًا تحقق حلمي، أقلت حلمي ؟… لا لا بل حلمها هي، “..
هي عاشت هذا الحلم حقيقة، و مع استيقاظ ” الأنا العليا” من غيبوبتها المؤقتة، أخذت تنكر أن ما حصل كان لأنها هي ” حنين” الزوجة و الأم هي التي تريد، بل ذاك الحلم القابع داخله/ حلم الأنثى .. هي أرادت الهروب من محاسبة الأنا العليا، و أرادت بنفس الوقت أن تقول لـ” الهو” ها قد حققت حلمك، و جاء الآن دوري أن أفرض فلسفتي التي تقول” أن الأحلام التي تتحقق ، تموت”
و لذلك لم تنتظره ليقلها في السيارة خاصته، بل ركبت القطار.. -القطار الذي ركبته عند قدومها و الذي تخيّلت فيه لأول مرة عامر الصفتي كشجرة كافور، و تخيّلت نفسها بعد أن كانت تلهث وراءه، قد سبقته- و بذلك أعلنت انفصالها عنهما، قتلتهما كليهما/ الحلم بعد أن تحقق و عامر /
&&&&&&&&&&& ٨س &&&&&&&&&&&
Sumaya Al Essmael
/ اجمل الأحلام تلك التي لا تتحقق ابدا ، أما الأحلام التي تتحقق تموت /
هذا التعبير الختامي في الرسالة هو الحد الفاصل الذي يؤكد كينونة هذا الحلم الذي بدأ عبر لمسة اليد في حضور الجميع أثناء التهنئة / وشد على يدي / هنا هذا التلامس الذي تحدثت عنه بإسهاب عبر خيالات اليقظة ( استطاعت لمساته أن تخضعني ) هنا نعود إلى عبارة قد تعد موافقة ضمنية من امرأة الحبر عن ما يريده رجله ألا وهي ..
/ وأضاف هامسا “أريدكِ” ..
” وأنا أريدكِ أيضا ” / ثم عبارة لم تحمل التأكيد / قلتها ولا أدري حتى الآن انبست بها شفتاي حروفا ؟او نطقت بها نظرتي في عينية ؟/
هنا نحن أمام جملة احتمال خروجها من بئر حنجرة امرأة الحبر تماما كما عدم خروجها ، مما يؤكد تلك الحيرة والتوتر الذي أحاط بها من كلماته حد أنها لا تدري بماذا غمغمت وهل نطق بها لسانها ام عينيها ، وإن كنت أرجح كتأويل إنعقاد لسانها ، يؤكد هذا استدعاء إحدى أدوات الجزم / لم / والتي تدخل على المضارع فتنفيه في الماضي تماما ،
هنا يصبح كتأويل عندي له حضوره و يؤكد أن ما دار في تلك الفقرة مجرد خيالات يقظة وقد كان لنا مع بطلة الحبر سابقة أخرى في قاعة الاجتماعات التمهيدية التي غفت غفوة يقظة لم تستيقظ منها فلا تجد رفاقها فهي في غيبوبة احلام اليقظة لها سوابق في المشاهد السابقة مما يجعلنا نعي هذا في تفكير وأسلوب حياة بطلة القصة وحتى وهي في القطار حدث ذات الشيء حد أنها نسيت من بجوارها ومن يجلس خلفها وتكلمت بنزق بصوت مسموع مع ضحكة وكأنها في مشهد حقيقي وليس مجرد خيالات ،
تلك المعرفية بشخصية بطلة الرواية هي ما تؤكد ما وصلت له من تأويل ،
لنعود لهذا المشهد الذي تم فيه عن طريقها سرد حدث متكامل لا يرمي لواقع الحدوث ولكنه يؤكد عدمية حدوثه عبر كونه مجرد اجترار لمشهد لمس يدها والذي يتبعه التفاته منها فتأتي عيناها في مرمى نظراته ..
والوقوف ما بين الحدوث وعدمه ظهر جليا في التأرجح ما بين عدم التيقن من النطق بالتعبير أو أنها قالته بنظراتها فقط ،
فنظر عيناه التي تغوص في …. ، ونبرة الصوت الصاعدة ….. ، جميعهما مجرد نتيجة حاديها هذا المشهد السابق المعنون بلمس يدها ثم النظر ثم التحدث إليها ،
ليأتي تعبير / بل امتدت جذوره تتغلغل في أرضي العطشى للرواء ، وتفترش أوراق خلاياي /
هنا التعبير مجازي رمزي لا يعني كونه تصريح بمشهد إيروتك بقدر ما هو إقرار بفرضية تشبيهها له من قبل الرؤية عبر تحويله من التجسد المؤنسن لمجسد نباتي/ شجرة كافور / لهذا تم وضع الجملة الرمزية المجازية بذات كيفية الحلول النباتي / جذورة / لتثبت كيف شرش كفكر سيطر عليها في أعمق مكان في وجدانها الذي تتحكم فيه الهو بكل رغباتها التي رمزت لها بالعطشى للرواء ، وذاك امر اتفقنا عليه انها تلك الهو تريد الرواء من هذا الرجل وتقاتل من أجل تلك الرغبة ،
لنأتي لمفردة أوراقه وهي بنفس المنطق هذا التحول بين المجسدات فظاهرة تساقط الاوراق لا يمكن أن ترمز هنا لحدث جنسي بقدر كونها ترمز لقوة شخصه التي تملك عليها نفسها ويؤكد هذا تعبير / وتعيد تشكيلها / التي لا تعود عليها بل على مفردة /خلايا / التي تسقط عليها عبر ياء التخصيص والتي تحمل رمزية عبر ماهية الجمع تسقط عليها فالخلية هي اصغر وحدة حية بنيوية يتألف منها الكائن الحي ،
هنا شعور بالاحتواء حد المطاردة ـ سقوط الأوراق ـ لتأتي إعادة التشكيل في ماهية المباغتة ومحاولة الاغواء ،
عندي هذه المشاهد مع الختام تعني انتصار خدر حياء تلك الأنثى على رغباتها ..
وهذا هو التأويل الذي تحمله حلولية نقدي ،
وهنا لا يمكن أن أهمس لك أنك على خطأ لمجرد اختلاف التاويلات بيننا فتلك وجهات النظر وصاحب النص ذاته لا يمكن أن يطرح ما يؤكد وجهة نظر على أخرى أو يطرح وجهة نظر ثالثة أو رابعة لأنه هكذا يقلل من صعود النص وتحليقه عبر التأويلات المختلفة والتي تمنحه قوة وإبداع ، هناك ما يؤكد وجهة نظري واستعنت به في التأويل وهناك ما يؤكد وجهة نظرك عبر رؤيتك له كحقيقية لا تحمل الترميز وقد تم استخدمها في التأويل ،
نحن أمام امرأة كما قلت تغط في احلام اليقظة لأكثر من مرة مما يجعلنا نشعر بالاطمئنان أنها هنا ايضا في حلم يقظة فقد فعلتها في القطار ثم المصعد وقبلها قاعة الاجتماعات ،
وحتى عندما صرحت أنها حققت حلمها والحلمزكما نعلم هو حالة في علم النفس تعني التنبوء بما سيحدث في القادم ، فهي تهمس كالمغيبة /لا بل حلمها هي / فهي هنا ترمي كل شيء على احلام تلك الهو التي هي في احلام يقظتها السابقة كانت مسيطرة وصاحبة السلطة الاولى ،
نحن أمام حالة نقدية تأويلية هنا وهناك
وكل هذا في صالح النص وستبقى الرؤية الحقيقية ـ التي لا يمكن لها أن تحجر على التأويل ـ في رحم واشم الحبر ولكنه يعي أن النص الذي لا يملك اكثر من تأويل هو النص الضعيف ولكن نص بحجم وقوة هذا النص ناقدتنا لا يمكن أن يحتمل وجهة نظر واحدة بل سيحمل أكثر من وجهة نظر تأويلية .
دمتِ بكل الألق ناقدة أرض الياسمين .
مودتي
هشام صيام ..
_______________٦س ___________
القيس هشام
لا أستطيع إلّا أن أرفع لك القبعة أستاذي الكريم ، فمهما اختلفت رؤانا، فهذا يدل على أن كلٌ منا قد اعتنق زاويةً للدخول إلى خبايا النص و ما تضمنته المشاهد من دلالات، هو يراها مفاتيح التأويل.
امرأة تعيش في خيالاتها التي أخذتنا إلى منطقة الأحلام و التهويم، أرفقتها بعبارات تريد فيها إقناعنا و إقناع نفسها من قبل أن ما سيجري لاحقًا هو خيال يتبع كل ما سبق، لكنني لم أصدقها.. كامرأة، لم أصدقها.. فعباءة الأنا العليا التي حاولت التستر بها حتى آخر لحظة كانت شفافة من حيث لا تدري فكشفت سيطرة الهو عليها ، و بذلك عزت ما يمكن اعتباره سقطة لهذا ” الهو” حلمي!!!-لا..حلمها هي ).
هي تعترف في داخلها أنها سقطة لذلك نفتها عنها، لكنها أرادت بذلك قتل هذا الحلم بمجرد تحقيقه.. و بالتالي التخلّص من هيمنة هذا الـ” عامر” الذي استيقظ داخلها مع يقظة تلك الأنثى المتمردة صاحبة الحلم..
ربما كانت الأسلوب-أو التبرير- غير مقنع لنا أخلاقيًا، و لهذا لا نريد تصديقها.. و لكن الواقعة وقعت.. و بعض الحروب تُشنّ بأسلحة محرّمة..
أحترم فيك كل ما ذكرت .. و أعود فأقول – أرفع لك القبعة- و لأستاذنا Mohamed Elbanna أرفع ألف قبعة
تحياتي لكما
سمية الإسماعيل
&&&&&&&&&& ٢س &&&&&&&&&
التعقيب على نقطة الخلاف
__^___^____^_____٨___
أعتقد أن التحاور أغلق عند هذه النقطة، ولا أملك إلا ان أقف مندهشا ومغتبطا في آن، لروعة التحاور ودقيق استدلالاته، وبسعدني أيما سعادة تنسيقه ونشره ليكون نبراسا يسترشد به آخرون، وإنموذجاً يحتذى.
اما عن اختلاف التأويلات فاهلا ومرحبا به، إلا إنني أؤمن أن لآي نص رؤية واحدة صحيحة تمام الصحة، ورغم تفردها كرؤية يتيمة إلا إنه ليس بمقدورها أن تقف سدًا أمام تعدد التأويلات.
وأما عن نقطة الخلاف الوحيدة، فقطعا إحداهما صحيحة والأخري سقط منها سهوا استدلال – من متن النص – يفندها.
** حالات التوهم والتخيل أو الشرود أو ما يدعونه حلم اليقظة؛ وردت أربع مرات في المتن السردي كالتالي
١- فقد (( كنت شاردةً )) فيما حذرني منه مديري لمعرفته السابقة به؛ الدكتور عامر الصفتي المشرف العام على المهرجان؛ قال عنه أنه جاف وجاد ولا يبتسم إلا نادرًا، ويتوخى الدقة في كل عملٍ يكلف به، وقال أيضًا أنه طويل وسريع الخطى، ضحكت في سري وأنا أتابع المشهد الخارجي عبر النافذة الزجاجية المجاورة لمقعدي، ((وأنا أتخيله)) سامقًا مثل تلك الأشجار الكافورية التي ترمقني تباعًا بين فينة وأخرى؛ ((تخيلته)) يجري مثلها وأنا أحاول لاهثةً أن ألحق به.
٢- ((وأنا أتوهم)) أنني سبقته، وتركته خلفي مذهولًا لا يحرك ساكنًا، كشجرة كافور منتصبة على الطريق تخطاها القطار منذ لحظة!
٣-وابتلعته خلفية باب القاعة، ((وابتلعتني أحلام صباي ومراهقتي))…رأيته كلارك جيبيل ورأيتني فيفيان لي، وكأن القاعة تحولت فجأة إلى قصرٍ من قصور القرن الثامن عشر وأحداث فيلم ذهب مع الريح!…كم تمنيته وقتها أن يكون رجلي وأن أكون أنثاه، الفرق الوحيد بينهما انحصر في تجهمه الشديد وابتسامة جيبيل الدائمة!
((أفقت من شرودي)).
٤- ((تخيلتني)) أحتضنه من ظهره..تصوروا!..لا تستغربوني أرجوكم فيكفيني استغرابي لنفسي، أأنا هي؟..أهي أنا ؟..استدار وتأملني مليًا؛ عيناه تغوصان في حدقتيّ ولا تطرفان، هنيهة وكان كله داخلي، يعبث في أوردتي وشراييني، يجذبني من شعري الملفوف كذيل فرس يشتهي جموحه، ويلصق وجهي بعنف إلى سطح المرآة التي تشكل الجدار الخلفي للمصعد…
((انتفضت من مستنقع أوهامي)).
– الملاحظة الثابتة في كل الحالات الأربعة السابقة هى الشرود ( توهم أو تخيل ) يعقبه دائمًا إفاقة منه، أي من الشرود بالانتقال من الحلم إلى الواقع عبر مؤثر خارجي، إضافة إلى توصيف الحالة كمنطقة بين الوعي واللاوعي أو الحلم واليقظة بواسطة ألفاظ موجبة وصريحة ومباشرة مثل ( توهمت، أتوهم ، تخيلت..)، بينما في الحالة محل الخلاف وهي نصًا كما يلي
* هنأته وهنأني وأشاد بدوري ومساهمتي الفعالة في إنجاح الإحتفالية، وشدّ علي يدي، وأضاف هامسًا ” أريدك ”
” وأنا أريدك أيضًا ” قلتها ولا أدري حتى الآن أنبست بها شفتاي حروفًا؟ أو نطقت بها نظرتي في عينيه؟
تبًا لك يا مديري العزيز تبًا لك وألف تب!…لم لم تخبرني أنه ساحرٌ أيضًا؟ بل كبيرهم الذي علمهم السحر!
لم تكن عيناه فقط اللتان تغوصان في أعماقي، تستدعي الأنثى الثائرة بداخلي، ولم تكن نبرة صوته الصاعدة من قاع بئرٍ عميقة، فتسكرني، بل امتدت جذوره تتغلغل في أرضي العطشى للرواء، وتفترش أوراقه خلاياي، وتعيد تشكيلها، استطاعت لمساته أن تخضعني، وعنفه أن يضعفني، فأسلمت له قيادي…كم أحببت فيه قوته! وكم أحببت فيّ ضعفي!…ساعاتٌ مضت لم أدر كيف مضت! وكل ما أدريه الآن أنه أخيرًا تحقق حلمي، أقلت حلمي ؟… لا لا بل حلمها هي، وها هي شجرة الكافور تلملم جذورها، وتجمع شتات أوراقها، ينحني جذعها ويضع قبلة حانية على خدي الأيسر، ويهمس ” سأقلك بسيارتي إلي القاهرة، لذا تأخري قليلًا إلى أن يغادر الجميع ” فتحت عينيّ بتثاقل وهززت رأسي بما يعني موافقتي، ومضي بينما الفجر يعلن عن مجيئه كعادته قبيل كل صباح، والآن جاء دوري، فماذا أنا فاعلة؟
أولًا : يتوجب الانتباه أن الفقرة منقسمة داخليًا إلى فقرتين..الأولى تنتهي ب ( بل كبيرهم الذي علمهم السحر !)، وبدأت الثانية ب ( لم تكن عيناه فقط اللتان تغوصان في أعماقي) والإجابة على ( لم تكن عيناه فقط) وردت تالية ب (بل امتدت جذوره…)..والفقرة جلها جمل خبرية وصفية، لم يرد فيها لحظة شرود ( توهم أو تخيل ) كما أن اللفظتين نفسهما لم يرد ذكرهما هنا خلافًا للنسق السردي المتبع في الحالات الأربعة لمذكورة عاليه.
*** ما كنت أود ولا أرغب ولا أشأ أن أعقب هكذا لولا احترامي وتقديري لرغبتك أخي وأستاذي هشام صيام
مع خالص تقديري وكامل سعادتي بكليكما أن تناولتما نصي البسيط بهذه الدقة والتمحيص، فوضعتموه في مكانة قد لا يكون مستحقًا لها.
ارفع قبعتي لكما أساتذتي الكرام والف تحية من القلب، أسعدتموني كثيرا كثيرا كثيرا
محمد البنا …١٠ أبريل ٢٠٢٥