القبالاه اليهودية وأثرها في التفكيكية
بقلم الدكتور خالد بلمصابيح
استاذ المقاربات النقدية المعاصرة
لقد لاحظ عدد من المفكرين والباحثين العرب والغربيين أن كثيرا من مؤسسي مابعد الحداثة ودعاتها، ينحدرون من أصول يهودية (جاك دريدا، إدموند جابيس ،هالولد بلوم ،إيمانويل ليفيناس …)، وأن صلة هؤلاء بموروثهم العبري وثيقة ،الأمر الذي جعل كثيرا من النقاد يدركون ” بأن التيار الرئيس للنقد الغربي ،التيار الذي يمتزج فيه الموروث الكلاسيكي (اليوناني /الروماني ) بالموروث المسيحي ،لم يعد التيار الوحيد المؤثر في ساحة النقد بل والفكر الغربي عموما،وأن تيارا آخر هو التيار المتاثر مباشرة بالهرمنيوطيقا اليهودية في دراسة النصوص المقدسة ،صار له من الأهمية الكثير.” 1
(١) المكون اليهودي في الحضارة الغربية ،سعد البازعي،م س،ص ٣٩٤
إضافة إلى هذا،ثمة أخرون من غير اليهود ينجذبون نحو خطاب مابعد الحداثة ،ونحو تفكيكية دريدا،نتيجة خلفيتهم البروتستأنتية ،وذلك لوجود قرابة وثيقة بين البروتستانتية والتراث اليهودي.وهذا ما يؤكده هللس ملر ،الناقد التفكيكي الأمريكي …،حين يقول : ” لقد فكرت في السبب الذي يجعل أمريكي(بخلفيتي البروتستانتية )ينجذب إلى دريدا مثلا.وأعتقد أنني توصلت إلى الجواب .فهناك شبه بين أحد أوجه البروتستانتية إجملال ،والتراث اليهودي وذلك أن الإثنين لا يطمئنان إلى التماثيل ،والرموز ،والصور المنحوتة …”2
(٢)نقلا عن المرجع نفءه،ص:٢٥٤-٣٥٥
من هنا ينظر البازعي إلى أطروحات التقويض بوصفه محصلة نقدية فلسفية للتراث التفسيري للتواراة وللتراث القبالي ،أي من حيث هي رؤية يهودية عقلانية أو لا دينية للعالم لاسيما النصوص وقراءتها بوصفه إشكالية معرفية.” 3
(٣) إستقبال الآخر ،سعد البازعي،م س،ص:٨٤
وتؤكد الباحث الأمريكية اليهودية سوزان هاندلمان (Susan Handelman ) صلة الموروث العبري بالتفكيك من خلال مفهومين ،هما: ” الإله” و ” النص أو الكتاب ” ؛حيث تذهب إلى أن فكرة ” موت الإله ” في الفكر الغربي ،تعود إلى مفهوم اليهود للألوهية ،تقول: ” الإله اليهودي…آخر،منسحب ،وغائب ،عكس آلهة الإغريق الحضارة بشكل مستمر ودائم .وإذا كان هذا التصور قد أسهم في إبعاد الإله عن الحضارة الغربية ، فإنه قد أسهم في إحلال الكتاب باعتباره إلاها بديلا ” 4
(٤) نقلا من : ما وراء المنهج ،تحيزات النقد الأدبي الغربي ،سعد البازعي، ص:٢٠١
وعن المفاهيم التفكيكية التي لها علاقة باليهودية يذهب عبد الوهاب المسيري إلى أن مجموعة من المفاهيم التفكيكية وما بعد الحداثية ذات أساس يهودي ،وكتابه مع بعض المفاهيم القبالية .ومن هذه المفاهيم : ” الحضور ” ،و ” التمركز حول اللوجوس ” ، و ” الإختلاف ” و ” الأثر ” و ” تناثر المعنى ” ( التشتيت) و ” الكتابة الأصلية ” و،” الثنائية “، و ” العمل والنص”.
انظر :اليهودية وما بعد الحداثة ،عبد الوهاب المسيري،ص١٠٤
و موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية،مج ٥،ص٤٣٣
—————–
*القبالاة،نزعة صوفية حلولية يهودية ،توحد بين الخالق والمخلوق،ظهرت في فرنسا أوائل القرن الثاني عشر (حوالي سنة ١٢٠٠م) وتنقسم إلى تيارين
(هذا ويمكننا التفصيل في الموضوع أكثر إذ رغب في ذلك القراء الكرام )