تاملات لغوية
القراءة في الدرس اللغوي العربي
د- طارق لعرابي
لم يكن في آثار العرب ما يدل على انهم كانوا يعرفون القراءة و الكتابة إلا قبيل الإسلام على الرغم انهم كانوا محاطين بامم كانت قد عرفت الحضارة وانتشرت فيها الثقافة.
ولعل السبب في ذلك يعود إلى كون العرب كانوا أهل بداوة وهي غالبة على طباعهم، والكتابة من الصناعات الحضرية،لكن هذا لا يمكن أن يكون حكما عاما على جميع العرب ،اذ إننا نجد ما تركه عرب اليمن من حضارة دلت على مدى تقدمهم في صنع الحضارة ورقيها،كما أن سكان الاطراف الشمالية للجزيرة العربية-لا سيما سكان الحيرة منهم -كانوا قد تعلموا الكتابة واتقنوها قبل الإسلام بزمن بعيد نتيجة لاتصالهم الوثيق بالفرس والرومان ،وكان أهل الحيرة ارقى عقلا ومدنية من كثير من سكان التخوم الأخرى لتحضرهم ومجاورتهم مدنية القرش واتصالهم الوثيق بهم،فقد ورد أن من العرب من يعرف اللغة الفارسية حتى أن عدي بن زيد كان تراجمة ابرويز ملك الفرس ،وان اباه زيدا كان شاعرا خطيبا يقرا للعرب وللفرس.
لقد سجلت الروايات و الاخبار اضربا من القراءة الشفوية اختلفت مقاصدها وتباينت مبتغياتها ،فكانت تتمظهر في أشكال مختلفة -القراءة الذهنية الصامتة ،والقراءة الجهرية،والقراءة السماعية،والقراءة الناقدة-تدرجت جميعها من فن الالقاء إلى التعليق العابر ،والملاحظةوالانطباعية ،وصولا إلى القراءة الفاحصة.
كان الشاعر منذ العصر الجاهلي هو القارىء الأول لنصه الشعري ،ويتمثل ذلك فيما يقوم به من تهذيب وتنقيح للنص خاصة إن كان الشاعر ممن يعتني بااصنعة الفنية عناية دقيقة كما كان يفعل اصحاب الحوليات ،والمعىقات،اذ يظل النص بين يدي الشاعر منهم فترة طويلة يخضعه فيها للقراءة والنقد الذاتي ،فيحذق بيتا ويضيف آخر ،او يبدل لفظة بغيرها ،او يصوب خطأ لغويا ،او عروضيا وما إلى ذلك.
وكان هذا -براي-قراءة ذهنية صامتة،ولو تهيا للشعراء القدامى أن يكتبوا مسودات لاشعارهم كما يفعل الشعراء المعاصرون لوقفنا على مادة نصيحة نقدية مهمة للغاية.
أما القراءة الجهرية،فتجلت في المكانة الرفيعة التي حظي بها الشاعر والخطيب ،اذ استاثرا المرتبة العليا في نفوس الناس ،فصار المبدع لهذين الفنين في اعلى الدرجات واسمى الرتب ،فكان يلقي ما جادت به قريحته معتمدا على ذاكرته وفصاحة لسانه ،وبيانه في الاسواق والمحالس الأدبية ،ومحابس. الملوك والامراء ….فكلن العرب يختارون افضل الشعر واجوده ثم يكتبونه بماء الذهب ويعلقوته على استار الكعبة كما هي الحال مع المعلقات كمعلقة عمرو بن كلثوم الثغلبي الذي قام بها منشدا في سوق عكاظ موسم الحج والتي مطلعها :
الا هبي بصحنك فاصبحينا
ولا تبقي خمور الاندرينا
وقدعظمتها تغلب تعظيما شديدا جعل كبيرها وصغيرها يحفظها حفظا.
اماخ الخطابة، فلم تكن مركبا مستباحا لكل من يهواها مهما كانت منزلته في قومه ،وانما كانت مورد زعماء القبيلة وسادتها ورؤساء القوم وكبارهم ،اهل الفصاحة والبيان فيهم.
لما جاء الإسلام ،ونزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم اخذ المسلمون يمارسون القراءة الجهرية بتلاوته وقراءته في صلواتهم ،وغدا منهلا يستلهم منه الشعراء و الخطباء ،والمحدثون وغيرهم مقاصد ابداعاتهم وانتاجاتهم الشفوية ومعانيها.