“سيمون دو بوفوار ”
مرآة واقعيّة حيّة لانعكاسات مجتمعية أنثوية.
قراءة واقعية لثلاثية “المرأة المحطمة”
____________________________________________
بدايةً وقبل الولوج في أي عملٍ أدبيّ أستحضرُ روح الكاتب محاولةً الولوج عبرَ سراديبهِ المخفيّة، أستنطقُ مفرداته ومناسبتها للأحداث من خلالِ حياتهِ ونشاطاته.
في بعض الأحيان أجدُ صعوبة بالغة في الرّبط، لكن هاهنا ومع هذه الشخصيّة الثّقافيّة المؤثّرة بالذّات، لم أستغرب مطلقاً كلّ ما حمّلته لشخوصها النّسائيّة، فقد كانت بحدِّ ذاتها مرآةً صادقة لكلّ مايعتملُ في النّفس، استقرأت وبثّت هموم ثلاث نسوة بمراحلٍ عُمريّة متنوّعة فكانت من أصدقِ ماقرأت…
هذا لايعني بالضرورة معاداتها للرّجل في طرحها هنا، فهي لم تنصف فقط الانثى بمراحلها الثّلات، بل دلّلت على مواطنِ الضّعف النّفسية والأخطاء المحتملة والتي دفعت ببطلاتِ رواياتها للحالات التي وصلن إليها، فكانت القاضي والجلّاد والضّحية معاً.
★كيف وصلت إلى إقناعنا نحنُ معشرَ النّساء بطرحها؟
★كيف لم تُغفل أو تصادر رأي الرّجال فيما كتبته؟
★وهل هذا الطّرح الواقعيّ النّفسيّ الصّادم يُحتسب لها كنقطةٍ مضيئة كسبت من خلالها موافقة مبدئيّة لطروحاتها؟
نعم… لقد نجحت “سيمون دو بوافور” بكسبِ الجنسين معاً في كتابها الذي ضمّ بينَ جنباته حالاتٍ ثلاث أنثويّة من الواقعِ المُعاش والذي يتمّ إسقاطه بنجاح على كلّ المجتمعات شرقاً وغرباً، سواءٌ في السّر أو في العلن.
*الرواية القصيرة الأولى ” سن التعقل”
_____________________________
تُظهر امرأة ستّينية من فئة عمرية ناضجة متعقّلة مثقّفة ، لديها ابنٌ وحيد “ذكر” وهذه المعلومة تدفع القارئ حتى قبل أن يكمل إلى استنتاج ” كمّية التّعلق والتي قد تقترب من المرض” بهذا الابن الوحيد :
امرأة بشخصيّة قويّة قياديّة “مدرّسة جامعيّة وكاتبة مهمة” أم مثاليّة ربّت وحيدها ولقّنته كل ثوابتها ومبادئها، أحلامها وأفكارها، لتُفاجئ في النّهاية بعصيان هذا الابن بعد زواجه وتغيره وارتداده ،تتألم من فقدانه وتعاني أزمتها والتي انعكست خيوطها على الشخصيات الأخرى ” الزوج ، الابن وزوجته و…”
معالجة فريدة صادقة لأبعدِ المستويات للطاقة الكامنة في قلب وعقل أم مثقفة حزينة.
*الرواية الثانية” مونولوج”
_____________________
نفسيّة مرضيّة بامتياز ” تتكلّم عن أم فقدت ابنتها الوحيدة منتحرة، فما التّبعات النّفسية والمجتمعيّة والأخلاقية والمرضيّة على روح أم ثكلى …
نجح هذا “المونولوج النفسي “في سرد كوامن النّفس المريضة المعذّبة الفاقدة المضطربة لهذه الأم والتي عرّت مجتمعاً بأكمله دون أن تُشركَ شخوصهُ في سردها وحواراتها
طريقة السرد كانت بألفاظٍ مبتذلة ” تناسب الجوّ العام المرضي الذي تعاني منه البطلة الام”.
*أما الرواية الأهم والتي تحمل عنوان الكتاب ” المرأة المحطمة ”
_________________________________________
تصفُ لنا بمرآتها ذاتها الصّادقة العاكسة لواعج نفسِ امرأة في منتصف العمر وصلت إلى مرحلة كبيرة جداً من الاكتئاب “صدمة قاتلة” بسبب معرفتها بخيانة زوجها الذي صارحها هو- ليس ذلك فقط- بل طلب منها تقبل الوضع الجديد والتأقلم معه، الموضوع بحدّ ذاته مخيف، ومختلف عن ثقافتنا على الرغم من وجوده متلبّساً ومتخفياً في مجتمعاتنا ولو بحدوده الضيقة.
★كيف ستُكمل هذه المرأة حياتها دون أن تتخلّى عن زوجها ومكانتها كزوجة شرعية وحيدة مع الاستمرار بحقيقة أن ثمة أخرى تقاسمها زوجها في السّر وزوجاً يطالبها بالتعايش والموافقة والاستمرارية ؟
★تُرى هل استطاعت بثّ كلّ مالديها من قهرٍ وألمٍ واستسلامٍ وكُره، ومشاعرَ أخرى مختلطة لبطلتها الزوجة المخدوعة المحطّمة؟
★هل كسبت موافقة القارئ الذّكر أيضاً- وهذا شديد الأهميّة- بحياديّة طرحها؟
★هل وضعت يدها على مسبّبات ونتائج ماخلُصت إليهِ الأمور؟
-في النّهاية نحن أمام أديبة متمكّنة بشخصيّة قوية، مناضلة فيلسوفة، بارعة في استخلاص كل ما من شأنه سبر الأغوار النّفسية وبخاصّة النّسائية منها…
و هي القائلة :
“الرجل يعرّف على أنه إنسان، والمرأة تعرّف على أنها أنثى وحينما تتصرف المرأة كإنسان، يقال لها أنها تقلّد الرّجل”
أما هنا فاستطاعت أن تؤطّر دفاعها عن المرأة دون أن تجحف الرّجل حقه أو تتّهمه اتّهاماً كاملاً، بل عرضت الأسباب والمسبّبات والنّتائج بكلّ صدق وشفافية مرآة واقعية …
ريم
بمناسبة ذكرى وفاة أديبة تركت أثراً عظيماً