القانون الجنائي ومحاربة الجريمة
مفهوم الجريمة في علم الاجتماع هو كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ، يعاقب عليه القانون ، فالجريمة كظاهرة اجتماعية تنشأ عن اتجاهات وميول وعقد نفسية وعن التأثر بالبيئة الاجتماعية ، كما تنشا عن نقص جسمي او ضعف عقلي ،او اضطراب انفعالي .
ف( دوركهايم ) يقترح في سياق هذا الامر ما يلي ، فهو يقول :
اولا : ” نحن لا نستنكر عملا لانه عمل جرمي ، وانما هو جرمي لاننا نستنكره ”
فسقراط المجرم في نظر الاثينيين ،ليس كذلك في نظرنا ،
ثانيا : الجريمة ظاهرة عادية، اذ ان شعور الاشمئزاز الذي تثيره الافعال المعرفة على انها جرمية في إطار اجتماعي معين لا يمكن ان يتطور بنفس القوة لذى جميع الافراد
ثالثا ،لا وجود للجريمة الا حيت توجد العقوبة القانونية .
الدولة والفرد كليهما يدينان على السواء لقواعد منظومة القانون الجنائي باعتباره الصرح الصائن لاسس محراب التعايش ، والحارس الامين للبنيان الاجتماعي .
فالعقوبات الزجرية كصورة يوقعها القانون
الجنائي على كل من يتجرا على اِهدار مقتضيات احكامه ، حكما له على درجات الجريمة ،التي لا تعني واقعيا سوى سوء السلوك
وللاشارة فان النيابة العامة ،او وكيل الجمهورية كما يطلق على هذه المؤسسة في البلاد العربية ، تعتبر هي الراعية والامينة على كيان المجتمع ، لانها السلطة المعهود لها دستوريا وقانونا بتطبيق مقتضيات وبنود القانون الجنايي كلما توافرت اسباب وحيتيات انطباقه في واقعة ما ، وعليه فانه لن يتهيا ابدا لهذا القانون وجوده وفاعليته ، في حالة ما اذا حدث تهاون في تنزيل واِعمال احكامه على ارض الواقع .
فكلما تعطلت وظيفة قواعد القانون الجنائي
اِلا ويترتب عنها تقويض دعايم هيكل الكيان المجتمعي ، عندها يفتح باب النزوات والشهوات لكي تحل محل العقل والعدل ، والضرب بشكل صريح بالشرط الجوهري المتمثل في الاِخلال بحق المجتمع في الكيان والبقاء ،او بظرف مكمل لهذا الشرط .
فالجريمة كسلوك واقعي، متعدد الاشكال تعتبر نمودجا من سلوك انساني محظور ، هذا النمودج متطابق من حيت الشكل والمضمون بشكل مطلق مع الصورة المادية التي رسمتها القاعدة الجنايية .
الجريمة كظاهرة اجتماعية، فهي امتداد تاريخي مرتبط بوجود البشرية ،لكن وتيرتها وحجمها عرفت منحى تصاعديا ،بفعل عوامل متعددة ، من بينها النمو الديمغرافي،وتعقد نمط العيش،كم ان المفهوم العام للجريمة، يتجلى في الافعال والسلوكيات التي تمس الفرد والمجتمع معا ، الامر الذي ترتب عنه رد فعل تمثل في تصدى المجتمع من خلال سن القواعد القانونية الزجرية،والعقوبات المناسبة لها، والملاحظ
ان وتيرة الجريمة عرفت قفزة نوعية حيت تكاثرت و تنوعت بشكل لافت ، فالظاهرة تختلف من حيت الكم والكيف بحسب المناطق والمدن وطبيعة المجال الترابي حضريا كان ام قرويا .
اما بخصوص توصيات التعامل مع الجريمة باصنافها ، والتي تشكل سلوكا اجراميا خطيرا على الفرد وعلى المجتمع والدولة ، فان الانظمة العربية مطالبة بإيجاد صيغة تتمحور حول اِرساء قواعد للتعاون بين المجتمع والدولة ، واقامة جسور شراكة متكاملة بين اجهزة الشرطة والمجتمع المدني في مواجهة السلوكيات الانحرافية ، والتصدي لها بكل حزم وقوة ، اعتمادا في ذلك على الوسايل الوقائية والعلاجية لاحتوائها والقضاء عليها .
وفي نفس السياق، ضرورة اهتمام المؤسسات التعليمية على مختلف مستوياتها بمحاربة الهَدر المدرسي ، لان التقليل والحد من ارتفاع وثيرة هذه الظاهرة ، يحد نوعا ما من الانحراف .
كما ان الاجهزة الشٌُرَطِية مطالبة بوضع خطط استراتيجية ، تتضمن الانتشار الواسع وسط نفوذها الترابي ، وخاصة في المناطق السوداء ( على الرغم من اِكراهات العنصر البشري واللوجيستيكي)
،
وفي نفس السياق ، فالإعلام ملزم بوضع برامج توعوية هادفة تحمي الفرد والمجتمع ، من السلوك الانحرافي الاجرامي ، عبر سلسلة من البرامج الثقافية والتربوية الهادفة ، مع العمل على نشر القيم والاخلاق والفضيلة ، واحترام القانون ، وحقوق الغير ، وعدم التعدي عليها ، مراعية في ذلك مختلف الشرايح والأعمار.
هذا فضلا عن مطالبة مؤسسات علم الاجتماع، والباحثين في علم الأجرام ، بضرورة القيام بدراسات وابحاث ميدانية تلامس الواقع المعاش، منها دراسة السلوك الاجرامي ، وتحليلى كل انواع الجرائم المختلفة اسريا وتربويا وثقافيا واخلاقيا بغية الوقوف على الاسباب والمسببات الكامنة وراء الفعل الجرمي ، مع العمل على اقتراح اٌليات المعالجة والتصدي .
العمل على محاربة التماطل في معالجة جل القضايا التي تصل الى النيابة العامة وعدم البُطء في إجراءاتها .
وفي الاخير فالاسرة مطالبة بالمزيد من الاهتمام بالجانب التربوي لتعزيز حصانة الاطفال من الوقوع في الانحرافات السلوكية ،مع غرس المبادىء الاخلاقية والخير والتكافل والتضامن .
الله غالب
عبدالسلام اضريف