حوار مع روح محمد الماغوط
جاء في كتاب ” ساخون وطني” مقالا رايعا عنوانه ” العراف” الذي الفه الكاتب والاديب ( الماغوط محمد) سنة الف وتسعمية وسبعة وثمانين ،يتساءل من خلاله الكاتب مجموعة من التساؤلات حول علاقة الفكر الص-هي-ون-ي بواقع دول الجوار ،او دول الطوق ، حيت يقول :
” ما هذا ؟
أمة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة وتتابع المباريات الرياضية، أو تمثيلية السهرة ، والبنادق الاسرائيلية مصوبة إلى جبينها وارضها وكرامتها وبترولها.
كيف اوقظها من سباتها، وأقنعها بأن أحلام اسرائيل اطول من حدودها بكثير، وان ظهورها أمام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني أن جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟
فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعا واختيارا لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية أمنها في جنوب لبنان.
ولو أعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان.
ولو أعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا.
ولو أعطيت اوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها في أوروبا الشرقية.
ولو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي…”
هذا الاستفهام الذي كان يخالج الكاتب ( الماغوط ) اواخر العقد الاخير من الالفية الثانية ، مازال قايما ،مُعلقا على صفحات الضمير العربي، بل ويشمل حتى الضمير العالمي ، لكونه يعكس حقيقة النوايا الخبيثة لهذا النموذج البشري ، الذي استطاع أن يغزو الفكر العالمي باحقيته في المطالبة بالمزيد ،كلما تمت الاستجابة لاطماعه التي لا حصر لها .
فلتعلم روحك يا ( ماغوط) بان سيناريو الوضع الذي شخصته ، ما زال مطروحا على طاولة كل الحوارات ، والمفاوضات الى حدود بداية الثلاثي الثاني من بحر سنة الخامس والعشرين والفين ، لقد عَرٌَفت وبحق كنه وطبيعة هذا الفكر الممزوج بمادة الاستعلاء ، بمادة كونه الشعب المختار ، وان باقي الشعوب ،يجب ان توضع في خدمة هذه الفصيلة التي ترفض وبشكل قاطع التعايش مع امم تؤمن بعقيدة مبادؤها اكثر حضارية ، واكثر سُمُوا من غيرها ، وبلا منازع .
والملاحظ بان هذا الفكر إستطاع وبشتى الوسايل العصرية والتي تهم مجال المال والاعمال والاعلام، ان يُكرس حقيقة مفادها ، ان هذا الفكر يضع كل ترواته ، وابحاثه العلمية المشهود لها عالميا رهن اشارة مُكونات مبادءه العقدية، الامر الذي يفتقده العالم العربي ،الذي اٌثَر البقاء يا ( ماغوط) في وضعية القوة الميتة ، وكانه اُصيب بمرض “الحصبة ” المزمن الشديد العدوى، وعليه فان مناعة هذا العالم اضحت هَشة ، فكثر اِسهاله ، واصيبت اذناه وكذا رئتيه بالتهابات حادة ، ومع ذلك فمازال هذا العالم العربي متعنتا، رافضا تناول جرعات او لقاح يشفيه من الم مرض مزمن عَشِق الاستمرار والتعايش معه .
فما اشد غرابة هذا العالم يا (ماغوط) ، ولقد كنت صادقا حينما وصفت اوضاع هذا العالم عند بَوحك في ” العراف” حين قلت :
” وملآت حقائبي بالخرائط والمستندات والرسوم التوضيحية ويممت شطر الوطن العربي أجوب ارجاءه مدينة مدينة وبيتا بيتا.وحدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وأطماعها التاريخية في أرضنا وأنهارنا ومياه شربنا. وعرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق والمستندات السرية والعلنية وباللغات العربية والانكليزية والتركية … ولكن، لا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كفنان. وعرضت أمامهم أشهر اللوحات التشكيلية والرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار، كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع، كحوت، كتنين، كدراكولا، كريا وسكينة … تقتل وتفتك وتتآمر ..ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كخبير طاقة. وحذرتهم من أن منابع النفط هي الهدف التالي لاسرائيل. وأننا، كعرب، قد نعود إلى عصر الحطب في المضارب، ونفخ النار بالشفتين وطرف الجلباب … ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كطبيب، عن تسميم الطلاب والطالبات في الضفة الغربية، والجثث المفخخة في مجازر صبرا وشاتيلا. وعن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة، ومصادرة البيوت، وطرد السكان، وتحديد الاقامة، ومنع السفر، ومنع العودة، واغلاق المدارس، وتغيير المجالس البلدية، وقمع المظاهرات، واطلاق غاز الاعصاب، والقنابل المسيلة للدموع، والمسيلة للتخلف … ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كأب. ونبهتهم إلى أن كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر، وكل كاتب أو شاعر قد يصبح كمال ناصر أو غسان كنفاني. وكل رئيس بلدية أو دائرة حكومية قد يعود إلى بيته على عكازين كبسام الشكعة وكريم خلف … ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إلى الفلاحين كفلاح. وإلى العمال كعامل. وإلى التجار كتاجر. وإلى اليمينيين كيميني. وإلى اليساريين كيساري. وإلى المزايدين كمزايد. وإلى المعتدلين كمعتدل. وإلى العجائز كعجوز. وإلى الأطفال كطفل … وقلت لهم أن اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاق سيناء وكل الاتفاقات التي تمت من وراء ظهوركم. فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحث لا أحد يعرف إذا كان يبتسم لنا أم يسخر منا. ولذلك فان دولا عربية متخاصمة لم يكن يتصور أحد أنها يمكن أن تتصالح … قد تصالحت بسببه. وأن دولا اخرى صديقة لم يكن يتصور أحد أنها قد تختلف، قد اختلفت بسببه … ولكن للتحركات السياسية حدودا. وللجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها. وأن مؤتمر الشعب العربي الدائم وقضيته المركزية فلسطين لا يستطيع أن يستمر في عقد جلساته الطارئة إلى ما لا نهاية ما لم يلق استجابة من هنا أو دعما من هناك.
وإن المقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة، لا تستطيع وحدها القضاء عليه ما لم تعمم هذه التجربة في كل بلد عربي.. ”
فلترقد روحك ايها الحكيم بسلام ، وللاشارة فان الوضع العربي ما انفك ان ازداد تفاقما مما شخصته مند ثلاثة عقود ونيف ،فلا عليك ، فقد اعلنت واسررت للعرب اسرارا ، لكن لم يزدهم دعاؤك اِلا إصرارا ، بل مكروا مَكرا كُبارا ،
لقد اديت رسالتك بكل اِخلاص، عَرٌَفت بحقيقة كيان رافض للحوار ،مُعتد ،اَثيم ، وهو تاريخيا زَنيم على ارض بها من الشرفاء اوزانهم ثقيلة بموازين سماوية ، لكن غياب الاٌذان الصاغية، جعلت التطاول قاعدة تابثة ، والحوار عقيم ، والعضو الرافض للعلاج من الجسم ، لا يقضي معه كَي بالنار ،بل لابد من البثر كخيار اسلم للسلام .
فخطابك اليهم حين استعملت الاسلوب القصصي ،عَله يوقظ همما ،او نَعرة ، او تحريك غيرة ، لم يكن له اثر ، ولا تاثير، لقد دعوت ، وما زادهم دعاؤك الا فرارا ، ،ولقد استعملت كل اساليب الخطابة والفن من اجل الإقناع ، ومع ذلك اِستغشوا رؤوسهم في اَبار غازهم ونفطهم وملذاتهم، خوفا من الوقوع في شِباك رذيلة تدعوهم اليها .
” وقصصت عليهم أحسن القصص عن البطولة والفداء. والروعة في أن يكون الإنسان ثائراً من أجل وطنه ينصب الكمائن ويطارد الأعداء في شعاب الجبال. وفي فترات الاستراحة يضم بندقيته إلى صدره ويقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة إليه من الوطن، إذ في كل صفحة خصلة شعر من خطيبة، أو ورقة يابسة من حبيب.
وقرأت عليهم بنبرة مؤثرة وغاضبة أجمل قصائد المقاومة والنضال، لناظم حكمت ولوركا وهوشي منه ومحمود درويش وسميح القاسم… ولا أحد يبالي.
الكل ينظر إليّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن وينصرف متنهداً إلى عمله.
ماذا أفعل أكثر من ذلك لأثير نخوتهم وغضبهم ومخاوفهم؟ ”
لقد كنت يا ( ماغوط) لُقمانيا في حكمتك ، اديبا في نصائحك ، عزيزا في نخوتك ، غيورا في هويتك ، اَبِي النفس في عروبتك ، شاعريا في قافيتك ، لكنك قوبلت بعصيان ، علما انك كنت نذيرا ، لكن ظلام الليل كان اشد صرامة على ضوء قنديلك ، ورياح الرٌفض اكبر من ناصيتك ، وانت بذلك اَكدت دعوة سيدنا ( نوح) عليه السلام
وختاما اقول لروح المفكر( الماغوط محمد) بان دعاء نبي الله ( نوح) عليه السلام ، مازال مستجابا في الزمان ، ولا زالت روح ذلك الدعاء سارية المفعول ،حين قال :
” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ..”
الله غالب
عبدالسلام اضريف