النقد على النقد :”الرواية الثلاثية ومتعة الواقعية”
للروايات الثلاث للروائية فاطمة بن محمود في مقالات يونس شعبان الفنادي:
– “امرأة في زمن الثورة”
– “الملائكة لا تطير”
– “زمن الغبار”
الكاتبة الروائية : فاطمة بن محمود (تونس)
الناقد: يونس شعبان الفنادي (ليبيا).
ناقدة النقد: جليلة المازني (تونس)
ان الناقد يونس شعبان الفنادي تناول في قراءته النقدية لهذه الروايات الثلاث كل رواية على حده مسندا لكل رواية عنوانا كالآتي:
– رواية ” امرأة في زمن الثورة”: ” الرواية الشهادة”
– رواية “الملائكة لا تطير”: “جرأة الاختيار ومتعة السرد في مواجهة التطرّف”
– رواية ” زمن الغبار”: لبنة في المشروع التنويري”
1- التثمين للقراءات النقدية للروايات كل واحدة على حده:
– تفكيك عنوان كل رواية باعتبار أن العنوان محتوى مصغر للرواية ومن ثمّ كان التفريغ النصي لاسناد عنوان لكل رواية.
– تسليط الضوء على الكتابة النسائية.
– الاهتمام بمقومات السرد (الاطار الزمكاني/ الشخصيات/ الاحداث/ انواع السرد).وبأركان السرد (الوصف والحوار).
– التدليل من الذخيرة النصية.
– تسليط الضوء على دور المرأة الريادي
– الاشارة الى تواتر التساؤلات.
– الواقعية بالروايات.
– الدور التأريخي والتوثيقي للروايات.
– دعم رأيه في التحليل لبعض المرجعيات النظرية (البوليفينية/ الدستيوبية/ الايتيوبية/ أدب المقاومة وغسان كنفاني…) ….
– ابداء الرأي بكل حيادية.
– ذكر العديد من مصادر وتقنيات السرد .
– التناص الخارجي للروايات مع روايات عربية أخرى يرتقي بها نحو الشمولية كل هذه مؤشرات تجعل قراءاته النقدية لكل رواية على حده وازنه وعالمة بأدواتها.
بيْد أن الناقد يونس شعبان الفنادي قد تناول بالنقد كل رواية على حده دون الربط بينها وغابت في مقالاته فكرة الربط بينها لتكون قراءته شاملة لها .
ومن هذا المنطلق ارتأيت أن ألامس الروايات الثلاث باعتبارها ثلاثية متكاملة .
وبالتالي فنقطة نقد النقد هي هذا المختلف بيني وبين الناقد في إنصاف الروايات الثلاث وتصنيفها ضمن أدب الثلاثيات وقد يكون نقد النقد رؤية مضيفة لما قدّمه الناقد. وفي هذا السياق حبذا لو تمت قراءة الروايات الثلاث بصفة شاملة باعتبارها تندرج ضمن أدب الثلاثيات في الرواية:
2- القراءة على القراءة (النقد على النقد) ” الرواية الثلاثية ومتعة الواقعية”
أ – الثلاثية في الأدب العربي:
* مفهوم الثلاثيات:
تقول الناقدة “الجادل بنت ناصر” بجريدة الشرق:
” أعني بالثلاثيات هنا هي الروايات التي تتألف من أجزاء ثلاثة لكل جزء منها زمنها وظروفها وإن كانت لها صلة وثيقة بعضها ببعض وتعرف أيضا برواية الأجيال حيث يعتمد الأدب على الاستعانة بالامتداد الزمني الذي يؤدي الى التوسع في التصوير وبالتالي الى اتساع حجم الرواية التي تعدّ أطول الأشكال القصصية حجما”.( 1).
ان هذه الروايات الثلاث مجمّعة تجسّد ظاهرة أدبية دأب عليها العديد من أدبائنا العرب ومنهم:
– ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين/قصر الشوق/ السكرية) .
– ثلاثية سهيل ادريس(الخندق العميق/ الحيّ اللاتيني/أصابعها التي تحترق).
– ثلاثية محمد ديب( الدار الكبيرة /الحريق/النول).
– ثلاثية حنّا مينا(بقايا صور/ المستنقع/ القطاف)
– ثلاثية أحمد حرب (اسماعيل/الجانب الآخر/ بقايا)
– ثلاثية الكاتبة المصرية رضوى عاشور (غرناطة/ مريمة/ خاتمتها الرحيل)…
– ثلاثية الكاتبة الجزارية أحلام مستغانمي(ذاكرة الجسد/ فوضى الحواس/ عابر سرير).
– ثلاثية تركي الحمد ( العدامة/ الشميسي/ الكراديف).
– ثلاثية مباريا ت الجوع من تأليف” سوزان كولنز” (مباريات الجوع/ ألسنة اللهب/ الطائر المقلد) وهي ثلاث روايات عملاقة من طراز الديستويبيا حيث تتناول الأحداث التي كانت عليها أمريكا الشمالية سابقا .
وها هي ثلاثية الكاتبة التونسية فاطمة بن محمود تتناصّ مع هذه الثلاثيات وتثريها (امرأة في زمن الثورة/ الملاكة لا تطير/ زمن الغبار ).
*مرجعية الثلاثيات ومشروعيتها:
يقول بودلار:” الشكل هو سرّ العمل الفني”
لماذا ثلاث روايات؟
نطرح السؤال التالي لعلنا ندرك المغزى من تنضّد الأدباء الذين اختاروا أدب الثلاثيات:
– مسألة الثلاث المذكورة بالقرآن :يقول تعالى:” يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات”؟ لماذا ثلاث مرّات؟
– والنبي صلى الله عليه وسلم قال:”من استاذن ثلاثا فان أذن له وإلا فليرجع”
هل من معنى للثلاث؟
ولم قيل:” ثلاثة حقّ على الله الا تردّ لهم دعوةّ “؟.
– ورُوي عن عمر قول الرسول :”ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفّارات وثلاث درجات… ” لماذا التركيز على معنى الثلاث؟
– ترى لماذا وضعت” ثلاثيات البخاري” وهي تلك الثلاثيات التي يكون عدّ رجال الاسناد من المصنف الى منتهاه ثلاثة رجال فقط .
وهذا يعتبر من جملة الأحاديث ومن أعلاها سندا.
– لماذا وضع الإمام أحمد بن حنبل.. ثلاثيات في سند الحديث أيضا؟
ترى لماذا يقول الإمام الغزالي:” أحذّرك ثلاثا” :هي الحسد والرياء والعجب فاجتهد في تطهير قلبك منها.. وغيره.
هذه المرات الثلاث تمتعنا أكثر حينما ننفذ للسؤال ربما من خلال بروز ظاهرة الثلاثيات في الأدب أو الرواية الانسانية او رواية الاجيال(انظر أحمد سيّد محمد : الرواية الانسانية) حين تحدّث عن أشكال الرواية القديمة.
والذي أرجع ظهورها لروايات المائدة المستديرة “الدّائرية المسمّاة “جرجا نتيا”
لذلك تعدّدت نماذج من هذه الظاهرة الثلاثية الأدبية كما ذكرنا آنفا الأدباء الذين انخرطوا في أدب الثلاثيات.
وكما ورد بموقع نبض” يبدو أن رقم ثلاثة كان رقم الحظ للعديد من الكتاب الذين كُتب لهم النجاح الساطع وحفرت أسماؤهم بحروف من نور في عالم الأدب بعد تأليفهم لثلاثية عظيمة كثلاثية “مباريات الجوع” من تأليف سوزان كولنز(2).
ولعل أديبتنا الروائية فاطمة بن محمود لا تشذّ عن مجموعة الأدباء.
* سمات وأهداف الثلاثية:
لو تأمّلنا بأهمّ سمات هذه الظاهرة الأدبية الثلاثية نلاحظ أنها تهدف بالأساس الى:
1- تصوير الواقع.. أي ملمح يميل الى الجانب التصويري؟.
2- التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
3- حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها.
لعلّ هذا ما جعلنا نعتبر الكاتبة فاطمة بن محمود قد انخرطت في ثلاثية الروايات لتحقّق الملامح الثلاثة السالفة وتحقق الحكائية والقصصية بالثلاثية .
ب – تجليات السمات الثلاث بثلاثية الكاتبة فاطمة بن محمود:
1- تصويرالواقع في الروايات الثلاث:
أ – رواية “امرأة في زمن الثورة”:
الرواية شهادة على الثورة التونسية كما ورد في عنوانها الفرعي الداخلي .
إنها توثيق ليوميات اندلاع الثورة الشعبية في المدن التونسية فهي بذلك تندرج ضمن الأدب الواقعي.
وهي انصاف للمرأة التونسية ودورها الريادي وتفاعلها مع الشأن السياسي وإعادة لمكانتها الانسانية داخل المجتمع.
ولعل الكاتبة تتناص هنا مع رواية “حليمة” للكاتب محمد العروسي المطوي.
ب – رواية الملائكة لا تطير:
استطاعت الروائية فاطمة بن محمود الغوص في قضايا المجتمع التونسي كنموذج للمجتمعات العربية وتسليط الضوء على ظاهرة التطرف الديني وتصادمها مع أدوات الحكم بجميع أشكالها وما تجره من تبعات نفسية شخصية واجتماعية متعددة على أفراد المجتمع .
تقول الكاتبة:” هي ليست رواية خيالية . انها واقع حقيقي فنحن نلتقي أشباه سيف
يوميا في الشارع”ص(128) .
ج – رواية “زمن الغبار”:
لقد جاءت الرواية هجاء للواقع والناس واعتمادا للثورية في تحدّي أعراف الواقع
ومواجهة قيمه المبتذلة وتعرية الجهل الديني والزجّ بالشباب الى بؤر القتال بسوريا باسم دولة الخلافة.
وبالتالي فكل الروايات الثلاث هي تصوير لواقع مُرّ قامت الكاتبة بتعريته وفضحه عبر أصوات متعددة زمانا ومكانا شخصيات وأحداثا ووصفا وحوارا ويبدو ان صوت المرأة كان الأعْلى:
2- التميّز بالدّائرية (عودة الأبطال بالظهور في معظم المراحل الثلاث).
لو تأملنا ثلاثية نجيب محفوظ على سبيل المثال لرأينا شخصية البطل الرئيسي أحمد عبد الجواد(سي السيد) يعود في كل مرحلة من المراحل بتسلطه وادمانه على اللهو و صبر زوجته أمينة على جبروته ايمانا منه بحقه في الدنيا وواجبه للآخرة وكذلك الامر مع بعض شخصيات الثلاثية الأخرى .
فكانت ثلاثية نجيب محفوظ تسلط الضوء على الذكورة على حساب الأنوثة.
في حين أن الشخصية التي جعلتها الكاتبة فاطمة بن محمود تعود في كل مرة بالظهور خلال الروايات الثلاث هي شخصية رمزية ممثلة في المرأة وبذلك فان كاتبتنا ومن وجهة نظر حقوقية للمرأة قد قلبت الطاولة على الذكورة لردّ الاعتبار للأنوثة:
أ – رواية “امرأة في زمن الثورة”:
إننا من خلال صوت الساردة نكتشف من ورائها صوت الكاتبة نفسها بشخصيتها الأنثوية المفردة للتعبير عن موقفها عمّا يجدّ بالواقع ثم نسمع صوت الجمع النسوي الأنثوي ليمثل نساء تونس اللاتي تتضامن وتتآزر من أجل التغيير.
ب- رواية “الملائكة لا تطير”:
لقد جعلت الكاتبة صوت شخصية “نور” يعلو على صوت “سيف” رغم ما عاشته من قهر مع هذا الأب المتطرف دينيا .
ومن خلال رسائلها التي أرسلتها الى الفيلسوف نيتشه وكانت بمثابة هاجس الذات الروائية التي عبرت عنه وبالتالي فالمرأة نور قد انتصرت بعقلها على الرجل سيف المتطرف دينيا. حتى أن عقلها قد قادها الى تفضيل “الشهادة” ضد قهر التطرف الديني لتعطي المثال في التضحية في سبيل مقاومة هذا التطرف الديني.
ج- “رواية زمن الغبار”:
لقد ضمنت الكاتبة روايتها شخصيتين رئيسيتين الأّمّ ثريا وابنها ربيع
فكان الابن ربيع ضحية فكر الاسلام السياسي الذي أدى به الى السفر للجهاد بسوريا.
أما الأمّ ثريا فقد بقيت بتونس تقاوم الظلم وتثير الغبار في وجه السلط الحاكمة لتجد نفسها في غيبوبة بإحدى المصحات الطبية التونسية وكأني بالكاتبة أبقت بالأم ثريا بتونس لتجعلها الأمّ الأيقونة في النضال.
وفي هذا الاطار فان رمزية شخصية المرأة قد جعلت منها رائدة وصنعت منها أسطورة المرأة المتمردة والثائرة والرافضة لواقع مُرّ يريد أن يسلبها إنسانيتها.
ولعل تواجد شخصية المرأة الفاعلة في الروايات الثلاث يحيلنا الى السمة الثالثة
في الثلاثيات:
3 – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ .. مع خيط رفيع رابط بينها.
ان الروايات الثلاث محكومة بخيط رفيع رابط بينها:
+ نحن بدأنا القراءة نزولا من رواية “امرأة في زمن الثورة” لنقف على المرأة نور المتمرّدة بعقلها في رواية “الملائكة لا تطير” لنصل الى ثريا المرأة الأمّ المقاومة والتي تثير الغبار في وجه السلطة.
+ يمكن حصول نفع القراءة صعودا فنبدأ بثريا الأم (زمن الغبار) والأمّ لها رمزيتها في الولادة والبناء والتربية لنمرّ بالبنت “نور” المتمردة عن التطرف الديني وكأن “نور” هي نتاج لتربية الأم” ثريا” لنصل الى المرأة في زمن الثورة هذه المرأة الثائرة في فرديتها وفي جمعها مع بقية النساء التونسيات وكأن هؤلاء النساء الثائرات هن من تربية الأم ” ثريا ” في إثارة الغبار في وجه السلطة.
+ يمكن حصول نفع القراءة أيضا بين الصعود والنزول أعني من الوسط فنبدأ بالبنت “نور” في رواية “الملائكة لا تطير” فتكون البنت رمز الشباب والحماس رافضة للقهر الأبوي لتجعل الأم ثريا تساندها بأمومتها الصادقة في إثارة الغبار(زمن الغبار) في وجه السلطة ولتختم بالمرأة التونسية الرائدة في المطلق برواية “امرأة في زمن الثورة”. وكأن البنت “نور” تلقي بظلال نورها الثوري الكامن فيها لتفعيله مع المرأة التونسية في مطلقها وفي شموليتها لتمكنها من الريادة.
ولعل من وجهة نظر متا روائية فان الخيط الرفيع الرابط أيضا بين الثلاثية هو ذاك الهاجس الذي بثته الروائية فاطمة بن محمود من خلال تلك الرسائل التي أرسلتها البنت نور للفيلسوف نيتشه ( الملائكة لا تطير)
او من خلال تلك التساؤلات التي تواترت على ألسنة المرأة أوالنساء .انها تساؤلات فلسفية ووجودية.(امرأة في زمن الثورة/ زمن الغبار).
والكاتبة من خلال صناعة السؤال(التساؤلات) “تورّط” القارئ في التأويل.
لعل الكاتبة بانتصارها للمرأة تقوّض مفهوما سلبيا للذكورة وتؤسس مفهوما جديدا للأنوثة ولعلها في ذلك تبني وتؤسس لأدب النساء.
الخاتمة:
لئن اعتبرنا الروايات الثلاث للكاتبة الروائية فاطمة بن محمود تندرج ضمن أدب الثلاثيات فقد تطالعنا الكاتبة المسكونة بروح التجديد برواية رابعة تضاف الى ثلاثيتها لتخرج عن أدب الثلاثيات وتؤسس لأدب الرباعيات فترتقِيَ بأدبها الى الأديب الروسي العملاق الواقعي فيودور دوستويفسكي في رباعيته الروائية “الاخوة كارامازوف”..
شكرا للمبدعة التونسية فاطمة بن محمود وللناقد الليبي يونس شعبان الفنادي على منحي فرصة كتابة النقد على النقد للثلاثية الروائية (امرأة في زمن الثورة/ الملائكة لا تطير/ زمن الغبار)
بتاريخ 14/04/ 2025
المراجع:
https://m.al-sharq.com(1)
الثلاثيات في زمن ال 140 حرفا- جريدة الشرق
https://nabd.com(2)
ثلاثيات روائية خلدت اسماء كتابها في عالم الادب- موقع نبض
الفهرس:
1 – التثمين لقراءة الناقد للروايات الثلاث كل واحدة على حده.
2 – القراءة على القراءة(النقد على النقد):”الرواية الثلاثية ومتعة الواقعية”.
أ – الثلاثية في الأدب العربي:
*مفهوم الثلاثية.
* مرجعية الثلاثيات ومشروعيتها
* سمات وأهداف الثلاثية.
ب – تجليات السمات الثلاث بثلاثية الكاتبة فاطمة بن محمود.
1 – تصوير الواقع في الروايات الثلاث.
2 – التميز بالدائرية.
3 – حصول نفع القراءة من أي مرحلة تبدأ مع خيط رفيع رابط بينها.
الخاتمة: