“السعادة في حياة الناقد
دهشة الاكتشاف ولذة التلقي”
الدكتور عبدالكريم الحلو
* تُعدّ السعادة من أكثر المفاهيم التي شُغف بها الفلاسفة، والروحانيون، والعامة على حد سواء،
* غير أن الحديث عن السعادة في حياة “الناقد” الأدبي تحديدًا، هو حديث نادر لكنه في غاية الأهمية، لأنه يمسّ جوهر الدور الذي يلعبه الناقد في خارطة الإبداع.
فما معنى السعادة عند الناقد؟
وهل هي إنجاز شخصي؟
أم هي فرح بمنجز الآخر؟
أم هي شعور غامر يتخلّق من لحظة تماهٍ بين الروح والنص؟
1. السعادة كإنجاز شخصي هادئ:
* الناقد لا يُنجز كالشاعر أو الروائي، بل يستبطن المنجز الفني ويعيد إنتاجه بصيغة قرائية عالية الذوق والمعرفة.
*
* لذلك فإن شعوره بالرضا، أو ما يمكن وصفه بـ”السعادة النقدية”، ينبع من اكتشافه لجمالٍ خفي، أو تأويل عميق لم يُسبق إليه.
* الناقد يُشبه المُنقّب عن الكنوز؛ لا يصنع الذهب، بل يستخرجه من تحت طبقات من الرمال، ويقدّمه للعيان مصقولًا بالمعرفة. وحين ينجح في ذلك، تتسلّل إليه سعادة هادئة لا يصفها إلا من ذاقها.
2. السعادة فرح بمنجز الآخرين:
* الناقد الحقيقي لا يتعالى على النصوص، بل يسكنها. لا يحتكر الجمال، بل يحتفل به.
* لذا فإن سعادته الكبرى هي في رؤية منجز الآخر وهو يلمع تحت مجهره، ليس ليُهاجمه أو يُسطّحه، بل ليُنصفه، ويفكّكه، ويعيد تشكيله في ذهن المتلقي.
* هو يفرح عندما يلتقي نصًّا مدهشًا، لأنه يعرف أن الجمال الحقيقي نادر، وأن من حقه أن يحتفي به.
* بل ربما تكون قمة سعادته حين يشعر أن قراءته أضافت للنص حياة جديدة، أو أيقظت فيه بعدًا كان غافلاً عنه حتى كاتبه.
3. السعادة شعور غامر ولحظة تماهٍ:
* هي لحظة انخطاف؛ حين يدخل الناقد في حالة من التلقي المتجاوز، فيصبح النص مرآة لروحه، وينقلب القارئ كاتبًا بطريقة غير مباشرة. تلك اللحظة التي يشعر فيها أن كل ما قرأه ودرسه وتعلّمه، قد اجتمع ليتوّج لحظة قراءة واحدة.
* هذا الشعور هو السعادة بعينها؛ شعور الغبطة، والنشوة الفكرية، والامتنان لما يمنحه النص من حياة روحية فائقة.
ختاماً :
* السعادة في حياة الناقد ليست ترفًا، ولا مجرّد حالة شعورية طارئة،
* بل هي شكل من أشكال الوعي والامتلاء.
* هي دهشة الاكتشاف،
* ونشوة التأويل،
* ولذة الإنصاف.
* الناقد السعيد هو من عرف أن وظيفته ليست تفكيك النصوص فحسب،
* بل الكشف عن روحها،
* وأن يهمس في أذن القارئ:
* “انظر، هنا جمالٌ يستحق أن يُرى.”
الدكتور عبدالكريم الحلو