مستقبل البحث العلمي في عصر الذكاء الاصطناعي .
آفاق وتحديات .
د . أنور ساطع أصفري .
____________________________________________________________________________
الذكاء الاصطناعي مهما كان موقفنا منه ، إلآّ أنّه يُعبّر عن ذاته بشكلٍ مباشر ، إلى أنّه ” قفزة نوعية ” في عالم الأبحاث ، حيثُ شهدت الأعوام القليلة الماضية دور الذكاء الاصطناعي في عالمٍ مختلف ، وخاصّة في إجراء البحوث وتطبيقها وتحليلها في آفاق البحث العلمي .
وخاصّة أن الحروب اليوم لم تعد عسكرية فقط ، بقدر ما هي اقتصادية وتقنية ومعلوماتية .
حتّى لو حدثت حرب عالمية ثالثة فهي لن تكون عسكرية وحسب ، بل ستكون تقنية ومعلوماتية في المقام الأول .
في السنوات الماضية شهدنا ضجيجاً فوضوياً حول الذكاء الاصطناعي ، لكنه تضاءل وتلاشى ، حيث وصل الذكاء الاصطناعي إلى أوج توقعاته ، و وصل إلى قمةِ هرم التوقعات الخاصّة به .
في ثورة الذكاء الاصطناعي ومتغيراته فإنه يستطيع أن يتعامل مع النماذج الكبيرة التي تتطلب كفاءة كبرى ، وأيضاً مع النماذج الصغيرة التي تتطلب كفاءة أقل .
طبعاً الذكاء الاصطناعي مهامه متتالية فإنّه يقوم بتحديد المهام ، ومن ثُم اللجوء إلى التحليلات ، ومنها نصل إلى رؤى جديدة ، وهذا سيجعل العمل أكثر موضوعية وكفاءة وقدرته على الإبداع البحثي .
لذا نرى أن الباحثين يتوجّهون نحو الذكاء الاصطناعي الذي يزداد انفتاحاً وشعبية وخاصّة في مجال مساعدة العملاء وصناعة البرمجيات ، ويبقى الأهم التركيز على الأخلاقيات و وضوح التعامل ، حيث أن الذكاء الاصطناعي سيعم العالم خلال السنوات القادمة .
يُعتبر الذكاء الاصطناعي أحد أهم التطورات التكنولوجية التي شغلت العالم ، فهو أي الذكاء الاصطناعي يُعزز القدرات البشرية ، ويُحسّن عمليات البحث العلمي والابتكار ، بل الإبداع في هذا المجال وبشكلٍ كبير .
حيث أن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكلٍ مباشر على المعطيات و البيانات والخوارزميات والحوسبة بهدف اتخاذ القرار وحلّ المشكلة ، حيث أن الذكاء الاصطناعي يمكنه القيام بمهام متعددة الجوانب مثل البشر .
الذكاء الاصطناعي يُقدّم عملاً واسعاً في مجال تحسين وتطور البحث العلمي ، فهو يقوم بتحليل البيانات الضخمة ، وتسهيل الاكتشافات العلمية ، ومساعدة الباحثين على إتخاذ القرار المناسب ، والاستثمار الفعلي في أي مشروع علمي ، مثل الكيمياء واكتشاف الجزئيات ، والطب والتشخيص السريري ، والفيزياء والبحث عن جسيماتٍ جديدة ، وعلوم التغير المناخي والبيئة وفهم تأثيراتها .
المستقبل سيكون أكثر إشراقاً لأن الذكاء الاصطناعي سيعم كل الدول ، حيث سيتمكن الذكاء الاصطناعي من تسهيل وتطوير التعاون الدولي في مجال البحوث ، وتسريع عملية الاكتشاف بوتيرة أسرع ، وتطوير التقنيات الجديدة ، وتوجيه البحث العلمي نحو تحدياتٍ كبيرة ، وخاصّة في مجال البيئة والاقتصاد والصحة ، ومن خلال هذا المنطلق علينا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الذي سيوفّر لنا التكنولوجيا الحديثة والفرص الكبرى في مجال البحث والابتكار مع الحفاظ على الأخلاق والأمان .
خلال السنوات القليلة الماضية أصبح جلياً أن الذكاء الاصطناعي لعب دوراً بارزاً في مجال تطبيقاته التي تساعد الباحثين وطلبة الدراسات العليا في كافة خطوات البحث العلمي ومراحله ، مثل تجميع المادة العلمية ، ومعرفة الدراسات السابقة مثل رسائل الماجستير والدكتوراة ، ومن ثم تنظيم وترتيب وادارة ما يتناسب واهتمامات الباحث ، وذلك من خلال توفير بيانات تحتوي على الكثير من المواقع والأبحاث .
ومن أهم التطبيقات ، تطبيق MENDELEY الذي يوفّر للباحث جمع كافة الأبحاث والدراسات التي يطّلع عليها ، والعودة إليها إذا إضّطر إليها مرّة أُخرى .
وتطبيق RESEARCHER الذي يوفّر للباحث الوقت ، ويساعد الباحث في أي مشكلةٍ بحثية يتعرّض لها ، ويعرض لهم أيضاً الدراسات والأ[حاث السابقة التي لها علاقة بموضوع البحث المهتم به .
وتطبيق LIBGEN وهو يتميّز بأنه يمتلك محرك بحث للمقالات والأبحاث العلمية والكتب في تخصصات مختلفة ، والتي توفّر للمستخدم امكانية الوصول السريع والمجاني إلى المحتوى العلمي المقصود ، وفي هذا التطبيق هناك أبحاث وملفات وكتب كثيرة جداً بصيغة ” PDF” جاهزة للتحميل المجاني .
تطبيق ENDNOTE هو أحد التطبيقات المهمة للذكاء الاصطناعي الذي يُساعد الباحثين على إدارة كافة المراجع أثناء اعدادهم لأبحاثهم العلمية ، والبحث في العديد من قواعد البيانات المختلفة .
تطبيق ZOTERO أيضاً هو أحد التطبيقات الذكية ، للذكاء الاصطناعي ، الذي يُساعد الباحثين على إدارة البيانات و المراجع البيليوغرافية والمواد البحثية ، مثل المقالات والرسائل العلمية والبحوث التي تتعلق بعنوان البحث الخاص بهم ، وبالتالي يقوم بتنظيم الحواشي والمراجع .
وهناك تطبيقات أخرى مثل M ASADER – ETHOS – ELICIT- وسواها .
من أهم التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي هي المخاوف التي تتجلّى بأن الإعتماد الكلّي على برمجة الذكاء الاصطناعي في الأبحاث كافة سيحدّ حتماً من الحسّ الإنساني والإبداع البشري .
وبنفس الوقت علينا أن نعترف بأن الذكاء الاصطناعي ثورة ، لكنه أبداً لن يتمتع بالحسّ البشري ، ولن يصل إلى مستوى المعرفة عند الإنسان في مجالات مختلفة عديدة .
إنّ مخاطر الإعتماد على الذكاء الاصطناعي تتجلّى في الخصوصية والأمان والقرارات الأخلاقية ، والإعتماد الكلّي تقريباً على التكنولوجيا ، والحدّ من ألية اليد العاملة البشرية .
ولكن هناك مجموعة من الاخصّائيين في مجال الذكاء الاصطناعي بذلوا جهداً كبيراً من أجل توظيف الأخلاق والخصوصية والشفافية في مجال الذكاء الاصطناعي ، من خلال بل بالاعتماد على مدوّنة أخلاقية خاصّة بالذكاء الاصطناعي .
لا ننكر أن الذكاء الاصطناعي يُعدُّ إنجازاً كبيراً فيما يخصّ الرقي البشري ، نظراً لقدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم خدماتٍ كبيرة لا يٍُستهان بها في المجال الإنساني ، إن كان في المجال الشخصي أو الطبي أو العسكري أو الصناعي والتجاري ، ويبقى الهدف الرئيس هو تحقيق حماية ورفاهية الإنسان ، حيث أن هناك ريبوتات خطرة وصعبة في المجال الصناعي ، وفي ساحات المواجهات العسكرية ومراقبة الحالة الصحية للمرضى ، ومساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة أو الإحتياجات الخاصّة ، وأيضاً حماية المنازل كما المؤسسات ضد أي إعتداء عليها ، كلّها أمثلة وافية تضمن سلامة الإنسان .
الذكاء الاصطناعي في دول العالم تطوّر بشكلٍ ملحوظ ، وكأن هذا التطوّر فرض على الدول العربية السير في هذا المسار ، الذي يُشكّل المحرك الرئيسي للابتكار في قطاعاتٍ شتّى .
في السنوات القليلة الماضية شهد الوطن العربي تطوراً واضحاً في مجال الأدوات التكنولوجية التي تلعب دوراً بارزاً في تطوير الأبحاث العلمية والتقدم العلمي .
حيث أخذت المكتبات الرقمية والعناصر البحثية المتطورة منبراً مهماً لتسهيل الوصول إلى الأبحاث والملفات والدراسات العلمية ، وهذا الشيء جعل الباحثين العرب يعيشون حالة التطور مع الأبحاث العالمية .
كما تم استخدام البرمجيات المتخصصة لتحليل البيانات في مجالات العلوم الاجتماعية والهندسة والطب ، وهذه العناصر توفّر لكل باحثٍ القدرة على تنفيذ التحليلات المعقّدة ، وأحياناً المعقدة جداً في زمنٍ قصير .
كما ساهم الذكاء الاصطناعي في تسريع معظم الاكتشافات العلمية ، حيث تحسّنت التصاميم ، وتحليل البيانات ، وتحسين كفاءة الأبحاث العلمية ، وتحسين البحث العلمي عبر الحدود .
هناك مشروعاتٍ بارزة في العالم العربي في مجال الذكاء الاصطناعي ، مثل الإمارات والسعودية وقطر ، ومصر بدأت الولوج هذا المجال في برامجها .
طبعاً هناك فرص متاحة أمام الوطن العربي ، ولكن لا بُدّ من تعزيز التعليم في مجال الذكاء الاصطناعي ، والتعاون مع الشركات الدولية ومؤسساتها ، وتعزيز العلاقة التعاونية بين القطاعين العام والخاص ، وادراج الذكاء الاصطناعي في برامج التعليم الجامعي ، وإطلاق حزمةٍ من الاستراتيجيات المحلية الوطنية لدعم برامج البحث العلمي .
نعم الوطن العربي بدأ يشهد تحوّلات واضحة في مجال استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ، لكن الطريق أمامهم لا يزال طويلاً .
إن استثمار الوطن العربي في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا سيعزز في قدراتهم على تحقيق نتائج كبيرة تُساهم في حلّ معظم التحديات التي تواجه الأمّة في مجال البحث والتطور .
جرت عدة دراسات قام بها باحثون ، ’و دقّقوا في دور الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي ، لمعرفة وإدراك تأثيره الفعلي و مقارنته بالعلماء ، وكانت النتائج تُشير بأن الذكاء الاصطناعي وقفزته النوعية يُعتبر قيمة فعلية في مجال المهام البحثية المتنوعة ، لكن يفتقد توقعات وشعور الباحثين وخبرتهم .
لكن الذكاء الاصطناعي لديه المقدرة الكافية لمساعدة العلماء والباحثين في مجال جمع البيانات وتفسيرها وتحليلها ، وأتمتة العمليات المتتالية ، وهذا يخلق عند الباحثين العثور والتركيز على أكثر الجوانب الجوانب تعقيداً في عملهم ، وإحداث تطورات جديدة في مجالات مختلفة ، وخاصة في مجال علم الأحياء والفيزياء .
وقولاً واحداً إن دمج عناصر الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث العلمي الذي يتيح لكل الباحثين تعزيز الكفاءة والانتاجية لديهم ، وبالتالي فإن دمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء الإنساني البشري ينتج عنه المقدرة على دفع الابتكار والإبداع إلى مستويات رائدة في مختلف التخصصات .
أكّدت دراسات عديدة جرت حول امكانية ولوج الذكاء الاصطناعي مجال الدراسات العليا ، وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في مستويات التعليم العالي ، وأظهرت تلك الدراسات إن تطبيق واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي يُوفّر القدرة الفعلية في مجال تحقيق الكثير من الفوائد والمزايا ، لكنه بنفس الوقت هناك تحديات تُشكّل تهديداً مباشراً على عدة جوانب في التعليم العالي ، ولقد سلّط الباحثون الإشارة إلى العديد من التحديات و أكّدوا على سلامة البيانات وجودتها .
حيث تتمتّع مُدخلات الذكاء الاصطناعي بالإبداع في إفراز محتوى ذو صلة مباشرة ، لكنه يحتوي على معلوماتٍ مُشوّهة أو غير صحيحة أو مُضللّة .
وبنفس الوقت إن مخرجات الذكاء الاصطناعي تؤدّي إلى تعقيد هذه المشكلة ، ممّا يُشكّل الصعوبة على المستخدمين بشكلٍ متصاعد حول تمييز صحةِ المعلومات ، ومن ثُمّ قد تنتشر المعلومات الخاطئة والمزيفة ، وعدم الوصول إلى اكتساب المعرفة الدقيقة .
ومنها تسمو الحاجة إلى التقييم والتحقيق من مخرجات الذكاء الاصطناعي وخاصة في مجال التخصصات العلمية .
لذلك لا بُدّ من التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال المؤسسات العلمية المتقدمة من خلال توفير بنية تحتية ، ودعمٍ فني وتقني ، وتوفير فهم وإدراك وبعمق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم ، واستكشاف مزاياها ، وتجربة وظائفها وقدراتها ، والمتطلبات والقيود والتحديات بشكلٍ أفضل .
كما لا بُدّ من التطوير الفعلي للمهارات الخاصّة بهيئة التدريس والطلبة كذلك حول استخدام الذكاء الاصطناعي . وتوفير التدريب اللازم والتوجيه .
ومن الضروري تشكيل فريق عمل متخصّص لوضع تصاميم الخطط والسياسات والمناهج التي تعتمد وتتوافق مع مبادىء تنظيم الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم العالي .
كما لا بُدّ من حماية وسلامة البيانات من خلال ضمان حماية الخصوصية ، وتوفير تقنيات أنظمة التشفير والأمان والمصادقة .