خديم الزاوية 19
بقلم نصر العماري
…وماإن نزل الشيخ من الكاليس متكئا على يد” سارج” الحريص على أن يضع سيده رجليه في مكان آمن، وعلى أن يعدّل له برنسه الجريدي على كتفيه ،حتى تجمّع حول الكاليس مجموعة من رجال الزاوية والطلبة الذين أبعدهم شاوش الزاوية ليفسح المجال للمؤدبين
سي صالح بالعربي و وناس بالباهي ليقبلا كتف الشيخ ويدعوا له بطول العمر و يرافقاه الى بيت الضيافة .
وهي قاعة مفروشة بالحصر ،المحبوكة بأيادي اولاد ظاهر المهرة في هذه الصنعة،
وأكلمة الصوف الكسراوية النسج يحيط بها عدد من الوسائد المحشوة صوفا منفوشا وقطنا…
التفت الشيخ آمرا سارج:
– ما تخلّي حد يدخل علينا ، حاجتي بالمدّب “صالح والمدب وناس.”
وقبل أن ينفذ سارج الأمر أسرع شاوش الزاوية” علالة ولد محمود منيفق” يفرق الحاضرين مردّدا:
– ايه ، يبارك فيكم كل واحد يرجع لبلاسطو، الشيخ مايحبش الحس ، ايه يهديكم.
فتفرق الجمع ومنهم من ابتعد عن باب بيت الضيافة وبقي يراقب
او يتحدث ، أو يعبر عن سروره أن شاهد الشيخ عن قرب. وكان بوده أن يشاهده ينزل من سيارته بكار، وهو الاسم المختصر الذي أطلقه العامة على ستودبيكر…
كان المدّب أو المؤدب” صالح بالعربي” مؤدبا
كيسا لبقا حريصا على اناقته بجبته الخمري وبرنسه الاشخم .
امسك الشيخ من يده ليجلسه ويجلس بجانبه هاشا باشا:
-مرحبا بيك يا سيدي الشيخ ، الزاوية نورت ،النهار مبارك
اللهم صل على سيد الخلق مرحبا ، مرحبا الزاوية زاويتك،وزاوية جدك ،ووالدك رحمهم الله وعلى قدر رعايتك لها ربي يرعاك ، والحمد لله الناس تشهد وربي يشهد …
أما” المدب وناس” فقد كان رجلا خجولا لطيفا بطبعه ميالا للهدوء كثيرا ما يستعمل منديله البني ليمسح انفه وهو يساند ويؤكد حديث زميله “صالح بالعربي ” بتحريك رأسه ليظهر ترحيبه بالشيخ.” فالمدب صالح” لم يترك له الفرصة ، فاقتصر ترحيبه على تكرار حركة رأسه و عبارة :
– ايه بالمنجد ، كيما قال” المدّب صالح” يصلح رايك يا شيخ….
ثم سريعا انتصبت الحضرة وفاح في الجو عبق البخور والجاوي
وتعالت الاصوات مع الدّق على الدفوف تردّد :
طاب زرعك كي طاب
طاب زرعك وتفيّا
مشى شواويط وأغمار
واللي حصد قال شويه
باسم الله الرحمان
بديت نمدح ونمجّد
عليّه وصالح محمد
كي طير الشربان
في السماء عامل ضيّه
شافوه بالعيان
جدّي صالح وعليّه
باسم الله الرحمان
بديت نمدح ونمجّد
ع مول البرهان
عليّه وصالح محمد
كي جتّ الزيّار
ام يلقوا الزاوية محلولة
هام شعلوا القيزان
يجعلها زيارة مقبولة …
يتبع