التحليق منعزلا في عالم الذات
كيف السبيل الى الخروج من رِئة عربية مُثقلة بغازات سامة ،لم تخنق بدخان نيران مفتعلة ، او اَدخِنة مؤسسات صناعية غير معالجة، او ما يتصاعد من اَبْخِرة سيجارة ” مارلبورو” المنتج المعروف لشركة فيليب موريس الدولية فى الولايات المتحدة الأمريكية ،وخاصة الرديء منها ، ولكن بؤرة مصدر الاختناق تمثل في نوع اخر من الفحم الاُحفوري الذي تنبعث منه بشكل اساس ثاني اُكسيد مادة الحقد ، الغِل ، الكراهية، العنف ، الاستغلال ،الضغينة ،التطرف وحب السيطرة
،وهذه كلها مواد مصنفة “خطر ” عند علماء الانتروبولوجيا باعتباره كفرع من فروع العلوم الاجتماعية المهتمة بدراسة السلوك المجتمعي
للاشارة فان السلوك المجتمعي لثقافة الانسان العربي تعتبر مادة عَصِية على فهم نَسق مكوناتها وتحليلهأ ومعالجتها ، وان كل محاولة لاستيعاب فهم وتفسير سلوك المجتمع العربي وتطوره عبر الزمن ينتهي بالفشل والارتباك لكثرة التناقضات ، وعليه يصعب القياس عليه في بناء نموذج نظري لفهمه فهما علميا من دون العودة الى التاريخ.
إن المجتمعات العربية، ومع التطورات العصرية ما زالت منغلقة على ذاتها ، بحيت يتولد عن سلوكياتها المتضاربة الحالية العديد من المتناقضات التي تسري في عمق ثنايا مختلف المستويات التي يتشكل منها الواقع المجتمعي العربي ، الامر الذي يترتب معه ان الانسجام والتفاهم بين مكوناته تاريخيا كان امرا مُستبعدا ، بحيت ان القاعدة آنئذ كان قوامها الغلظة والفضاضة والشٌِدة، وعليه فان
تعقب التطور الخطي لهذا السلوك يعتبر اٌلية دقيقة لفهم السلوك الحالي للمجتمعات العربية
وعليه فان ظاهرة التماسك والانسجام بين المجتمعات العربية الا ما رَحِم ربي ،تعتبر تَركِبة بهامن الغموض والاِبهام ما يجعلها مادة صعبة التحليل، عسيرة المعالجة مُعقدة الفهم، وان جميع محاولات الخوض في الحديث عن عملية التعايش فيما بين المجتمعات العربية يعتبر ضربا من الخيال ، والواقع الحالي خير دليل وخير شاهد على ما يجري من دسائس ومكائد بين المنتسبين الى لغة واحدة،ومعتقد واحد ، وهذا التشخيص له دلالة واحدة يمكن اِختزالها في ان فيروس الماضي البايد ما زال جاثما في اَخاديد لا شعور المجتمعات العربية كرواسب قديمة لم تخضع قط عبر امواج صفحات التاريخ الى التمازج والتساكن فيما بينها في العصر الحديث .
وعليه فلا يسعنا الا ان نقول بان العالم العربي يمضي قُدُما نحو مستقبل غامض ، مجهول المعالم ،مطموس الاِحذاثيات ، يمضي في اتجاه نوم عميق ، بحيت لا يتوفر على مُخططات ، ولا على رؤية مستقبلية واضحة، ولا على مشاعر تضامنية تعكس حقيقة المشترك الموجود بين مكوناته ، فقط مشاعر خبيثة تنخر جثة هامدة مِلؤها الكراهية الغميسة في اعماق اعماقه ، والحقد الدفين في لا شعوره ، مجتمعات غارقة في متاهات صحراء لا اول لها ولا نهاية، مُبعثرة التواجد ، هاءِمة في مَجرٌَات الخديعة والمكر، بعيدة عن التعايش وبالاحرى التمازج ، مجتمعات انسلخت من هويتها ، وتَاٌمرت بنفسها على اقتلاع جدورها،ونَفيِ مكونها في مكان سحيق فضلا عن دفن حطام جثتها ، عفوا بل اِحراق جثتها ،لكون ان الارض رفضت استقبال جثة بها من القاذورات ، والنتانة المرفوضة ادبيا ،واخلاقيا .
وعليه فان الاحرار من هذه المجتمعات العربية ،الغيورين عليها اضحت تفضل اللجوء الى مكان ناءِِ ، كي لا تسمع عن اخبارها أو ترى أفعالها .
وعلى الرغم من كل الانزلاقات والانبعاثات الغازية السامة لسلوكيات هذه المجتمعات العربية ، يبقى هدف المواطن العربي الوحيد هو التمسك بهذه القضية، وهذه الامة العربية لانه لا يوجد أي شيء مِثل ذلك لنتمسك به.
صفوة القول فان المواطن العربي من المحيط الى الخليح ، لا يتفق بشكل مطلق مع ما جاء في قول الكاتب الياباني
( هاروكي موكارامي ) في كتابه ” التحليق في عالم الذات”
” فقدتُ إهتمامي بهذا العالم ، خاب أملي وأُحبطت وفقدت شغفي ، ولذلك تخليتُ عن حياتي المادية ، وذهبت للعيشُ بعالم مُنعزل ، أُحلق فيه بمُفردي ، عالم يوجد بداخلي فقط”
الله غالب
عبدالسلام اضريف