اللبيب بالإشارة يفهم…
بقلم: ماهر اللطيف
صاح الديك وانتشر صقاعه في كل مكان ككل صباح،أُذِّن من صوامع المدينة، فذاع صوت الحق مناديا للصلاة والفلاح وانطلاق يوم جديد،دبت الحركة رويدا رويدا واختفى سكون الليل وهدوء حركته…
بزغت شمس هذا اليوم وانقشعت سحب سمائه،سُمع صوت القرآن الكريم مصدعا من أجهزة راديوهات المحلات التجارية والمنازل إلى أن نزلت السكينة والطمأنينة وراحة البال على كل من عاش هذه اللحظات العذبة التي لا يمكنها إلا أن تزيد الشخص إيمانا وتقربا من الله وخشية يوم الدين إن هو أقدم على سيء الأعمال – وهو وارد في كل آن ومكان بما أننا بشر والبشر خطاؤون -.
لكن جسدي – كعادته منذ مدة ليست بالقصيرة – ارتخي حينها وزاد تقاعسه واستسلامه وكسله ، ميله إلى مزيد الراحة والاستلقاء وهجر الدنيا لبعض الوقت، عدم التجاوب مع عقلي وفكري ورغبتي في الإقبال على هذا اليوم الجديد عساني أجني فيه بعض الحسنات التي قد تثقل ميزان حسناتي يوم الحشر المهيب، وأتحاشى ما تيسر من الشرور والسيئات وفق اجتهادي ومقدرتي على ذلك.
فخاطبت كل مكوناته بصوت ناعم وهادئ ،أمرتهم أن ينشطوا ويجددوا طاقاتهم المهدورة،شحذت هممهم وخطبت فيهم بكل حماسة وشجاعة، ألّبتهم على الأعداء الذين استفحلوا في هذا “الوطن” واستعمروه قبل أن يعبثوا بمحتوياته وخيراته وكنوزه،ذكّرتهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” و قوله تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” وغيرها من الحجج والأدلة المحفزة والداعية إلى النهوض والوقوف من جديد وتحدي كل المصاعب والمشاكل والتسابق مع بقية الأوطان من أجل فرض أنفسنا بينهم ومحاكاتهم ومنافستهم منافسة شرسة وجدية….
لكنهم لم يعبؤوا بي ولم يفقهوا كلامي، لم يعيروني أي اهتمام أو قيمة،بل إنهم استهزؤوا بي وسخروا مني ،تركوني وحيدا وخلدوا إلى النوم مجددا كأن صوتي ” جالبا للنعاس بالنسبة لهم”، أو كأني قصصت عليهم قصة أو خرافة قبل النوم مثلما كان والدينا يفعلون معنا عندمآ كنا أطفالا…
لذلك ، صحت فيهم عاليا ،ركلت البعض وصفعت البعض الآخر، لكمت من وصلت إلى وجهه قبضة يدي،طرحت أرضا ما بقي منهم،جذبت العروق بقوة وكذلك الشرايين حتى كادت تتمزق وتغرق الجسد بمحتوياتها وتقضي على ما بقي حيا على هذه ” الأرض المقدسة” ….
فهاجوا وماجوا و”أعربوا على سخطهم ورفضهم لتصرفاتي غير المسؤولة والعنيفة،اتحدوا ضدي وعزموا على الهيجان والانتفاضة ضدي قبل الثورة وعزلي عزلا نهائيا لا رجعة فيه…
فقال القلب وقد توسطهم وهو يرتعش ويدق دقات سريعة كادت تعبث به وتنهي وجوده جراء اندفاعه وحماسته المفرطة التي لم أتعود عليها سلفا منذ ولادته:
– “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟” لماذا تطغى وتتجبر أيها الدكتاتور؟نعلم أنك رئيسنا،لكن هذا لا يمنحك الحق في اهانتنا والاعتداء علينا وعلى حقوقنا
– (المعدة باكية وقد ألمّ بها الألم والوهن) لماذا تضربني و”السرطان” ينهكني ويفتك بي وبجيراني؟
– (الرئة اليسرى مستجدية) لا تضربني أرجوك فقد زارني ضيف المعدة إلى جانب ضيق التنفس وغزو الهواء والماء الذين أفسدوا وجودي وسلمي مما جعلني لا أقدر على الحركة….
وواصلت بقية الأعضاء التحدث والتنصل من كل مسؤولية، اختلاق الأعذار والأسباب التي تجعلها لا تتحرك ولا تتحمس للدفاع عن بقية الأعضاء والوقوف إلى جانبها حفاظا على تواجدهم جميعا واستمرارهم في هذه الحياة، تفضيلهم لمصالحهم الذاتية والضيقة على المصلحة الجماعية الشاملة الضامنة للسيرورة والبقاء وسنوها من الترهات الواهية التي تعفيهم من كل تحرك وعمل….
وهو ما جعلني استحضر واقع ” أمة” بأسرها فعلت نفس فعل جسدي وأهملت صحتها،فحاصرتها الأمراض والأوبئة والجراثيم وتلاعبت بها،بل إنها أفنتها وقضت عليها مستغلة في ذلك تقاعس بقية الأعضاء وتباعدهم عن بعضهم البعض،بل إنهم استهزؤوا من الأعضاء المريضة وشجعوا مستعمريها وساندوهم بغية التخلص من بني ملتهم لاعتقادهم أن وجودهم معهم في نفس الزمان والمكان يقلقهم ويضيق عليهم ويقتر عليهم الخيرات الغذاء والماء والنفس وغيرها، وتناسوا أن “الوحدة تصنع القوة” ، والأجزاء تخلق الكلية” وغيرها من الشعارات التي تضمن تواجد أي كيان وتحفظه، توفر له القوة والصحة والسلامة والأمن والطمأنينة وسنوها،… ،تخلق الحضارات وحاجياتها ،احتياجاتها وطموحاتها و أحلامها عكس ما نشهده في هذه الأمة التي استحضرتها المستهلكة،المتواكلة،الخانعة،المريضة بالكلام و “البكاء على الأطلال “بدل العمل والجد والكد ومجاراة العالم ومن فيه وما يحصل على أراضيه هنا وهناك…