الكتّاب في عزلة العمر الجميل
حين يُهجر الوهج ويُطفأ النور
الدكتور عبدالكريم الحلو
————————
تحية ملؤها العتاب والنصح :
* في عمر الستين وما بعده، حين يُفترض أن تثمر التجارب وتنضج الثمار وتُقطف الحكمة من شجرة العمر،
* نجد كثيرًا من الكتّاب والمفكرين والشعراء وقد ركنوا إلى صمتٍ طويل، أو انسحبوا بهدوءٍ من المشهد، وكأنهم لم يكونوا يوماً فرسانه الذين صالوا وجالوا في كل معاركه ونكباته.
* في مشهد مؤلم جداً ومرعب للنفس البشرية في صمتٍ ثقيل، ينسحب بعض الكُتّاب والمفكرين من ساحة الأدب والفكر، يطوون أوراقهم بصمت، ويمضون إلى عزلةٍ طوعية.
* هم أولئك الذين أفنوا أعمارهم بين الورق والحبر، رصدوا وجع الإنسان، وشهدوا تحولات الزمن، ونحتوا من قلوبهم كلماتٍ كانت تضيء دروب الآخرين.
* هؤلاء الذين قضوا أعمارهم يكتبون لأجل الآخرين، يضيئون الظلمات بالحرف، ويمنحوننا من أرواحهم شعراً وفكراً ونصوصاً تُرشد، وتُعلّم، وتُربّي، وتُهذّب…
* ينتهون إلى عزلة موحشة، لا يزورها سوى الندم والخذلان.
لكن، لماذا؟
أولاً : خذلان الواقع :
——————
لِمَ يعتزل الكبار حين بلغوا الستينات من العمر طوع انفسهم ؟
* هذا العمر الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية “سنّ الحصاد”، حين تنضج التجربة وتُستثمر الحكمة،
* لا ليُهملوا،
* بل ليُحتفى بهم.
* الخيبة الكبرى تأتي من واقعٍ لم يُنصفهم.
* وأن ما نادوا به من أخلاق، صار مثار سخرية في زمن المصلحة والابتذال.
ثانيًا : هجران الناس للكلمة :
————————-
* من يكتبون اليوم في عمر الستين وما بعده، يدركون أن الناس لم تعد تصغي للكلمة،
* ولا ترجو إصلاحًا، ولا تحفل بمن يضيء طريقها بالمعرفة.
* تركتهم الجماهير، وولّت وجهها صوب “مؤثرين” لا يحملون إلا فراغًا براقًا.
ثالثًا: الخذلان الثقافي :
———————
* يكتشف هؤلاء الكبار، فجأة، أن لا أحد يقرؤهم إلا القليل، ولا يُدعون للمهرجانات،
* ولا تُمنح لهم الجوائز،
* وكأنهم خارج الزمن.
* يتأملون أسماء تتكرر بلا مضمون، فيسألون: أهذا زمننا؟
* فيشعرون أن الكتابة صارت عبثًا.
رابعًا: وهن الجسد ووحدة الروح :
—————————–
* مع تقدّم العمر، تبدأ الصحة بالتراجع، وتبدأ الذاكرة بتقليب صور الراحلين، لا صفحات الكتاب.
* يشعر الكاتب الكبير بأنه لم يعد له من يسانده أو يُجاري فكره، فالعزلة تغدو أصدق رفيق، والسكون أكثر رحمة من صخب لا يُنصت.
فلماذا لا نحتفي بهؤلاء الكبار؟
—————————
* إنها دعوة صريحة اكتبوا إليهم، أهدوا لهم كلمة، خاطرة، رسالة وفاء، كل صباح.
* أعيدوا إليهم بعض الدفء الذي منحه لنا أدبهم وقصائدهم.
* استدعوا أسماءهم من العتمة إلى النور.
* أنصتوا لهم… فهم آخر الجسور بيننا وبين زمن الحرف النبيل.
* كبارنا ليسوا عالةً، بل جواهر غالية،
* لا تستحق أن تُنسى في درجٍ مظلم أو يُختزل حضورهم في ذكريات عابرة.
* احتفلوا بكباركم في كل مناسبة،
* في كل حين…
* أحيوا أسماءهم، ذكّروهم أنهم لم يغيبوا عن الذاكرة، وأن الحرف الذي كتبوه ما زال يسكن القلوب ويهدي العقول.
* احتفلوا بهم في أعياد ميلادهم
* لا تتركوهم يطفئون شموعهم وحيدين
* بل اجعلوا من يوم ميلادهم عيدًا للحرف.
* في أعياد الوطن:
* ذكّروهم أنهم بناته الحقيقيون، من غرسوا الوعي في ترابه، وكتبوا له نشيده حين كان صوته مبحوحًا.
* في كل لحظة فرح أو وجع:
* ليكن صوتهم حاضرًا، لأنهم الذاكرة التي لا تموت، والضمير الذي لا يُشترى.
* تذكروا جيداً انكم ستكبرون وستنسون
* الكاتب الكبير لا يموت
* بل يُنسى فقط حين نهملُه عن غير قصد
* فلنعدهم إلى الحياة بكلمة حب،
والتفاتة عرفان، ووقفة وفاء…
* إن أعظم العرفان الذي نقدمه لهم،
* أن نقول لهم في كل مناسبة :
* نحن لا نزال نقرأكم،
* نحبكم،
* وننتمي إليكم.
متعكم ربي بالصحة
والعافية وطول العمر
الدكتور عبدالكريم الحلو