قراءة في ثلاثية ق ق ج للشاعرة و الأديبة اد الهام عيسى /سوريا
بقلم الناقدة سعيدة بركاتي /تونس
جمعت الكاتبة القصص الثلاثة تحت عنوان رئيس ” خلود”، بمعناه الأول الحياة الأبدية ، مصطلح يدل على الحياة في شكلها الروحاني أو الفيزيائي لمدة زمنية غير محددة فهو شكل الحياة دون نهاية (حسب موقع ويكيبيديا) كالخلود في الجنة : يقول الله تعالى : أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون : البقرة 82، كذلك الخلود في النار ،في قوله تعالى : أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، البقرة 39 (موقع المعاني )
نتساءل : ما قصة خلود و علاقته بالقصص التي سيتناولها قلمي بالدراسة ؟
و إن كانت ثلاثية في القصة ق ج فمن المؤكد مواضيعها في اتجاه واحد مع تنوع الأحداث.
القصة الأولى تحت عنوان : جهر سماوي
++ جهرسماوي
حاولوا قبره في لجة النسيان.. لم يدر بخلدهم انه يسري كنسيم الفجر ..تاق مع الثريا فنشق الثرى .. حمل كومة من التراب قائلا : ( هنا خلقت من طين وصلصال ) .. تشوقت الارض لاحتضانه فتنهدت شهقا اليه صم في الاذان .. الا ان هدير صوته ما زال يجلجل في عباب السماء
#القراءة :
الجهر هو الاعلان و الظهور لغة أما اصطلاحا فهو انحباس جريان النفس عند النطق بحرف من حروف الجهر
سماوي وهو اسم منسوب إلى السماء
فهل انحبس النفس عند السماء أم هو خلود من نوع آخر بالرجوع إلى العنوان الكبير للقصص ؟
و تبدأ الكاتبة القصة بجملة فعلية منسوبة إلى الغائب أو المجهول في صغة الجمع : “حاولوا قبره في لجة النسيان ” واللجة :معظم البحر حيث لا يدرك قعره ، و فعل “حاولوا” دلالة على أنهم في حالة تكرار للفعل ، فهل نجحوا؟ و الكثرة تغلب الفرد .
فالقصة تتحدث عن صراع أو مقاومة بين “هم و هو” هم يحاولون قبره و محو أثره من هذا الوجود و هو يقاوم حتى يبقى على قيد الوجود .
عن الحياة يقول : هنا خلقت من طين وصلصال : تشبثه الشديد بالأرض و هي رمز الهوية ثم منها خُلق فلابد أن يرجع إليها ، لكن كان صوته مازال يجلجل في عباب السماء و عباب مرادف للجة : فهو بين قبره في لجة النسيان و صوته الباقي في “لجة” السماء .
إذن : السماء ترمز إلى الخلود و الاستمرارية فصوته غُرس في عبابها و هذا ما ذكرناه أعلاه عن الخلود في شكله الروحاني .
أما الأرض و التي تتوق إليه و في شوق لإحتضانه كانت صرختها صم الآذان من ظلمهم حين اعتصموا على قبر صوته و نفي خلوده ، فالأرض في شوق أن يبقى عليها لا أن يقبر فيها وهي الشاهد على تعلقه الشديد بها حين حمل كومة التراب وهو التواق مع الثريا ، فالشهقة تأتي و آخر نفس في هذه الحياة ، فهل الأرض هي الأخرى ضحية حين حاولوا قبره بين طيات ترابها ؟ أم هي متضامنة معه ضد ظلمهم . “الأرض قبره و فناؤه .”
فالقصة تعبر عن أعداء النجاح الذين “يحاولون شد الفائزين إلى الأسفل إلى القعر إلى القاع دون قرار ، ككتم أصواتهم و تكثيف الحواجز في ثنايا دروبهم حتى تتعثر خطواتهم لكن خلودهم كان الأقوى سيشهده التاريخ و تتوارثه الأجيال مهما حاولوا قبر كل نور في غياهيب النسيان فالتاريخ سيخلد انجازاتهم و ستكتب بماء الذهب ،ابدا لا مجال لمحو الأثر الذي نقش على حجر التاريخ حتى و إن كان شاهدا على رأس قبر .
القصة الثانية : قرابين المحراب
++قرابين المحراب
ظلت نظراته شزرا نحو السماء .. التقطت كترجمان لجحيم اهل الار ض .. تعالى صخب لا ارادي اصطفت له الملائكة .. نادى المنادى يامن رفعت كليمك فوق الطور عجل بنا للقياك .. طالبوه بالكلام .. فيما اوحى اليه صمتك ابلغ في الافشاء والتبليغ . لم يكن سوى ملاك في طوابير القرابين المنتظرة في المحراب ..
#القراءة :
ما هو القربان ؟ هو كل ثمين يقدم للاله قصد التقرب منه و ارضاءه و الحفاظ على مودته و يدخل في باب الطاعات .
المحراب : هو المكان العالي المشرف الموجود بالمساجد أو دور العبادة او في بلاطات القصور …
و مفردة قربان جاءت في صغة الجمع : من خلال العنوان ، نحن مع ق ق ج ذات طابع “ديني” فيها من التضحية بما أنه ذُكرت “القرابين”
السؤال من هم القرابين ؟
ختمت الكاتبة القصة بــ لم يكن سوى ملاك في طوابيرالقرابين المنتظرة في المحراب ” ، “قفلة الادهاش ” التي تتميز بها الق ق ج ، فلم يسلم الملاك من بشاعة جحيم أهل الأرض ، نظرته كانت إعراضا و غضبا نحو السماء و هي نظرة بمؤخر العين .
الكلمات المفاتيح في القصة : تعالى صخب لا ارادي /نادى المنادي /طالبوه بالكلام /صمتك أبلغ في الافشاء و التبليغ / نستنتج وجود صراع بين الصمت و الكلام ، كلام بني البشر الذي ينشد الالوهية و صمت الملائكة التي تعجبت مما يفعله أهل الأرض فكانت ” الضحية ” و القربان في “صمت” و الصمت أبلغ من الكلام أحيانا .
هناك تناص قرآني في ذكر الكاتبة يا من رفعت كليمك فوق الطور ،اشارة الى النبي موسى حين كلمه الله و أعطاه الوصايا العشر ، والسطر بمثابة توسل و رجاء للتعجيل بلقاءه ” الاله” فقد أصبحت الأرض جحيما لا يطاق .
فهل أرادت الكاتبة أن تبعث برسالة خالدة على لسان الملائكة التي اصطفت في طابور التضحية لعلها تعطي درسا لأهل الأرض ،فهي لا تحتاج إلى الكلام حتى تبلغ رسائلها بل في الصمت قوة و وسيلة أسمى و أرفع من اللغو و الكلام .
القصة الثالثة :كرنفال
++كرنفال
ارادوا اطفاء نوره .. بازيز بنادقهم .. متناسين طبيعة الارواح المتاوزة للخوف والعتمة .. كان الجميع يراه في رعشة الريا بين الشجر.. ظل طيفه يهمس عبر التاريخ ها هنا عرجت نحو كرنفال النجوم !
#القراءة :
كرنفال : ما هو الكرنفال؟
الكرنفال هو موسم مهرجان يُحتفل به قبل فترة الصوم الكاثوليكية. تبدأ هذه الفترة في أربعاء الرماد وتنتهي في سبت النور الذي يسبق عيد الفصح. تتميز مهرجانات الكرنفال تقليديًا بالحفلات المفرطة المصحوبة بالمسيرات والتنكر .
و تبدأ القصة على غرار القصة الأولى بجملة فعلية ” أرادوا اطفاء نوره ” فهي إرادة جماعية ضد الفرد ، و قد أعمى بصيرتهم هذا النور النابع من هذه الذات ، نرى اول صراع بدأ بين الكل و الفرد : متناسين .. فهم لم ينسوا بل عمدا يريدون النسيان ، نسيان من أنار لهم يوما الدرب و الطريق قد يكون بالعلم أو الاكتشاف او المخاطرة و المغامرة لأجلهم .
تقول الهام عيسى: بأزيز بنادقهم ، هو التخويف عن طريق القوة ، قوة السلاح إن لزم الأمر لاطفاء هذا النور و سد النفس حد الاختناق ” بصوت أزيز البنادق” .فهل هذه محاولة لاطفاء نور الذات المناضلة ؟
” كان” الجميع يراه في رعشة الريا بين الشجر ” ، و فعل كان دليل على هذا الماضي الحافل بطيب نضاله و أعماله البطولية ” رعشة الريا” ، اما طيفه الذي ” ظل ” عبر التاريخ يهمس … تأكيد للاستمرارية و الديمومة و الثبات ” بفعل ظل” ، فحين يلتقي النور بالنجوم لن يستطيع أحد اطفاءهما فالنور من الله و النجوم صعب منالها و هي من صنع الخالق .
فالقصة مدججة بالروح النضالية الثابتة على مبادئها كانت قفلتها بين الكرنفال : الاحتفال و الاستمرارية و الفرح و البهجة ، و النجوم : النور الخالد منذ نشأة الكون ، و الكرنفال كما ذكرت أعلاه ينتهي إلى النور .
++ حزم القصص و علاقتها بالعنوان الرئيس ” خلود ” .
كانت القصة الأولى ” جهر سماوي ” خلودا في مقاومته النسيان
قرابين المحراب : خلود للروح و التضحية الصامتة مع التواصل مع الاله و التأثير الدائم في الكون
كرنفال : هو نضال ضد قوى الظلام و خلود في مقاومة العتمة و التأمل في النور الأبدي .
فالخلود في ثلاثية القصة ق ج للمبدعة إلهام عيسى
ليس مجرد دوام ، إنما هو استمرار هذا الدوام الذي يؤثر في الكون و الحياة بطرق عديدة ذكرت منها الكاتبة خاصة : الروح النضالية ضد كل ظلم على وجه الأرض استدعت من خلالها الملائكة التي كانت قربانا لرفع هذا الظلم و أنارت الكون بالفرح من خلال قصة كرنفال فكانت النجوم لآلئ القصص .
من جانب الأحداث كانت مكثفة في صورها المنقولة عبر قلمها المبدع مع لغة أنيقة استعارت من الطبيعة العديد من المشاهد غابت فيها الأنا فالقصص كانت مسندة إلى ضمائر الغائب حتى يزداد تفاعل المتلقي و يبحث في خفايا القصص ليكثف الأسئلة و البحث و التقصي و يملأ فراغات النقاط التي تركتها بين الجمل ، و يربط الأحداث و ما تشهده الساعة من صراعات عبر الزمن . تنوع زمن القصص بين الماضي و الحاضر دون ان تهمل المبدعة الجانب الروحي في القصص خاصة في قصة قرابين المحراب .
فهل كانت قصصها رسائل مشفرة تُقرأ بين فواصل الجمل من نقاط تعددت و كل مقطع ؟
بقلمي سعيدة بركاتي/تونس