الومضة والبعد الوجداني للشاعر كرّار السّعد :
الشامة : “حبة الخال” أنموذجا .
قراءة في ومضة “شامة الشّفة” و نص ” في خدكِ خالٌ ” للشاعر كرّار السّعد
الناقدة سعيدة بركاتي/ تونس
#القراءة :
حسب موقع ويكيبيديا : التعريف الوجداني: هو استراتيجية ذاتية وضمنية ، يوصف بأنه “صياغة المشاعر على شكل كلمات” #1 .
و موضوع القراءة : الشامة و ما قال فيها كرّار السّعد .
وماذا قال الشعراء عنها ؟
لها خال على صفحات خد /كنقطة عنبر في صحن مرمر
ياقوت الحموي
قالوا له خال بصفحة خده /و تفننوا في كنهه و صفاته
مصطفى بن زكري
لله خال على خد الحبيب له /في العاشقين كما شاء الهوى عبث
ابن نباتة المصري
و خال على خديك يبدو كأنه /سنا البرق في دعجاء باد دجونها
المرار بن سعيد
كرّار السّعد استفز وجدانه وقلمه “شامة” على خدها وهذا النص الذي سبق ومضة الشامة على الشفة
فهل للشاعر هدف من نشرها؟ هل هي رسالة لصاحبة هذه الشامات ؟
أم أصبح بين الشامتين مقيداً و ينشد من قرّائه مشاركته هذه المشاعر التي فاض بها وجدانه؟ هل باستطاعتنا كمتابعين الجمع بينه وبينهما ولو عن طريق القلم و القرطاس؟
الومضة “شامة الشفة”: أول فعل بدأ به الومضة فعل أمر فيه من الالحاح و الرجاء وهو امتداد لما كان يخالج وجدانه حين باح به: كان القرب فطلب قربا أكثر : “تقربي أكثر”
الفعل أريد وأصير: لم يرغم الكاتب على الانصهار في شامتها
“بمحض إرادته” فالأفعال مع ضمير الأنا المتكلم ،فهل الشامة ذهبت بعقله و لم يعد يرى إلاها؟
لروعة جمالها زلزلت وجدانه و كادت أن تذهب بعقله، تمنى لو “يسكن سقف الشفة” ليكون شامة أخرى فاستعار من اللغة “الضمة و الشدة” و كلاهما حركة اشتياق: العناق بعنف حد الوجع اللذيذ
واستعار من الطبيعة: أجنحة الطير ليحلّق فوق حمرة الشفق ” تحرير وجدانه والتحليق مع حبه الشديد لحبيبته: و الشفق يمتاز بجمال لونه كان شروقاً أو غروباً : أصبحت صاحبة الشامة فضاءه و زمنه: كأن الشاعر في سجن واسع انحصر في المكان “شامة الشفة و زمان شفق أحمر “.
يعود الشاعر إلى أفعال الأمر الموجهة لصاحبة الشامة “لعل يحفزها على التفاعل مع ما يخالج وجدانه: أعطي /اعربي / اختاري، هذا اللعب على الحركة، فيه جلب لانتباه القارئ بإيقاع جرس الأفعال وحسن جمال الحركة .
لتكون القفلة: كل السهام تشير إلى قلبي و نقطة تعجب:
فنعود إلى حالة صاحبة الشامة، هل اهتمت بما سببته شامتها من معاناة للشاعر؟ استجداء وتوسل وأمر .
يقول مخاطبا اياها :
– أعطي سبباً أو أقل من نظرة / السبب لعدم استجابتها لما يخالج نفسه والنفَس ، ومنحها أن تختار ولو أقل من نظرة،
– اعربي ما تحته بركان / يعود إلى الاستعارة اللغوية، اشارة غير مباشرة إلى قلبه و ما به من نيران و حمم تغلي داخله أشبه ببركان فالقلب مفعول به والفعل قامت به الشامة
فكل السهام تشير إلى قلبي
– اختاري ما بين الأقواس، ويتجدد جمال اللغة في هذه الومضة، فما بين الأقواس ما تبقى من أحاسيس التي تشمل كل الحواس وأولها ما ذُكره أعلاه في بداية الومضة: أريد أن أصير … ضمةً أو شدةً وشامة أخرى و هذه الصورة لن ترسمها إلا قبلة فلا هروب من ذكرها.
نص في خدك خال :
يقول الشاعر: في خدك خال / و في قلبي بذرة، بين الخال والبذرة حركت الحواس أولها حاسة النظر ثم وفي حركة مبطنة أصبحت الشامة بذرة في الوجد، و البذرة تحتاج لعناية من سقاية و هواء، تحتاج لعناصر الحياة و الشاعر لم يجد لها إلا قلبه تربة ليضمها بشدة “مفردات مستعارة من الومضة ”
كيف للكتابة أن تختم بشامة؟ الاجابة تأتي لاحقا و تقدمنا في قراءة نص القصيدة، “لكنها نقطة بداية حب” و مفردة حب جاءت نكرة وغير معرفة نتساءل إذن؟ هل الشاعر في بداية حب دغدغ حواسه خال على خدها فكان بذرة في قلبه؟
في المقطع التالي الذي لا يمكن تجزأته
هي عين نبتت على سفح ضوء: الخد هو الضوء و العين هي الشامة
هي منارة الشاردين في بحر حب: احتلال الشامة مكانة عالية في قلوب محبيها، فمن السهل الوصف و الاشارة الى صاحبة الشامة فالشامة اول ما يقع عليه النظر ان احتلت مكانا بالوجه
هي مئذنة تنادي لقيام قصيدة: باختصار التاويل هي إلهام الشعراء منذ القدم لتمتع صاحبتها بالحسن والجمال، والمئذنة اشارة ربما الى الجمال الروحي التي تضفيه الشامة على صاحبتها .
في بداية كل سطر كان يشير الشاعر في حديثه بالضمير المؤنث الغائب الى صاحبة الشامة والحديث موجه لنا نحن المتابعين، الشاعر اعارنا عينيه واحساسه حتى نراها بعين الفخر والتباهي بها فقد جعلها تحتل أماكن الشموخ القريبة من النور ابتداءً من: العين مرورا بالمنارة و المئذنة لتنتهي إلى: هي قطرة من فرشاة الرب، ويبدع الخالق في حسنه شامة مع صاحبتها خلقت” سقطت لتختم لوحة الجمال”
وصدق من قال الأنوثة قطرات فتفردت ملهمة الشاعر بثقل ميزان أنوثتها فازت عن نساء “القباني” في الوصف رغم قول هذا الأخير الكثير في المرأة والجمال فهو شاعر النساء، وهذا تحدي كبير من السعد لهذا الشاعر الذي قال: دعيني أؤسس دولة عشق تكونين أنتِ المليكة فيها وأصبح فيها أنا أعظم العاشقين، دون أن ينسى قوله عن صاحبة الشامات مناديا: يا التي تنتشر الشامات في أطرافها مثل الكواكب / إنني أصرخ كالمجنون من شدة عشقي / قال أيضا وصارت الكلمات التي أعرفها أقل بكثير من عدد الشامات التي تطرز جسدكِ، كرّار السّعد و شامة واحدة أزهرت لأجلها القبلات وكانت بذرة فأنبتت شجرةً بقلبه.
حين نقرأ الومضة والنص معاً بالقلم المباشر:
الشاعر بين شامتين :
الومضة: شامة على الشفة
النص: شامة على الخد
فصاحبة الشامة ليست بواحدة أو تكون هي نفسها، سؤال عادي يطرحه القارئ
بقلم التعمق و التحليل يقول الشاعر في الومضة: اعربي ما تحته بركان / في النص يقول: و في قلبي بذرة
كل السهام تشير إلى قلبي في الومضة / تزهر القبلات … في شجرة صدري
مع العلم أن النص كُتب قبل الومضة ( حسب علمي )، فيتضح مما تقدم أن الشاعر مع نفس صاحبة الشامات: شفة وخد، جمال الصورة وحسنها كانت الالهام لولادة مثل هذا الحرف الذي وصف أنثى حد تفوقها على نساء القباني، في النص عرفنا عليها و بدأت في التمكن من وجدانه حين كرر ضمير الغائب و وصفها حتى رسمها بريشة حرفه فكانت الومضة الخلاصة أو ما انتهى إليه الشاعر حين اكتشف أن لها شامة أخرى على خدها …
فهل ننتظر شامات أخرى تُزهر و صاحبتها بقلب الشاعر ؟
السطر الأخير : وشامة بين الخد و الفم / و كأنها في جنة تتنعم
قال أحدهم : تذبحني الشامة التي تحتها الشفة / و تحييني الشفة التي فوقها الشامة
بقلمي سعيدة بركاتي/تونس
الومضة :
تقرّبي أكثر، أريدُ أن أصير في سقف شفتكِ شامةً أخرى، ضمةً أو شدةً، طائراً فوق حمرة الشفق، أعطي سبباً أو أقل من نظرة، أعربي ما تحته بركان، اختاري ما بين الأقواس، كل السهام تشير إلى قلبي!
النص :
في خدكِ خالٌ
وفي قلبي بذرة
من عادتي اختم الكتابة بشامة
لكنها نقطة بداية حب
هي عين نبتتْ على سفح ضوء
هي منارة الشاردين في بحر حب
هي مئذنة تنادي لقيام قصيدة
هي قطرة من فرشاة الرب
سقطتْ لتختم لوحة الجمال
قطرة تجعلُكِ أثقل في ميزان الأنوثة
وتفصلُكِ عن قَبّان النساء
فتزهر القُبلات مثل خدود ناضجة
في شجرة صدري
إلى آخر نَفَس
كرّار السّعد