في مثل هذا اليوم16 مايو1949م..
حكومة حسني الزعيم تقر اتفاقية التابلاين، وبموجبها وافقت سوريا على مرور أنبوب لنقل النفط من حقول السعودية إلى ميناء صيدا اللبناني عبر أراضيها
حسني الزعيم (1897 – 14 أغسطس 1949) رئيس الجمهورية السورية الأولى، عبر انقلاب مارس 1949، قبل أن يطاح به بانقلاب أغسطس 1949، لتكون فترة حكمه قرابة أربعة أشهر بين 30 مارس و14 أغسطس 1949. على الرغم من قصر الفترة الزمنية التي تولى فيها الزعيم السلطة، إلا أنها تركت “علامة فارقة” في تاريخ سوريا الحديث، خصوصًا من ناحية كونها فاتحة عشرين انقلابا ومحاولة انقلابية كان آخرها انقلاب 1970 (سوريا).
جمع الزعيم خلال المرحلة الأولى من حكمه بين رئاسة الدولة والحكومة والسلطة التشريعيّة، وأجرى انتخابات رئاسية أفضت لفوزه، فغدا رئيسًا في 26 يونيو 1949؛ تمتع الزعيم في الأيام الأولى من انقلابه بدعم شعبي واسع، وتأييد معظم الطبقة السياسة السابقة، وذلك نتيجة لسلسلة الأزمات السياسية والركود الاقتصادي، وفقدان الثقة بالنظام بعد هزيمة حرب 1948. وسرعان ما تبخرت تلك الشعبية مع تفرده بالسلطة، وتسليمه أنطون سعادة، وإقراره اتفاق الهدنة مع إسرائيل. جمعت الزعيم صداقة قوية مع الملك فاروق الأول ملك مصر، وتحالف معه ومع المملكة العربية السعودية، وانقلب بنتيجة التحالف على مشروعي سوريا الكبرى والهلال الخصيب، الذين كان يدعمهما قبل رئاسته.
الزعيم هو أول رئيس من خارج الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية التي حكمت البلاد منذ سقوط سوريا العثمانية، والتي شكلت السمة الأبرز في الحياة السياسية خلال عهد الجمهورية السورية الأولى؛ وهو أول رئيس لا يعتمر الطربوش؛ وقد كتبت صحيفة التايمز أنه “أنهى حكم العائلات الغنية في سوريا، وقضى على الفساد في الدولة”؛ وعلى الرغم من فترة حكمه القصيرة إلا أنه قدّم إنجازات هامة، منها منح المرأة حق التصويت، ووضع قانون الأحوال الشخصية. اعتبر الزعيم نفسه زعيمًا في مصاف زعماء كبار كنابليون وأتاتورك وهتلر، وقال في مرحلة لاحقة أنه «ملك سوريا»؛ وصف بالديكتاتور وقال عنه خالد العظم أنه «متهور وطائش»، اشتهر بولعه باللباس، وبقوله: «أتمنى أن أحكم الشام يومًا واحدًا ثم أُقتل».
دعا حسني الزعيم الشعب السوري إلى انتخابه رئيسًا للجمهورية في حزيران من نفس عام الانقلاب، لكن قبل ذلك بشهر، وتحديدًا في 16 من أيار، أقرت حكومته، بتشريع عسكري، اتفاقية “التابلاين” (TAPLINE) لنقل النفط عبر أنابيب تمر في الأراضي السورية إلى البحر المتوسط.
اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت بانقلاب حسني الزعيم، الذي كان ثاني انقلاب عسكري في المنطقة بعد العراق، تمهيدًا للموافقة على اتفاقية “التابلاين”، التي رفض المجلس النيابي السوري بنودها، لمّا “فاحت روائح الرشوة والعمالة” منها.
كان مشروع خط “التابلاين” أكبر خط أنابيب من نوعه في العالم، إذ امتد بين ساحل الخليج العربي وساحل البحر الأبيض المتوسط، بطول بلغ 1664 كيلو مترًا، واستغرق إنجاز المشروع أقل من ثلاث سنوات، ليكون معبرًا لنقل النفط من السعودية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ولاحقًا أصبح خط “التابلاين” ينقل ما يصل إلى 30% من إنتاج المملكة من الزيت الخام إلى الناقلات، التي حملته بدورها، إلى أسواق النفط في أوروبا والساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ويعود سبب رفض البرلمان السوري هذا المشروع، إلى أن النفط العربي سيصل إلى دول أجنبية تدعم قيام دولة إسرائيل في فلسطين، الأمر الذي رفضه رئيس الوزراء، حينها، خالد العظم، أيضًا، لأن شروطها لم تكن منصفة للدولة السورية، وأعطت صلاحيات واسعة لشركات الاستثمار الأميركية.
وقال رجل الأعمال والسياسة الأميركي، مايلز كوبلاند، في كتابه “لاعب اللعبة” إن “الانقلاب كله من تدبير حسني الزعيم من البداية حتى النهاية”، وأن عمل الولايات المتحدة ما كان سوى “إسداء النصيحة للزعيم فيما يتعلق بالتخطيط، ووعده باعتراف الولايات المتحدة بحكومته الجديدة”.
قدم الملك عبد العزيز آل سعود مسألة “التابلاين” إلى الرئيس القوتلي قبل الانقلاب وتم التوقيع على المشروع، وفق كتاب “العلاقات السورية- الأمريكية“، لأستاذ التاريخ في جامعة “كركوك”، فهد سليمان السبعاوي، لكن لم يجرؤ القوتلي، حينها، على تقديمه إلى المجلس النيابي السوري، وعندما شكل خالد العظم حكومته في 16 من كانون الأول 1948، ركزت على حل المسائل الاقتصادية وأهمها مشروع “التابلاين”.
وعندما قُدم المشروع إلى المجلس النيابي في 16 من شباط لعام 1949، قوبل بالمعارضة الشديدة، حتى إن “المظاهرات الشعبية خرجت تندد بالمشروع”، وفق الكتاب.
وطلب أعضاء البرلمان تأجيل مناقشة المشروع بعد إصرار الرئيس القوتلي عليه، معتبرًا أن ذلك يقع في مصلحة سوريا لفتح باب التعاون السياسي والاقتصادي مع أمريكا.
وبعد 11 يومًا من الانقلاب، استقبل حسني الزعيم ممثلين أمريكيين للتفاوض بشأن “التابلاين” معهم، وأعلن في 17 من نيسان، باعتباره صاحب السلطة التشريعية والتنفيذية، عن نيته في إبرام الاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وشركة “التابلاين” الأمريكية، رغم أن وزير الأشغال والمواصلات السوري حينها، فتح الله صقال، قد قدم تقريرًا أشار فيه إلى أن المشروع يمثل انتقاصًا للسيادة الوطنية السورية، إلا أن الزعيم أكد أن المشروع في مصلحة سوريا.
خط الأنابيب الذي مر بالأراضي السورية قامت من أجله منشآت ضرورية خاصة لهذا الغرض، وعند إتمام الاتفاق بين شركة خط الأنابيب المسجلة في ولاية دولاوير الأمريكية والحكومة السورية، حددت المنافع التي تنالها الحكومة من الشركة مقابل الامتياز.
وبناء على طلب الشركة لصب أنابيب النفط مبتدئًا من منطقة الظهران في السعودية منتهيًا إلى مرفأ الشاطئ اللبناني، كان للحكومة السورية حصة 50% من صافي المبالغ الناتجة عن استثمار الأراضي السورية لمشروع “التابلاين”، وذلك من أجل مد الخطوط وبناء المصفاة وصهاريج النفط، وفقًا لاتفاقية “عائدات التابلاين” بين الحكومة السورية واللبنانية.
تم إيقاف الضخ عبر أنابيب مشروع “التابلاين” إلى صيدا بجنوب لبنان مع الاحتلال الاسرائيلي لهضبة الجولان الذي يمر بها الخط، وذلك في عام 1967.
وخط “التابلاين” خارج الخدمة اليوم، وحل محله خط أنابيب الزيت الخام “شرق- غرب” وغيره من خطوط الأنابيب، فيما تقوم الناقلات الضخمة المملوكة لشركة “فيلا” البحرية العالمية المحدودة التابعة لـ”أرامكو” السعودية بنقل الزيت السعودي إلى الأسواق العالمية.!!